خبر خطاب التوقعات .. هآرتس

الساعة 10:44 ص|12 يونيو 2009

بقلم: الوف بن

الخطابات الكبرى تحظى بالذكرى ليس بسبب البيان الخطاب، بل بسبب النتائج. خطابات سقراط، لينكولين، تشيرتشل وكينغ دخلت الى الذاكرة بفضل انتصار الافكار التي آمنوا بها. فمن يذكر اليوم خطاب المدعي في محاكمة سقراط، الخطابات المصقعة لهتلر والتي اجترفت الجماهير، او الحجج المنمقة لمؤيدي العبودية والتفرقة العنصرية في امريكا.

في الخطابات مثلما في الحياة، الافعال تقرر اكثر من الاقوال: ارئيل شارون اجتاز انعطافته الايديولوجية في "خطاب اللطرون" في ايلول 2001، والذي أيد فيه لاول مرة دولة فلسطينية. كانت المفاجأة كبيرة، ولكنها لم تؤدي الى سياسة جديدة ونسي الحدث. اما "خطاب هرتسيليا لشارون" في كانون الاول 2003، والذي اعلن فيه عن خطة فك الارتباط، فقد دخل التاريخ كونه كان وصفة لعمل وليس فقط مناورة بيانية. خطاب التتويج لايهود اولمرت في الكونغرس الامريكي الذي اعلن فيه عن "الانطواء"، صيغ ببلاغة مثيرة للانطباع، ولكنه تبخر مع الخطة نفسها التي لم تنفذ.

هكذا سيحاكم ايضا الخطاب الذي سيلقيه بنيامين نتنياهو يوم الاحد في مركز بيغن السادات في جامعة بار ايلان. اذا ما عرض رئيس الوزراء فيه خطة سياسية وتمسك بها امام كل المصاعب والمعارضات السياسية الى أن تتحقق، ستكون هذه هي اللحظة المؤسسة في ولايته الثانية. اذا ما اكتفى بتجنيد كفاءاته البيانية فقط كي يكسب الوقت في الحكم ويصد ضغوط براك اوباما فان الخطاب ومضامينه ستتبدد الى جانب مكانة نتنياهو العامة. وكحجم التوقعات التي انتجها اعلانه عن الخطاب المرتقب، هكذا سيكون ايضا عمق الهزء بفقاعة الصابون التي انفجرت.

في الدرس الاول في ادارة الاعمال يتعلمون بان المفتاح لكل استراتيجية ناجحة هي التركيز. لا يمكن "ان يكون الكل من أجل الكل". يجب اختيار طريق واضح والتماثل معها، بحيث أن كل واحد يفهم ماذا انت تمثل. الحياة السياسية لنتنياهو هي مثال جيد على هذه القاعدة. نتنياهو كان في اوجه في الفترات التي كانت له فيها رسالة واضحة صارع من اجلها، حتى حيال قوى كبيرة وقوية. هكذا عمل كرئيس للمعارضة لحكومة رابين – بيرس، وكوزير مالية في حكومة شارون. اما في ولايته الاولى كرئيس للوزراء، حين حاول ارضاء الجميع، شركاءه من اليمين والامريكيين، "النخب" وخصومها، فقد تدحرج كالخرقة الى أن ركل من الحكم.

في العقد الذي تسلق فيه عائدا الى رئاسة الوزراء، فكر نتنياهو غير قليل بالظروف التي احاطت بسقوطه السابق. الناس الذين تحدثوا معه في الحملة الانتخابية الاخيرة، سمعوا منه استنتاجين متضاربين. في المحادثات مع الصحافيين قال نتنياهو ان خطأه الاكبر في العام 1996 كان اقامة حكومة يمينية وعدم دعوة العمل برئاسة شمعون بيرس الى حكومة وحدة. في احاديث اكثر حميمية، غير معدة للنشر، شرح نتنياهو بان خطأه الاكبر انه لم يحافظ على القاعدة، على الارتباط مع اليمين. اليسار خائن، قال نتنياهو، اهم منه صيانة معسكر اليمين المتراص من أجل البقاء في الحكم.

لتشخيصيه يوجد سند في الوقائع: الولاية الاولى لنتنياهو انتهت بعد ان وقع على اتفاق واي مع ياسر عرفات، حين هجره اليمين المتطرف وادار اليسار له ظهره بدلا من أن يعرض عليه شبكة أمان. لو انه كان اقام حلفا صلبا مع احد الطرفين السياسيين، لعله كان بقي في كرسيه لفترة اضافية.

