خبر بين إيران و« بار إيلان » .. معاريف

الساعة 10:42 ص|12 يونيو 2009

بقلم: بن كاسبيت

في شهر آذار 1978 سافر رئيس الوزراء مناحيم بيغن بزيارة رسمية لدى رئيس الولايات المتحدة جيمي كارتر. هذا كان بعد زيارة الرئيس انور السادات للقدس، ولكن قبل كامب ديفيد. المفاوضات مع مصر كانت عالقة. بيغن تمترس في موقفه. خلال الزيارة تلقى صحفي اسرائيلي تسريبا مفاده ان طرفا امريكيا بارزا (مستشار الامن القومي زبيغنيف بجيجينسكي) قال لمصدر اسرائيلي بارز ( وزير الخارجية موشيه ديان) ان العملية تمر في مرحلة حساسة وان اصرار بيغن سيؤدي الى تضييع فرصة تاريخية. ولذلك يتوجب بكل بساطة استبدال رئيس الوزراء الصحفي تحدث عن الامر عبر الاذاعة. عاصفة اندلعت.

في صبيحة اليوم التالي عاد بيغن الى البلاد. ايليميلخ رام سأله حول الامر في المطار. بيغن السياسي الداهية ادرك ما يحدث. "فليعرف كل مواطني اسرائيل ان رئيس وزراء اسرائيل ينتخب من قبل مواطني الدولة وحدهم وبانتخابات ديمقراطية وان احدا لن يملي عليهم ذلك". بعد ذلك توجه بيغن للصحفي الذي نشر الحكاية واسمه شالوم كيتيل وصافحه قائلا بصوت مرتفع، "لقد قمت بعمل هام من اجل شعب اسرائيل". بيغن كما هو معروف لم يستبدل في اخر المطاف. من الناحية الثانية خلال نصف سنة تراجع عن موقفه ووافق على الانسحاب حتى اخر حبة رمل في سيناء. بقي مع هامته العالية ولكن من دون سيناء. الامر الاكثر سوءا: هذه السابقة، سابقة الانسحاب حتى آخر انش تستخدم الان من قبل الواقفين في الطابور للسلام . السوريون والفلسطينيون واللبنانيون. هذه هي النظرية وهذا ثمنها.

بنيامين نتنياهو في وضع مشابه الان الامريكيون يرغبون بشدة في استبداله هم يجدون صعوبة في ضبط رغبتهم هذه ولكنهم يعرفون ان ذلك سيكون خطأ شديدا. نتنياهو قد يكون فوضويا من الناحية السياسية ولكنه الفوضوي خاصتنا. الشعب في اسرائيل يتوحد فقط تحت النار، وفي واشنطن يعرفون ذلك جيدا ولذلك يتبعون نهجا اعتبر من قبل احدهم "احكاما شيطانيا". يغدقون علينا الثناء ويلتزمون بأمن اسرائيل ويتحدثون عن المحرقة في جامعة القاهرة ويعانقون. اما اليد الثانية فترفع هراوة كبيرة ثقيلة ومليئة بالمسامير فوق رأس نتنياهو.

رغم هذا الاحكام والمهارة الامريكية الا انهم لا يفتقدون للاخطاء. مثل تورط جورج ميتشيل في هذا الاسبوع بالنفي الذي لا داعي له. وكذلك تلك الصورة التي وزعها البيت الابيض للرئيس اوباما وهو يتحدث مع نتنياهو عبر الهاتف. اوباما بدا في الصورة جالسا مرتاحا وقدميه فوق الطاولة. العرب كانوا ليفسروا ذلك بصورة سلبية. الحذاء فوق الطاولة يعني الاستهزاء والاستخفاف الفظ. نحن لسنا عربا ومع ذلك ليس هذا المشهد مريحا ولطيفا. صحيح ان الرئيس كلينتون تحدث ذات مرة عبر الهاتف مع سيناتور هام بينما كانت مونيكا ليفينسكي في الاسفل بين رجليه ولكن لم يكن هناك مصور في الغرفة حينئذ. الان كان هناك مصور بل الكثير من المصورين والبيت الابيض افرط في سلوكه ونشر الصورة. ربما لم يتمكن رام عمانويل من ضبط نفسه.

