خبر « إسرائيل » تحتجز273 شهيدا فيما يعرف بمقابر الأرقام وثلاجات الموتى

الساعة 09:04 ص|14 يونيو 2009

فلسطين اليوم – القدس المحتلة

عمدت حكومة الاحتلال الإسرائيلي منذ احتلالها الضفة الغربية ومدنية القدس وقطاع غزة عام 1967، إلى معاقبة الشهداء والفدائيين وذويهم، بحجز الجثامين فيما يعرف بماقبر الأرقام وثلاجات حفظ الموتى، ضاربة بعرض الحائط إتفاقيات جنيف، وحقوق الإنسان، وحرمة الجثث.

 

إن الحكومة الإسرائيلية بعملها المشين، دخلت التاريخ كأول دولة في العالم تعاقب الإنسان بعد موته باحتجازه في مقابر لا يعرف أحد مكانها، وعدد الشهداء التي فيها، وأسماؤهم، وكل هذا وغيره يندرج تحت السياسة الإسرائيلية العنصرية التي تستهف كل ما هو فلسطيني، سواء كان على قيد الحياة أم استشهد دفاعا عن وطنه ودينه.

 

إسرائيل تحتجز ما يقارب 273 شهيدا بينهم 27 مفقودا في مقابر سرية، وهي عبارة عن مدافن بسيطة، محاطة بالحجارة بدون شواهد، ومثبت فوق كل قبر لوحة معدنية تحمل رقما معينا، ولكل رقم ملف خاص تحتفظ به الجهة الأمنية المسؤولة يشمل المعلومات والبيانات الخاصة لكل شهيد.

 

بهذه العبارات البسيطة وصف سالم خلة المنسق العام للحملة الوطنية لإسترداد جثامين الشهداء والمفقودين الفلسطينيين والعرب المحتجزين لدى الحكومة الإسرائيلية في مقابلة خاصة مع 'وفا'، مقابر الأرقام، مضيفا أنه عرف منها أربع مقابر، الأولى مقبرة الأرقام المجاورة لجسر 'بنات يعقوب'، وتقع في منطقة عسكرية عند ملتقى الحدود الإسرائيلية السورية اللبنانية، وتشير مصادر إلى وجود ما يقرب من 500 جثمان لشهداء فلسطينيين ولبنانيين سقطوا في حرب 1982 وما بعد ذلك.

 

أما المقبرة الثانية فتقع بالمنطقة العسكرية المغلقة بين مدينة أريحا وجسر دامية في غور الأردن، ومحاطة بجدار فيه بوابة حديدية معلق فوقها لافتة كتب عليها بالعبرية 'مقبرة لضحايا العدو'، ويوجد في المقبرة أكثر من مئة قبر، وتحمل هذه القبور أرقاما من '5003-5107'، والمقبرة الثالثة وهي مقبرة 'ريفيديم' وتقع في غور الأردن، أما المقبرة الرابعة وتدعى مقبرة 'شحيطة' وتقع في قرية وادي الحمال شمال مدينة طبريا الواقة بين جبل اربيل وبحيرة طبريا.

 

وأشار إلى أن الشهداء الـ 273 هم من أبناء الضفة الغربية وقطاع غزة، حيث عرف من قطاع غزة 26 شهيدا، ومن محافظة رام الله 19 شهيدا، والخليل 40، ونابلس 80، وطولكرم 24 شهيدا إضافة إلى وجود معلمومات حول ثلاثة شهداء آخرين لم تعرف أسمائهم، وجنين 51، وقلقيلية 10، وأريحا شهيد واحد، وبيت لحم 21 شهيدا.

 

وقال خلة 'انبثقت لدى مركز القدس للمساعدة القانونية وحقوق الإنسان من شعور إنساني عميق لدى والد أحد الشهداء المحتجزة جثامينهم في مقابر الأرقام، وهو في الثمانينات من عمره، عندما عبر عن أمنيته الأغلى فيما تبقى من حياته وهي أن يتمكن من تشيع جثمان ولده إلى مثواه الأخير، انبثقت فكرة أن لماذا لا نطلق حملة إنطلاقا من هذه الواقعة وتعمم على كل من يفتقد حقه الإنساني والقانوني بأن يسترد جثمان ولده، ويمارس حقه الإنساني الذي كفلته حقوق الإنسان، وإتفاقيات جنيف، من هنا تبنى مجلس إدارة الركز إطلاق الحملة الوطنية لإسترداد جثامين الشهداء والمفقودين الفلسطينيين والعرب المحتجزين لدى الحكومة الإسرائيلية.