تحليل خطى نتنياهو في الاشهر الاخيرة يدل على انه فضل تعزيز قاعدته في اليمين على الانتقال الى الوسط. وعلى طول الحملة الانتخابية، فهم أن النتائج لا تتقرر في الصندوق بل في مقر الرئيس حين تأتي الكتل لتوصي بمرشحها لرئاسة الوزراء. وعلى هذا فقد امتنع عن المناكفة مع افيغدور ليبرمان، حتى عندما لاحقت اسرائيل بيتنا الليكود وسرقت منه المقاعد في الاستطلاعات.

في تشكيل الحكومة، فضل نتنياهو بوضوح "شركاءه الطبيعيين" من اليمين على حكومة وحدة مع خصمته في الانتخابات تسيبي لفني. وقد سوف في وقت المفاوضات وذلك اساسا كي يتمكن من القاء التهمة في عرقلة الوحدة على لفني، لمطالبتها بالتناوب في القيادة. منذ ان صعد الى الحكم لم يعارض نتنياهو مبادرات التشريع اليمينية وعمل على ضم اوري ارئيل من الاتحاد الوطني الى لجنة تعيين القضاة كي يهدد "معقل اليسار" في المحكمة العليا.

ولكن عندها اصطدم نتنياهو بخصم اقوى واخطر من لفني – براك اوباما. الرئيس الامريكي، الذي يجد وقته ضيقا، فرض على نتنياهو أن يحسم اسرع من المتوقع اين يقف: مع اوري ارئيل ام مع جورج ميتشيل، مبعوث اوباما لاقامة دولة فلسطينية وتصفية المستوطنات في الضفة الغربية.

اوباما ازاح عن جدول الاعمال التهديد الايراني، بوعده نتنياهو بان الموضوع سيطرح على البحث من جديد في نهاية السنة، ووضع في الجبهة مطلب التجميد المطلق للمستوطنات، والذي يعني تهديدا سياسيا على ائتلاف نتنياهو. "خطاب القاهرة" لاوباما، المكالمة الهاتفية يوم الاثنين من هذا الاسبوع، والتي كرر فيها الرئيس مبادئه على مسمع من رئيس الوزراء، والمنشورات عن خطة امريكية لتسوية دائمة تعرض الشهر القادم، كل هذه اجبرت نتنياهو على أن يخرج من مخبأ الاقوال الغامضة والمحاججات، ليعرض خطة سياسية مضادة.

كم سيسير نتنياهو نحو اوباما ويعرض للخطر قاعدته السياسية؟ منذ تسلم مهام منصبه، خفف نتنياهو من حدة معارضته العلنية للدولة الفلسطينية، واصر فقط على قدرته على مواصلة البناء على الاقل في جزء من المستوطنات. الخطاب يوم الاحد يفترض به أن يؤكد هذه الرسالة: نتنياهو سيقبل فيه بـ "خريطة الطريق" التي تؤدي الى دولة فلسطينية، حتى وان كان بانعدام حماسة، وسيبحث عن صيغة بالنسبة للمستوطنات، لا تغضب الامريكيين.

الرمز الايديولوجي في حكومة نتنياهو، الوزير بيني بيغن، تحدث أول امس امام قدامى الليكود في متسودات زئيف وحذر من ان "حل الدولتين" هو وصفة لـ اللا حل وغطاء للمؤامرة الفلسطينية لتصفية اسرائيل. ولكن انتقاده لخريطة الطريقة كان اقل حدة، وعلى ما يبدو لانه يعرف الى اين يسعى نتنياهو، واحد الحضور في الجمهور رفع امامه يافطة: انتخبت بيبي فحصلت على دوفي فايسغلاس. فايسغلاس، مستشار شارون الذي قاد فك الارتباط عن غزة، شرح الاسبوع الماضي لنتنياهو لماذا من المجدي له ان يعانق خريطة الطريق كبوليصة تأمين سياسية، تضمن ان تقوم الدولة الفلسطينية ببطء وبقلة. يوم الاحد سيتبين بان قدر قبل نتنياهو المشورة.

ولكن السؤال الهام سيكون الى اين سيتقدم من هناك: هل سيكافح ضد "خطة اوباما التي ستدعو الى الانسحاب من كل المناطق، مثلما عرقل اسلافه خطط روجرز، كارتر، ريغان، بيكر وكلينتون – ام سيمتشق حيال اوباما مبادرة اصيلة، ينفذها ويجذب الامريكيين باتجاهه، مثلما فعل بيغن بالانسحاب من سيناء وشارون بالخروج من غزة؟ الجواب سيقرر اذا كان خطاب بار ايلان سيدخل في الطبعة الجديدة من "الخطابات العظمى في التاريخ" ام سيوضع في الارشيف الى جانب الكثير من الاحداث المنسية المشابهة.