خبر للمرة الثانية.. خامنئي يهدي الفوز لأحمدي نجاد ..محمود عبده علي

الساعة 01:27 م|13 يونيو 2009

للمرة الثانية.. خامنئي يهدي الفوز لأحمدي نجاد ..

محمود عبده علي

في الأول من مايو 2005، وقبل انتخابات الرئاسة الإيرانية التاسعة (17 يونيو 2005) بأسابيع قليلة، قدم علي خامنئي، مرشد الجمهورية الإسلامية، للإيرانيين وصفا للمرشح النموذجي الذي يجب عليهم أن ينتخبوه، قائلا "أنا شخصيا أود لو ينتخب رئيس هدفه الأساسي خدمة الشعب.. رئيس وفي لمثل ثورتنا ونظامنا الإسلامي وهادف حقا إلى إحقاق الحق ومكافحة الفساد.. وأنا أود لكم أنه إذا ما تم انتخاب مرشح ديناميكي كفؤ متفان في خدمة الشعب يضع على رأس أولوياته إحقاق العدل الاجتماعي واستئصال التمييز والفساد من المجتمع، فإن العديد من المشكلات التي تواجه أمتنا حاليا على الجبهتين الداخلية والدولية ستحل".

ولم تكن هذه الأوصاف تنطبق على مرشح قدر انطباقها على عمدة طهران المغمور محمود أحمدي نجاد، الذي كان برنامجه الانتخابي ممتلئ بالحديث عن العدالة الاجتماعية ومكافحة الفساد وضرورة العودة لنهج الإمام الخميني. وبالفعل حقق نجاد فوزا مدويا في الانتخابات وتمكن من إزاحة جميع منافسه؛ المحافظين (هاشمي رفسنجاني- علي لاريجاني- محسن رضائي- محمد باقر قاليباف) والإصلاحيين (مهدي كروبي- مصطفى معين- محسن مهر علي زاده) على حد سواء، برغم أن استطلاعات الرأي التي سبقت الانتخابات كانت تضعه في المرتبة الرابعة بين المتنافسين. وأرجع الكثيرون هذا الفوز، بجانب أسباب أخرى، إلى الدعم الذي تلقاه نجاد من خامنئي، الذي يمسك بزمام السلطة في إيران، وتخضع له جميع المؤسسات بما فيها المشاركة في العملية الانتخابية.

 

سيناريو 2005 يتكرر مجددا

السيناريو نفسه تكرر في الانتخابات الحالية، التي أجريت بالأمس (12 يونيو 2009)، فقد كانت كل المؤشرات توحي بأن فرص نجاد في الفوز بولاية ثانية ضئيلة، فقد فشل نجاد في الحصول على دعم التيار المحافظ له في الانتخابات، حيث لم تعلن كل من "جمعية رجال الدين المناضلين" (جامعة روحانيت مبارز تهران) و "جمعية مدرسي الحوزة العلمية في قم" (جامعة مدرسين حوزة علمية قم)، وهما اثنان من أكبر الأحزاب المحافظة في إيران، نتيجة الخلافات الشديدة داخل التيار المحافظ، بل إن أعضاء في تلك المؤسستين أعلنوا تأييدهم العلني للمرشح مير حسين موسوي. هذا إلى جانب الانتقادات الشديدة التي تعرض لها نجاد طيلة الحملة الانتخابية بسبب سياساته الاقتصادية التي أدت إلى تدهور الوضع الاقتصادي رغم عوائد النفط الهائلة التي تحققت في عهده، وأسلوب إدارته للسياسة الخارجية.

 

ورغم كل ذلك تمكن نجاد من الفوز بولاية ثانية، فطبقا للنتائج الأولية التي أعلنتها وزارة الداخلية الإيرانية بناء على فرز 90% من الأصوات، حصل نجاد على 65%، في حين حصل أقرب منافسيه مير حسين موسوي على 32%. والسبب الرئيسي يكمن في دعم خامنئي له، وهو الدعم الذي بدا ظاهرا حتى قبل بدء الحملة الانتخابية، ففي أغسطس 2008 طلب خامنئي لدى استقباله أحمدي نجاد وحكومته، إعداد برنامج "للسنوات الخمس المقبلة"، في إشارة واضحة إلى دعمه للترشح في الانتخابات.