 

وتابع 'إن بداية الحملة كانت صعبة، بسبب عدم توفر أي توثيق فلسطيني شامل للحالات المحتجزة لدى الحكومة الإسرائيلية، سواء من المناضلين الفدائيين الذين عبروا الحدود في سبعينات وثمانينات القرن الماضي، واستشهدوا في معارك مسلحة مع جيش الاحتلال واحتجزت جثامينهم، ويعتبروا من أبناء الثورة الفلسطينية والعرب، أو من أبناء شعبنا في المناطق المحتلة عام 1948 واستشهدوا في سنوت الاحتلال'.

 

وأضاف أن التوثيق الذي أجرته الحملة لأسماء الشهداء، كان من خلال اللقاء المباشر مع ذوي الضحايا بعد أن أعلن مركز القدس بالصحف المحلية أنه سيتابع الحملة وسيقوم بتوثيق أسماء الشهداء، وناشد المركز أهالي الشهداء بالتوجه إليه، حيث تم اعداد استمارات خاصة للأهالي أثناء اللقاء المباشر.

 

وأشار إلى أن أهالي قطاع غزة قاموا بالاتصال بنا، وانتخبوا من بينهم لجنة لمتباعة كل جديد معنا، موضحا أن الحملة مرخص لها بالعمل فقط في الضفة الغربية وممنوعة من العمل في قطاع غزة، أما في الضفة فاجتمعت الحملة مع أهالي الشهداء وشرح لهم ما هو مطلوب منهم.

 

وتابع 'انتخب الأهالي في كل محافظة بالضفة الغربية لجنة من الأهالي للمتابعة، وكل لجنة أفرزت مندوبا أو أكثر للجنة الوطنية لمتابعة أعمال الحملة، وانتخبت في 27/8/2008 منسق عام للحملة.

 

ولفت خلة إلى أنه تم تعبئة استمارات للشهداء ووضعت على الموقع الإلكتروني المعد خصيصا للحملة وهو 'www.makaberalarqam.ps'، مضيفا أن هنالك بعض عشرات الحالات التي لم تتمكن الحملة من الوصول إليهم في المناطق الفلسطينيية.

 

ونوه إلى أن الحملة ستستكمل حملة التوثيق بتغطية الحالات الموجودة في الخارج من الفلسطينيين  والعرب المحتجزة جثامينهم لدى الحكومة الإسرائيلية في مقبرة الأرقام، وذلك بالتعاون مع مؤسسات حقوقية فلسطنية، وعربية في لبنان وسورية.

 

وقال إن الحملة تحاول خلق رأي عام فلسطيني وطني قوي، ليتحول هذا المطلب من كونه مطلب لذوي الشهداء إلى ملب وطني فلسطيني مجمع عليه، وذلك من خلال سلسلة اللقاءات التي شرعت الحملة الوطنية تنظيمها مع منظمات المجتمع، والأحزاب الوطنية، والكتل البرلمانية، إضافة إلى المنظمات الموقعة على حقوق الإنسان، وقيادة منظمة التحرير الفلسطينيية، والحكومة ممثلة بوزارة شؤون الأسرى، ووسائل الإعلام الرسمية والخاصة.

 

وتابع 'أن الحملة قدمت مذكرات لعدة أطراف، منها للأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، جاء فيها 'إننا عائلات وأهالي الضحايا نطالبكم بالتدخل العاجل لدى حكومة إسرائيل لأجل مطالبتها الحازمة بالإفراج الفوري عن جثامين أحبائنا، وتسليمها لعائلاتهم حتى يتسنى لنا ممارسة حقنا في تشييعهم ودفنهم وفقا لتقاليدنا الدينية والوطنية وما يليق بالكراة الإنسانية'.

 

كما أرسلت الحملة من خلال مركز القدس للمساعدة القانونية، مذكرة للمفوض السامي لحقوق الإنسان، وأخرى للصليب الأحمر الدولي، والأمين العام لجامعة الدول العربية والتي جاء فيها 'ندعوا جامعة الدول العربية إلى الإعلان عن تبني مطالبنا والعمل على تفعيل ممثليات الجامعة العربية ودوائرها ذات الصلة في حملة للاتصالات الدولية مع الحكومات المعنية، والمؤسسات الحقوقية والإعلامية لتشكيل قوة ضغط عربية ودولية تطالب حكومة إسرائيل بالإفرا عن جثامين الشهداء وتمكين ذويهم من تشييعهم ودفنهم'.

 

وأرسل المركز عدة مذكرات للأطراف الوطنية، مبتدأت بالحكومة ممثلة بوزارة شؤون الأسرى، ومسؤولي الكتل البرلمانية في المجلس التشريعي، ولجنة التنسيق المركزية للقوى الوطنية.

 

وأشار خلة إلى أن الحملة لمست استجابة واسعة من الأطراف الوطنية، التي عبرت عن نفسها بالمشاركة النشطة في الفعاليات التي نظمتها الحملة، إضافة إلى توقيع اتفاقيات تعاون وشراكة بعضها مكتوب وبعضها شفوي، مع مؤسسات حكومية وغير حكومية تنخرط في التعاون مع الحملة في عدة نشاطات جماهيرية ورسمية.

