خبر الواقعية العربية ..محمد السعيد إدريس

الساعة 10:23 ص|16 يونيو 2009

ـ الخليج 16/6/2009

اقترنت الدعوة إلى السلام في ما أخذ يعرف ب”المنطقة” أو في أحسن الأحوال “المنطقة العربية”، والمقصود بالطبع بذلك “الوطن العربي” بالدعوة إلى مفهومين آخرين، مفهوم “الواقعية” ومفهوم “ثقافة السلام” ولإكساب هذه المفاهيم الجدارة اللائقة أخذت هذه المفاهيم توصف ب”العلمية” و”العقلانية”، والمبرر لهذا كله جاهز وهو موازين القوة في “المنطقة”، أي أن القوة، وليس للعلمية والعقلانية، هي المحدد الحاكم لما هو واقعي، أو أن القوة، هي المعيار الأساس للعلمية والعقلانية والواقعية بغض النظر عن الحقوق والمبادئ والقيم. وعلى نحو ما أصبح الحديث عن الوطن العربي والعالم العربي والأمة العربية مكروهاً في ظل الترويج لدعوة “الشرق أوسطية” التي اقترنت بالدعوة إلى السلام، وأصبح مصطلح “المنطقة” هو الأكثر قبولاً وانسجاماً مع دعوة “الشرق أوسطية” لأنه يقصر علاقة الدول العربية ببعضها البعض على علاقة “الجوار الجغرافي” فقط من دون غيره من الروابط وخاصة رابط الهوية القومية العربية الحضارية، كضرورة للتمهيد لجعل “إسرائيل” طرفاً طبيعياً غير معزول عن غيره من الدول المجاورة، أصبح أيضاً مفهوم “المقاومة” مكروهاً، وأصبحت ثقافة المقاومة محرّمة لأنها تتعامل على أرضية الحقوق والمبادئ والقيم، ولأن المطلوب هو تكريس مفهوم “القوة” كمحدد لتأسيس العلاقات والتفاعلات، أي أن تطالب بحقوق بقدر ما لديك من قوة، ولأن مصادر القوة العربية مبعثرة ومتصارعة، فإن القوة “الإسرائيلية” المدعومة أمريكياً هي الأرجح والأقدر على فرض الإرادة، لذا بات مطلوباً من العرب قبول ما تريده “إسرائيل”، وترضى عنه أمريكا، وأصبح هذا يوصف بالواقعية والعقلانية وغيره يوصف باللاواقعية وبالذات إذا كان يتحدث عن مقاومة أو ثقافة مقاومة. وعندما تعلن حركة “حماس” استعدادها للتهدئة والمساعدة إقامة الدولة الفلسطينية في رسائل ضمنية لإدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما وعلى لسان خالد مشعل رئيس مكتبها السياسي لتشجيع الإدارة الأمريكية على التمسك بموقفها المؤيد ل”خيار الدولتين” تتفجر حملات “الاستهزاء” و”السخرية” ضد هذه المبادرة التي أعلنت عنها حركة “حماس” ونعتها بالكثير من الصفات على شاكلة كم هو غريب أمر “المناضلين” و”المجاهدين” و”القوميين” وكذلك “الإسلاميين” في منطقتنا. ففي الصباح يهاجمون بني جلدتهم على أنهم عملاء خانعون لأمريكا، وفي المساء يريدون التحدث إلى أمريكا! هذا التندر والاستهزاء يكشف الكثير من الحقائق أولها أن من يعتقدون في أنفسهم أنهم “عملاء”، يرتعدون خوفاً من أية مبادرة “ليونة” أو ما يمكن أن يوصف ب”ليونة” من الطرف المتشدد، لأن هذه الليونة تفقد هؤلاء تمايزهم الوحيد. وثانيها أن إعلام الاعتدال، كتعبير عن قوى سياسية بعينها، لا يريد تنازلات تكتيكية من أي طرف محسوب على المقاومة، وأن يوصف هذا الطرف بأنه “مقاومة” لأنه يضع طرف الاعتدال ذاك في موقف المتهم بالتفريط دائماً، ما يريده هو التفريط الكامل حتى يتساوى الجميع. وثالثها، أن الرسالة باتت واضحة لكل قوى المقاومة، وهي أن أي تراجع أو تنازل تكتيكي أو جزئي، أياً كان الهدف منه، سيبقى مرفوضاً، ولن يحقق أهدافه، فصراعنا مع العدو باعتباره “صراع وجود”، باعتراف العدو وإعلامه، لا يقبل أنصاف الحلول، إما أن تكون مقاومة عن حق وعن جدارة، وإما أن تكون واقعياً أي أن تنسى الحقوق وتقبل بحكم وإرادة توازن القوة.