 

وفي خطاب ألقاه في سننداج، كبرى مدن كردستان، في الثاني عشر من مايو الماضي، دعا خامنئي الإيرانيين إلى التصويت للمرشح الرئاسي "الذي يعيش حياة بسيطة متواضعة ويفهم مشكلاتهم"، قائلا "يفضل اختيار شخص يفهم مشكلات الناس، وقادم من الشعب، ولا يسعى لأن يكون من الأرستقراطية"، وهو مواصفات تنطبق على نجاد دون غيره من المرشحين. بل إن خامنئي دافع عن نجاد ضد حملة الانتقادات التي توجه له سواء بسبب الأوضاع الاقتصادية أو سياسته الخارجية.

 

فقد ندد خامنئي بـ"أولئك الذين ينتقدون الوضع الاقتصادي للبلاد ويأخذون على الحكومة سياستها، قائلا "نحن نسمع أشياء غريبة.. وعلى المرشحين الأعزاء عدم بث البلبلة في أذهان الناس من خلال لي عنق الحقائق. وأنا أدرك الوضع أكثر من كل هؤلاء السادة، وأعرف أن كثيرا من الأشياء التي يقولونها عن وضع البلاد مجافية للحقيقة وأنهم مخطئون". وفي 18 مايو 2009 دعا خامنئي، في خطاب في كردستان، الشعب إلى عدم التصويت لمرشحين رئاسيين "يستسلمون أمام العدو" الغربي، قائلا "يجب أن لا يصل إلى الحكم مرشحون يستسلمون أمام العدو ويلحقون العار بالشعب الإيراني"، معتبرا أن "وصول أناس إلى السلطة ليحاولوا كسب ود القوى الغربية بدلا من التفكير في مواصلة السير على درب الإمام (الخميني) والقيم التي حددها" سيشكل "كارثة".

 

هذا الدعم الشديد لنجاد من قبل خامنئي يرجع إلى سبب جوهري وهو أن فوز نجاد برئاسة الجمهورية في العام 2005، قد مكن خامنئي ربما للمرة الأولى في تاريخ الجمهورية الإسلامية من أن يحكم قبضته على كل مفاصل السلطة في إيران دون منازعة من قبل أحد. فمنذ توليه منصب ولاية الفقيه في عام 1989، لم يتمتع خامنئي بطاعة كاملة من جانب البرلمان والحكومة مثلما حصل في عهد أحمدي نجاد، حيث كان وجود هاشمي رفسنجاني على رأس السلطة التنفيذية (1989-1997) عائقا جديا أمامه، بالنظر إلى طموحات رفسنجاني السياسية والثقل الذي يتمتع به داخل النظام السياسي الإيراني. وتكرر الحال بعد وصول محمد خاتمي إلى الرئاسة في عام 1997، بل إن خامنئي كان يعاني من هذه المشكلة قبل ذلك أيضا. فخلال رئاسته للجمهورية 1981-1989، فرض عليه البرلمان رئيس وزراء يساري لم ينسجم معه أبدا، وللمفارقة كان رئيس الوزراء هذا هو المرشح مير حسين موسوي.

 

.. والحرس الثوري أيضا

 

لم يقتصر الدعم الذي حظي به أحمدي نجاد على مرشد الجمهورية علي خامنئي، فقد كان الحرس الثوري الإيراني وقوات البسيج من أشد الداعمين للرئيس المحافظ، وتضح أهمية هذا الدعم من خلال أمرين رئيسيين: أولهما أن حوالي خمسة ملايين ناخب ينتمون إلى هذه الفئة. ويتمثل الأمر الثاني في خبرة انتخابات 2005، والتي لعب الحرس الثوري فيها دورا كبيرا، حيث تم تمديد ساعات الاقتراع لأربع ساعات إضافية في الجولة الثانية (بين رفسنجاني ونجاد)، وذلك لإتاحة الفرصة لأفراد الجيش والميليشيا للمشاركة في التصويت، وهو ساهم في فوز نجاد. ولعل هذا ما دفع إلى درجة دفعت البعض إلى وصف الساعات الأربعة بأنها "أربع ساعات فاصلة في تاريخ إيران".