نتنياهو ممزق. هو يتألم بالفعل. كانت هناك انقسامات في محيطه حول الحاجة "لخطاب سياسي". طلبوا استطلاعات معمقة من الباحث الاسرائيلي باخار وحاولوا معرفة ما الذي يتوجب فعله منها. في تلك المرحلة الاولى قدم الجمهور دعمه لنتنياهو عناده. بعد ذلك جاء اوباما وبدأ الانجراف. على اية حال جزء من اتباع نتنياهو اعتقدوا ان الخطاب سيكون بلا داع الان. ففي كل الاحوال لن يكون أي احد راضيا من هذا الخطاب. لا الامريكيين ولا اليمين ولا اليسار. اذا لماذا يلقيه الان؟ يجب ترك الامريكيين يقترحون خطتهم وعندئذ سنرى. اخرون قالوا ان الوقت قد حان لابداء القدرة القيادية. انه لا مفر وان من الواجب التحدث وقول الحقيقة. وهذا يعني ان من الواجب اتخاذ قرار حول هذه الحقيقة. وكان هناك من اعتقدوا انه كان عليه ان يتحدث منذ زمن وقبل اوباما وان يقود المسيرة لا ان ينجر وراءها. وهناك ايضا يقولون لم يكن عليه ان يفعل ذلك وان من الجيد انه انتظر اوباما. رئيس الولايات المتحدة قدم لنا خدمة ممتازة. أعد الافئدة مثل كاسحة ثلج عملاقة. الان يدرك الجمهور في اسرائيل ان لا مفر وان المهاجم عصبي وان المسألة اما امريكيا او الذرة الايرانية او الجبال في يهودا والسامرة. الان سيتفهمون عذابات نتنياهو. كان على نتنياهو ان يقرر مع هذا الاصرار. الى انه قرر القاء خطاب.

"الكتل"، قال بيبي في احدى المداولات مؤخرا، "اين هي الكتل الاستيطانية. هل يعرف احد ماذا يوجد في هذه الكتل وماذا في الخارج؟ اريئيل في داخل الكتل؟"، هو يسأل بيأس وليس لديه رد. عندما يسألونه عما سيقوله في الخطاب يقول "اكتب لي مسودة". وعندما يصعبون الامر عليه ويسألونه لماذا يلقيه في جامعة بار ايلان وليس في الكنيست يقول ان اوباما القى خطابه في جامعة القاهرة فما هو السيء في بار ايلان ولا يدرك ان عقد المقارنة يشوه الامر. اوباما جاء للشرق الاوسط لانه القى خطابا حول مستقبل المنطقة. نتنياهو يقطن في الشرق الاوسط ويعمل فيه. صلاحياته تستمد من الكنيست. من الناحية الاخرى لديه سابقة شارون مع مؤتمر هرتسليا. هناك بين بيغن وشارون، بين ايران وبار ايلان نتنياهو عالق.

احد وزرائه الكبار شبهه في هذا الاسبوع بالمغتصب. جورج ميتشيل هو المغتصب. المشكلة هي ان هناك مهاجمين في الطرف الاخر ايضا. الضغوط التي تمارس عليه هائلة. مجموعتا ضغط تقفان على الجانبين كحجارة ضخمة. المجموعة الايديولوجية المعلقة على كتف اليمين وشخصية الاب والمعلم الروحي البروفيسور بن تسيون نتنياهو والزوجة اليمينية جدا سارة نتنياهو (تأثيرها اكبر من تأثيره). انضم اليهم في هذا الاسبوع بني بيغن (من خلال الامور التي القاها في ميتسودات زئيف في يوم الاربعاء) وكذلك رؤوفين ريفلين من خلال كلماته التي صرح بها يوم الخميس عبر الاذاعة. وهناك ايضا متمردو الليكود والمستوطنون وربما ايضا ايلي يشاي مع التصغير.

المجموعة من اليسار تقاد من قبل براك اوباما وهيلاري كلينتون ورام عمانويل وجورج ميتشيل كلاعبي تعزيز، شمعون بيرس (الاستراتيجي) وحسني مبارك وملكين باسم عبدالله وفؤاد بن اليعازر وايهود باراك (مع الغمز فهو ليس رجل سلام تماما) ودان مريدور وجزء كبير من الجمهور الاسرائيلي، وجزء غير صغير من وزراء الليكود واعضاء الكنيست (الذين يسعون في الوقت الحالي تحجيم انفسهم خشية غضب المنتسبين للحزب). هذه معركة عمالقة لكسب قلب نتنياهو.