 

وقال 'إننا نستعد في المرحلة الراهنة للقيام بسلسلة أخرى من النشاطات الجماهيرية الضاغطة على الحكومة الإسرائيلية والمنظات الدولية، من خلال طباعة بوسترات للشهداء والمفقودين في محافظات الوطن، وكذلك نستعد لإصدار كتاب كراسة عن هذه القضية يتضمن الجوانب القانونية، إضافة إلى معلومات وبيانات عن الشهداء والمفقودين، وعمل نصب تذكارية لهم بمراكز المدن، إضافة إلى جنازات رمزية يحمل فيها ذوي الشهداء نعوشا رمزية لأحبائهم ويتجهون بها إلى الصليب الأحمر الدولي لمطالبتهم بتأمين حقهم بتشيع حقيقي لأبنائهم ليتمكنوا من دفنهم بما يليق بكرامتهم'.

 

وشدد على ضرورة تفعيل الممثليات والبعثات الفلسطينية في الخارج لتنظيم دورها ومساهمتها النشطة مع الحكومات الممثلة لديها، والمؤسسات الحقوقية والإعلامية، ليصبح مطلب استرداد جثامين الشهداء قضية ذات طابع دولي ضاغط على إسرائيل.

 

وأوضح أن محامو مركز القدس يواصلون متابعتهم القانونية مع سلطات الإجتلال والجهات القضائية المختصة فب إسرائيل للمطالبة باسترداد جثامين الشهداء، مشيرا إلى أن المركز لمس في هذا الإطار سياسة التسويف والمماطلة التي تحملها هذه الجهات التي تقوم بدراسة الملف دون اتخاذ اجراء ملموس تطبيقا للقرارات والمواثيق الدولية.

 

ورأى خلة أن الجهات الإسرائيلية تمارس المماطلة والتسويف انطلاقا من عاملين، الأول ينطلق من الأهداف التي من أجلها تحتجز إسرائيل الجثامين، والتي بينها سياسية للإنتقام العنصري الذي تمارسه إسرائيل بحق هؤلاء المناضلين بعقابهم حتى بعد موتهم، وليكون العقاب رادعا من وجهة نظر إسرائيل للمواطنين الفلسطينيين كي لا يقوموا بممارسة حقهم في مقاومة الاحتلال، إضافة إلى سياسة العقاب التي تنتهجها إسرائيل بحق عائلات الضحايا بحرمانهم من أبسط حقوقهم الإنسانية والدينية بتشيع أبنائهم.

 

وأضاف أن العامل الثاني هو استخدام الجثامين للمساومة عليها في أي عمليات لتبادل الأسرى، كما حدث في الصفقة الأخيرة مع حزب الله، إضافة إلى الجندي الأسير في قطاع غزة 'جلعاد شاليط'، لدى منظمات فلسطينيية، التي تحاول إسرائيل إستخدام الجثامين للمساومة عليه.

 

وأسف خلة أن خاطفي الجندي الإسرائيلي شاليط لم يضمنوا مطالبهم تحرير جثامين الشهداء من مقابر الأرقام، مطالبا إياهم أن يضمنوا مطالبهم تحرير جثامين الشهداء في إطار الصفقة المعد لها.

 

وأضح أن إسرائيل أصدرت قرارا واحدا في 1/9/1976 وهو أمر عسكري أصدرته قيادة الأركان العامة للجيش الإسرائيلي حمل رقم (380109) يتعلق بتعريف الجثث، ونزع الوثائق والأغراض عن الجثث وترقيم الجثث والقبور، مع أنها لا تطبق القانون.

 

وبين أن أهالي الشهداء كانوا قد رفعوا دعوة قضائية بالمحاكم الإسرائيلية، أصدرت الحكومة على إثرها قرار بتسليم الجثامين إلى عائلاتهم، إلا أن سلطات الاحتلال رفضت القرار ولم تفرج عن الجثامين.

 

وأشار إلى أن الحملة الوطنية لا تملك موازنة عامة، ولا يوجد داعم متواصل لها، إذ أنه تعتمد في نشاطاتها على مؤسسات أهلية ورسمية لدعمها، كالمحافظات، والجمعيات، مضيفا أن وزارة شؤون الأسرى تعاونت بشكل إيجابي مع الحملة.

 

ووجه خلة نداء للأحزاب الوطنية، مطالبا إياهم تجنيد علاقاتهم مع القوى الدولية والعربية للضغط على إسرائيل، وكذلك تجنيد وسائلهم الإعلامية في الحملة، داعيا إلى عدم ترك ذوي الشهداء المحتجزة جثامينهم لدى السلطات الإسرائيلية عراة من الدعم السياسي والجماهيري.