 

ويرجع دعم الأذرع العسكرية في النظام الإيراني لنجاد إلى المكانة الخاصة والنفوذ الاستثنائي الذي تمتعوا به في ظل حكومة نجاد، فبالإضافة إلى العديد من المناصب العليا التي منحت لقادة سابقين في الحرس الثوري، فقد اعتبرت الخدمة في الحرس الثوري أحد المؤهلات التفضيلية لتولي المناصب الحكومية الرفيعة.

 

وقد بدا واضحا دعم الحرس الثوري لنجاد في الانتخابات الحالية في التصريحات التي أدلى بها رئيس المكتب السياسي للحرس الثوري يد الله جواني، قبل يومين من الانتخابات، والتي اتهم فيها خصوم الرئيس نجاد بالتحضير لما سماها "ثورة مخملية" في إيران. وهدد جواني بسحق أي محاولة لإثارة العنف بعد الانتخابات إذا خسر منافسو نجاد، مشيرا إلى أن استخدام لون معين من جانب مرشح معين "يظهر بداية مشروع الثورة"، وذلك في إشارة إلى استخدام المرشح الإصلاحي مير حسين موسوي للون الأخضر في حملته الانتخابية.

 

تداعيات داخلية وخارجية

 

سيترك فوز أحمدي نجاد بولاية ثانية، بلا شك، تأثيرات عديدة على الصعيدين الداخلي والخارجي.

 

فعلى الصعيد الداخلي، ستظل توازنات الساحة الداخلية الإيرانية من هيمنة المحافظين على مراكز صنع القرار في إيران (رئاسة الجمهورية- مجلس الشورى الإسلامي- مجلس صيانة الدستور- مجلس الخبراء- الحرس الثوري- وغيرها من المؤسسات).

 

غير أن الأثر الرئيسي الذي سيحدثه فوز نجاد بولاية ثانية، ربما يتمثل في تزايد الانقسامات بين الإصلاحيين والمحافظين، بل والأهم الانقسامات داخل التيار المحافظ نفسه؛ بين المحافظين البراجماتيين بقيادة أكبر هاشمي رفسنجاني، رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام، والجناح الأصولي في التيار المحافظ بقيادة أحمدي نجاد.

 

وتتضح بوادر هذا الانقسام في الصدام الذي حدث بين رفسنجاني ونجاد أثناء الحملة الانتخابية على خلفية اتهامات الأخير لرفسنجاني وأبنائه بالفساد، ما حدا برئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام في إيران إلى توجيه رسالة إلى خامنئي، قال فيها إن "ملايين الإيرانيين شاهدوا الأكاذيب والتلفيقات التي أدلى بها أحمدي نجاد في مناظرة الأسبوع الماضي مع منافسه مير حسين موسوي، وأتوقع منكم التدخل لمنع حدوث فتنة داخلية خطيرة". وأضاف مخاطبا خامنئي أنه "حتى إذا واصلت التسامح في هذا الموقف فإن بعض الناس والأطراف والفصائل لن تتسامح في ذلك".

 

وربما تتطور هذه الانقسامات لتصل إلى نوع من الصراع الخفي بين رفسنجاني، متحالفا مع الإصلاحيين، وبين خامنئي، فـالأول يعتقد أن خامنئي كان بوسعه أن يوقف اتهامات نجاد إن أراد ربما بكلمة واحدة، لكنه اصره على دعمه إلى النهاية..

 

أما على صعيد قضايا السياسة الخارجية، فإن ثمة من يرى أن فوز نجاد سيعني استمرار نفس السياسة الخارجية التي اتبعتها إيران خلال السنوات الأربع من ولايته الأولى، من حيث الصدام مع الغرب، والتوتر في العلاقات مع الدول العربية. والواقع أن مثل هذا التصور يفتقد لكثير من الدقة، وذلك لعدة أسباب منها أن المرشد الأعلى لإيران، وليس رئيس الجمهورية، هو الذي يحدد السياسات الداخلية والخارجية للجمهورية الإسلامية، بحكم الدستور وبحكم الممارسة العملية. بل إن سياسات إيران الخارجية في عهد أحمدي نجاد لم تكن لتسير على النحو الذي سارت عليه طيلة الأربع سنوات دون موافقة خامنئي الذي كان حاضرا في كل خطوة كان يخطوها نجاد.

