خبر الكذب من أعظم الرذائل

الساعة 05:05 م|09 يونيو 2009

فلسطين اليوم

س: دق جرس الهاتف ، فكانت مكالمة من أحد الأصدقاء ، يسوق إلي فيها خبرًا آلمني وأزعجني ، ورآني أهلي وأولادي ، فأخبرتهم الخبر فاغتموا لغمي ، وما هي إلا ساعة زمن ، حتى اتصل الصديق نفسه مرة أخرى ، ليبلغني أن الخبر لا أساس له . وإنما هي كذبة أول نيسان ( أبريل ) . فقلت له : إن هذا حرام ولا يجوز ، لكنه قال : لم يقصد إلا المداعبة والمزاح على عادة الناس في مثل هذه المناسبة .

فما رأيكم في مجاراة مثل هذا التقليد ، وتكدير الناس بأخبار غير صحيحة ، وإن كان المقصود منها المداعبة ؟ وهل يسوغ مثل هذا العمل شرعًا ؟

 

ج: الكذب خلق سيء ، ورذيلة من أعظم الرذائل التي يراها الشرع الإسلامي مجافية للإيمان ، ويعتبرها إحدى آيات النفاق .

ولم يجز الشرع الكذب إلا في حالات معينة ذكرناها في فتوى سابقة ، وليس منها الكذب للمداعبة.

 

بل حذر النبي صلى الله عليه وسلم من الكذب لإضحاك القوم ، فقال : ( ويل للذي يحدِّث بالحديث ليضحك به القوم فيكذب ، ويل له، ويل له .. ) (رواه أبو داود والترمذي وحسنه والنسائي)

 

وفي حديث آخر : ( لا يؤمن العبد الإيمان كله حتى يترك الكذب في المزاحة ، والمراء ( الجدل ) وإن كان صادقًا ) (رواه أحمد والطبراني .) كما جاء أكثر من حديث نبوي يحذر المسلم من ترويع أخيه وإزعاجه ، جادًا أو مازحًا .

 

وروى أبو داود بسنده عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال : حدثنا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم: أنهم كانوا يسيرون مع النبي صلى الله عليه وسلم فقام رجل منهم ، فانطلق بعضهم إلى حبل معه ، فأخذه ، ففزع ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يحل لمسلم أن يروع مسلمًا " .

 

وعن النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسيرة فخفق ( نعس ) رجل على راحلته ، فأخذ رجل سهمًا من كنانته ، فانتبه الرجل ، ففزع . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا يحل لرجل أن يروِّع مسلمًا ) (رواه الطبراني في الكبير ورواته ثقات )

 

وعن عبد الله بن السائب بن يزيد عن أبيه عن جده رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( لا يأخذن أحدكم متاع أخيه لاعبًا ولا جادًا ) (رواه الترمذي وقال : حديث حسن غريب .) واعتبر النبي صلى الله عليه وسلم من أكبر الخيانة أن تكذب على من يثق بك ، ويصغي إليك بأذنه وقلبه ، وأنت تكذب عليه . يقول : ( كبرت خيانة أن تحدث أخاك حديثًا هو به مصدق وأنت له به كاذب ) رواه أحمد والطبراني عن النواس بن سمعان بإسناد جيد كما قال الحافظ العراقي وأخرجه البخاري في الأدب المفرد وأبو داود من حديث سفيان بن أسيد وضعفه ابن عدي .

 

وبهذا يتبين لنا أن الكذب بهذه الصورة ، وبهذه المناسبة خاصة حرام من جهات أربع :

الأولى : حرمة الكذب ذاته ، الذي نهى عنه القرآن والسنة .

الثانية : ما وراءه من ترويع إنسان ، وإدخال الفزع والكدر عليه ساعة من الزمن ، وربما على أسرته معه ، بغير مسوغ ولا حاجة .

الثالثة : ما فيه من خيانة لإنسان هو لك مصدق ، وأنت له كاذب.

الرابعة : مجاراة عادة سخيفة ، وإشاعة تقليد باطل ، لم ينبت في أرضنا ، ولم ينشأ من بيئتنا . فهو تشبيه بغير المسلمين فيما يعد من رذائلهم ، وسخف أعمالهم .

 

وكثيرًا ما تتضمن كذبة ذلك اليوم إشاعات قد يضر انتشارها بالمجتمع كله .

والخلاصة أن الكذب حرام في كل يوم ، وتزداد حرمته في ذلك اليوم خاصة ، لما ذكرنا من اعتبارات، فلا يليق بمسلم المساعدة على ترويج هذا الزور ، والله الموفق .