خبر المخفي أو المحذوف ... الصورة القاتمة لشرق أوسط إدارة أوباما .. د.مازن النجار

الساعة 05:58 ص|11 يونيو 2009

المخفي أو المحذوف ... الصورة القاتمة لشرق أوسط إدارة أوباما ..

 د.مازن النجار

اختار المفكر الأميركي نعوم تشومسكي هذا العنوان لوصف تصورات أو رؤية الرئيس باراك أوباما للشرق الأوسط. المفارقة أن أحد عناوين الأخبار، التي سبقت كلمته إلى العالم الإسلامي، يقول أن "أوباما يتطلع للوصول إلى روح العالم الإسلامي". ربما ذلك كان قصد أوباما، لكن الأكثر دلالة برأي تشومسكي هو المحتوى المخفي، أو بالأحرى المحتوى المحذوف، من خطاب أوباما.

 

تحدث أوباما عن الصراع العربي الإسرائيلي، فأشار إلى جانبي الصراع العربي والإسرائيلي، لكنه أخفى أو حذف الجانب الثالث في الصراع، وهو الولايات المتحدة، التي لعبت دوراً حاسماً في استدامة (وربما إذكاء) هذا الصراع الراهن، على مدى ستة عقود. وهنا لم يذكر أوباما ما يدل على أن الدور الأميركي قد تغيّر أو حتر أنه موضع نظر.

 

هؤلاء الذين يعرفون التاريخ، سيخلصون بعقلانية إلى أن إدارة أوباما سوف تستمر في نفس مسار الرفض (التعطيل) الأميركي من جانب واحد.

 

مرة أخرى، أشاد أوباما بمبادرة السلام العربية، واكتفى بالقول أنه ينبغي أن يعتبرها العرب "بداية هامة"، وليست نهاية لمسؤولياتهم. ولكن كيف ينبغي لإدارة أوباما أن تنظر إليها؟ فأوباما ومستشاروه يعون بالتأكيد أن المبادرة العربية تعيد توكيدات التوافق الدولي، منذ زمن طويل، والذي يدعو لتسوية على أساس "حل الدولتين" وضمن حدود ما قبل يونيو/حزيران 1967، مع "تعديلات طفيفة ومتبادلة،" بتعبير تستخدمه الحكومة الأميركية.

 

من جانبه، دعا أوباما الدول العربية إلى المضي في "التطبيع" مع إسرائيل، وتجاهل بعناية مع ذلك التسوية السياسية الأساسية التي هي الشرط المسبق لذلك. لا يمكن للمبادرة العربية أن تكون "بداية" إذا استمرت الولايات المتحدة في رفض قبول مبادئها الأساسية، أو حتى التنويه بها.

 

يقول تشومسكي أنه في خلفية هذا الخطاب هناك هدف إدارة أوباما، الذي أفصح عنه بوضوح تام السناتور جون كيري، رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، وهو إقامة تحالف بين إسرائيل والدول العربية ‘المعتدلة’ ضد إيران. وتعبير "معتدلة" لا علاقة له بطبيعة أو شخصية الدولة، بل هو إشارة لاستعدادها للتوافق مع مطالب الولايات المتحدة.

 

يتساءل تشومسكي: ما الذي ستفعله إسرائيل مقابل الخطوات العربية لتطبيع العلاقات معها؟ أقوى موقف أعلنته إدارة أوباما هو أن تتوافق إسرائيل مع المرحلة الأولى لخارطة الطريق (2003)، والتي تقول بأن "تجمد إسرائيل كافة الأنشطة الاستيطانية، بما فيها النمو الطبيعي للمستوطنات". كل الأطراف تزعم قبول خارطة الطريق، مع غض الطرف عن حقيقة أن إسرائيل أضافت فوراً 14 تحفظاً تجعل الخارطة غير صالحة للعمل.

 

أغفلت في النقاش حول المستوطنات حقيقة أنه حتى لو كانت إسرائيل ستقبل بالمرحلة الأولى لخارطة الطريق، سيبقى في مكانه وبكامله مشروع الاستيطان الذي تم تطويره بالفعل، بدعم أميركي حاسم، لضمان استيلاء إسرائيل على الأرض الأفضل قيمة ضمن ‘جدار الفصل" غير القانوني، بما في ذلك مصادر إمدادات المياه الأساسية في الإقليم، وكذلك وادي الأردن. وبالتالي حبس ما تبقى، وهذا بدوره تم تفتيته إلى كانتونات بواسطة المستوطنات وبنيتها التحتية التي امتدت كثيراً نحو الشرق.

 

ولم يُذكَر أيضاً أن إسرائيل تستولي على محيط القدس (الكبرى)، وهي موقع برامجها الحالية الرئيسة للتطوير، مما يؤدي لتشريد الكثير من العرب، حتى يتم فصل ما تبقى للفلسطينيين عن مركز حياتهم الثقافية والاقتصادية والاجتماعية السياسية. وما لم يُذكَر أيضاً أن كل ذلك مخالف للقانون الدولي، كما أقرّت حكومة إسرائيل بعد غزو 1967، وأعيد تأكيد ذلك بقرارات مجلس الأمن ومحكمة العدل الدولية. كما لم تُذْكَر عمليات إسرائيل الناجحة منذ 1991 لفصل الضفة الغربية عن غزة، مذ تحولتا إلى سجن حيث يتأمن البقاد بالكاد، مما يفاقم تقويض الآمال بقيام دولة فلسطينية قابلة للحياة.

 

يرى تشومسكي ثغرة استثنائية واحدة في جدار الرفض الأميركي الإسرائيلي. فالرئيس كلينتن اعترف بأن الشروط التي عرضها في قمة كامب ديفد 2000 الفاشلة لم تكن مقبولة لدى أي فلسطينيين، وفي ديسمبر/كانون الأول طرح "محدداته" الغامضة، لكنها وشيكة. ثم أعلن أن الجانبين قد قبلا المحددات، رغم ما لديهما من تحفظات عليها. والتقى المفاوضون الإسرائيليون والفلسطينيون في طابا بمصر لتسوية الخلافات، وأحرزوا تقدماً معتبراً. وأعلنوا في مؤتمرهما الصحافي المشترك عن قرب التوصل لاتفاق حل كامل خلال بضعة أيام أخرى. لكن إسرائيل أوقفت المفاوضات قبل الأوان، ولم تستأنف رسمياً.

 

يخلص تشومسكي إلى أن هذا الاستثناء الوحيد يشير إلى أنه إذا كان رئيس أميركي مستعداً لتحمل تسوية دبلوماسية ذات معنى، فإن من المرجح جداً أن يتم التوصل إليها.

 

بل ويُذكِّر أيضاً بأن إدارة الرئيس بوش الأب قد ذهبت قليلاً، أبعد من الكلمات، في اعتراضها على مشروعات الاستيطان الإسرائيلية غير القانونية، عندما حجبت الدعم الاقتصادي الأميركي عنها. في المقابل، قرر المسؤولون بإدارة أوباما أن مثل هذه التدابير "ليست خاضعة للنقاش"، وأن أي ضغوط على إسرائيل للامتثال لخارطة الطريق ستكون "رمزية إلى حد كبير".

 

يقول تشومسكي أن هناك الكثير الذي يمكن أن يقال، لكن الصورة القاتمة التي يرسمها أوباما للشرق الأوسط لن تحسنها بضع لمسات إضافية في خطابه إلى العالم الإسلامي الذي تم التبشير به على أوسع نطاق.