 

وبالإضافة إلى ما سبق يمكن ملاحظة التطور الذي طرأ على خطاب الرئيس الإيراني أحمدي نجاد بعد فوز انتخاب باراك أوباما رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية، فقد أعلن نجاد في مرات عديدة استعداده للتحاور مع الولايات المتحدة الأمريكية، قائلا "إن الأمة الإيرانية أمة كريمة، قد تنسى الماضي وتبدأ مرحلة جديدة، ولكن عندما تتحدث أي دولة على أساس الأنانية سوف تحصل على نفس رد الأمة الإيرانية المعطى لمستر بوش".

 

وبناء على ما سبق فإن حدود وأبعاد أي تغيير مستقبلي سواء فيما يتعلق بالعلاقة مع الولايات المتحدة الأمريكية أو الملف النووي أو العلاقة مع الدول العربية، حسبما تذكر د. باكينام الشرقاوي، ستظل مرتبطة برؤية وإرادة خامنئي، وأن مساحة حركة الرئيس لا تتعدى تحديد أسلوب ونمط تطبيق هذه السياسات: بالشد أم بالجذب، بتبني خطاب تصعيدي أم خطاب هادئ أم الاثنين معا كنوع من توزيع الأدوار.

 

وحتى الوقت الحاضر أبدى خامنئي تحفظاته على دعوة أوباما للحوار مع إيران، فرغم أنه لم يرفض مثل هذه الدعوة، فإنه لم يقبلها، بل ربط هذا الحوار بتغيير واشنطن لسياساتها تجاه إيران، قائلا: "إنهم يقدمون شعار التغيير لكن في الواقع لا يُشاهد أي تغيير.. نحن لم نر أي تغيير!". وحدد موقفه من الحوار بوضوح بالقول: إن التغيير في "الكلمات" من جانب الولايات المتحدة لا يكفي، وخاطب الأمريكيين قائلا: "تغيروا أنتم وسوف يتغير سلوكنا".

 

وبشكل عام فإن أي قرار إيراني بالانخراط في حوار مع الولايات المتحدة لن يتأثر كثيرا بمن يشغل منصب رئيس الجمهورية (محافظ أم إصلاحي) بل بالموازنة التي سيعقدها خامنئي والمتعلقة بالمكاسب التي ستعود على إيران من الحوار مع واشنطن (الاعتراف بالنظام الإسلامي والتخلي عن التهديد بالإطاحة به، الاعتراف بدور إيران الإقليمي، إسقاط العقوبات، الإفراج عن الأموال المجمدة... الخ) والمعوقات التي تعترض مثل هذا الحوار (الإرث التاريخي للعلاقات بين البلدين، سمعة إيران الإقليمية، شرعية النظام الداخلية والإقليمية التي قامت في جزء كبير منها على العداء لإيران).

 

وأخيرا فإنه ينبغي التنبيه على أن السياسة الخارجية الإيرانية لا تتأثر كثيرا بطبيعة من يشغل منصب رئيس الجمهورية، فحتى لو كان مير حسين موسوي هو الفائز في الانتخابات، لم تكن مواقف إيران الخارجية لتختلف كثيرا، وذلك لسبب جوهري وهو أن رئيس الجمهورية لا يعدو كونه "حاجبا للدولة"، حسب وصف سعيد حجاريان مهندس الإصلاحات في عهد الرئيس خاتمي. فبحسب حجاريان فإن "رئيس الجمهورية في جمهورية ولاية الفقيه ليس رئيسا للجمهور حتى ولو كانت في جعبته أصوات الشعب الإيراني بكامله، بالنظر إلى أن شرعية انتخابه لن تتحقق إلا بتوقيع المرشد الأعلى للجمهورية على كتابة رئاسته". وإذا كانت شرعية انتخاب رئيس الجمهورية تتوقف على مصادقة خامنئي، فإن السياسات الخارجية التي يتبعها، من باب أولى، لن تتم دون مصادقة الأخير.

 

باحث سياسي.