"فلتكن قائدا وليس مجرد ناشطا سياسيا" ناشده فؤاد بن اليعازر. فؤاد ليس مغفلا. هو يعرف بان بيبي سيتأثر من الانسان الاخير الذي سيكون عنده وهو يسعى ان يكون هذا الانسان. فؤاد يشعر ايضا بالتزام معين فهو الذي اقنع نتنياهو بامكانية عقد الصفقات معه قبل اقامة الحكومة. الان هذه الصفقات تعرج. وفي يوم الجمعة بالمناسبة سيلتقي نتنياهو مع ممثلي شاس ايلي يشاي واريئيل اتياس اللذان هما الشيء ونقيضه. يشاي الذي ورطه في هذا الاسبوع في نهضة المستوطنات واتياس الذي يمثل شاس البراغماتية المتذمرة والمشاركة في الحكومة في آن واحد. الاكثر اثارة هم اولئك الذين يقابلون نتنياهو ان يتحدثون معه ولكن لا يظهرون في جدول اعماله الرسمي.

في ختام زيارته الاخيرة لواشنطن كانت لنتنياهو مناسبة خاصة. بينماكان الصحفيون يتوجهون نحو المطار العسكري سارع نتنياهو لبيت خاص فاخر في منطقة واشنطن حيث كان الجميع بانتظاره هناك. كل الرفاق الجيدين. شيلدون اديلسون طبعا ورونالد لاودر والمحامي آلان ديرشوفيتس وكثيرون جيدين من الاثرياء جدا (وان كان اقل من السابق). نتنياهو شكرهم عن صداقتهم والمرافقة الوفية له طوال سنوات التيه في الصحراء وكذلك تذمر قليلا من اوباما. هؤلاء الاصدقاء الان يريدون هم الاخرون نصيبهم من التأثير. اغلبيتهم يمينيون. اديلسون اقام صحيفة من اجل ذلك. هم ايضا يجلسون فوق نتنياهو بكامل ثقلهم. هم والتاريخ.

هم جديون

اللقاء القصير الذي جرى في الاسبوع الماضي بين الباراكين اوباما وايهود تمخض عن عبارة مثيرة واحدة: we mean business، نحن جديون قال اوباما وقصد امرين: المستوطنات حيث يرغب الامريكيون هناك بتجنيد حقيقي وتام ونهائي، وفي قضية عملية السلام حيث يعتقد الامريكيون ان من الممكن انهاء التسوية خلال 12 حتى 24 شهرا، في مسارات موازية: فلسطينيون، لبنانيون، سوريون وفي مسار تعددي (هل تذكرون؟)، يستخدم بالاساس للحوافز من قبل الدول العربية لاسرائيل.

في نظرة علوية يمكن الاعتقاد بان الامريكيين قد اطلقوا نحو الشرق الاوسط وكأنهم خرجوا من فوهة مدفع. طاقات هائلة مشتعلة واصرارا لا متناهي. المشكلة هي ان الخطة الامريكية ليست شاملة. ليست مغلقة ولم يتم التحقق منها ومن الممكن حدوث اخلالات وانفجارات مقابل كل خطوة يخطونها. هم صعدوا عاليا جدا وقد يسقطون على الرأس (رأسنا نحن) ام انهم قد يفقدوا التركيز والاتجاه ويسيروا نحو التوهان مثل الادارات التي سبقتهم. حاليا يتحدثون مع كل من يريد ان يصغي حول "ثقافة الكذب" الاسرائيلية التي استخدمت طوال عشرات السنين للتغطية على المشروع الاستيطاني بينما كانت واشنطن مغمضة العين وتنظر الى مكان اخر في العين الاخرى. المثل الاكثر اثارة في هذه الثقافة ظهر في هذا الاسبوع من خلال برنامج "المصدر" في القناة العاشرة عند عوفر شيلح و رابيب دروكر اللذان اجريا مقابلة مع قائد حزب الاتحاد الوطني يعقوب كاتس. هو حدثهم عن كيفية نجاحه في بناء مشروع المستوطنات الهائل في يهودا والسامرة تحت أنف العالم كله. وكيف اتصل شارون به وسأله عن عدد الوحدات السكنية التي تبنى الان فقال له انها 15 الفا، وشارون اوضح بان شامير هو الذي يسأل ومن الافضل ان نقول له 12 الفا، وبعد ساعة عدل شارون وطلب من كاتس ان يتحدث فقط عن 8000 وفي اخر اليوم لم يتبق الا 2000 وحدة فقط أعلم شامير بها رسميا وهو بدوره اعلم الامريكيين ان العدد 1000. الان نحن نأتي ونصرخ قائلين ان ترحمونا نحن يتامى بينما نحن الذين قتلنا آباءنا وامهاتنا بأيدينا. الادارة الامريكية تبدو وكأنها قد عقدت العزم على انهاء هذه الحكاية وفورا. ان كان هذا هو الوضع فنحن في مشكلة.

لا تخف يا بيبي

كل هذه الامور ستنصب في خطاب بار ايلان بعد غد. نتنياهو بنى هذه المسرحية الدراماتيكية بقواه الذاتية والان يتوجب عليه ان يبقى من بعدها. عندما شاهد خطاب اوباما في القاهرة شعر بغيرة كبيرة. ردود الفعل التي حصل عليها الرئيس الامريكي في ارجاء العالم اثرت على نتنياهو وسارت تحت جلده. هو اعتبر ذات مرة مستر تلفاز وساحرا طليق اللسان. والان ها هو ملك جديد يظهر حيث يبدو نتنياهو الى جانبه مثل رجل الامس. هو يكرس روحه باعداد هذا الخطاب. يجلس لساعات مفكرا محتارا ويتشاور. أحد وزرائه الليكوديين الجذريين شجعوه على السير نحو ذلك بخط مستقيم من دون التواءات ومن دون غمازات ولمازات. قرر ما الذي تريد قوله لا تتلعثم ستكون لديك اغلبية وهم لن يسقطوك ولا تخف يا بيبي.

من الناحية الاخرى احد وزراء حزب العمل الكبار عبر عن تشاؤمه وقال ان نتنياهو فقد ثقته بنفسه كليا. "هو يخاف من أبيه ومن زوجته ومن نفسه. هو لا يمتلك هذه القدرة فهو ليس اريك شارون يا للخسارة. "وزير اخر يقول في هذا السياق: "انني آمل بان يجد بيبي الثقة الذاتية كتلك التي تتمتع بها تسيبي. لا ليست لفني وانما تسيبي حوتوبلي". اما عوفر عيني فقد قال لاحد ما بمحادثة مغلقة بأنه لا توجد مشكلة في المسألة الاقتصادية اما في الجانب السياسي فهناك مشكلة ونصف. الحكومة لن تبقى لفترة طويلة بسبب القضية السياسية حسب اعتقاد عيني. عيني يعرف ما الذي يتحدث عنه عادة.

وهذا يعني ان خطاب بار ايلان سيكون خطابا باليا وان نتنياهو سيحاول بيع الامريكيين بضاعة مستعملة وسيقول لهم "نعم ولكن". وسيأمل انهم لا يدركون انه يقول لهم لا. الامريكيون يكرهون سماع كلمة لا. في مثل هذا الوضع هم يحركون هجومهم ويشعلون المحرك ويبدأون في السفر. نتنياهو سيكون هدفا لهذه الهجمة قريبا جدا. هو سيحاول تفتيل عضلاته ويبتهل لله بحدوث اعجوبة. خلل صغير في المحرك وتغيير فجائي في الاتجاه، هزة ارضية او ما شابه.

من الناحية الاخرى يحظر النسيان: نتنياهو حصل على ثقة الكنيست، والشعب صوت يمينا وربما هذا ما يتوجب ان يحدث. مجابهة مباشرة بينن العالم وبين اليمين في اسرائيل. الجيد هو الذي سينتصر. امريكا اوباما من جهة واسرائيل نتنياهو من جهة اخرى. ايجابي وسلبي في هذه المجابهة كل شيء ممكن.

مشكلة نتنياهو الاساسية هي انه في الزاوية. قضية المستوطنات اجماعية في الولايات المتحدة. في ازمات مشابهة تتمكن اسرائيل من النجاح وايجاد منطقة فراغ بين الكونغرس والادارة الامريكية بين البيت الابيض ووزارة الخارجية لتزج بنفسها من خلاله. الان ليس هناك شرخ كهذا ولا حتى فتحة صغيرة. "واشنطن تتحدث بصوت واحد" قال رام عمانويل لابو مازن. "بيبي سيرتكب خطأ شديدا ان لم يفهم بان واشنطن مختلفة تماما"، قال رئيس هيئة الاركان الامريكي مايكل مالن لابو مازن ذاته. الى اين وصلنا حيث نرى الامريكيين يحذرون الفلسطينيين مما سيحدث للاسرائيليين وليس بالعكس، يا للعجب.