خبر مصير الحوار بعد أحداث قلقيلية وخطاب أوباما ..هاني المصري

الساعة 10:10 ص|09 يونيو 2009

مصير الحوار بعد أحداث قلقيلية وخطاب أوباما ..هاني المصري

 

ـ الأيام 9/6/2009

لـم يكن ينقص الحوار الـمتعثر أصلاً عقبات جديدة، حتى وقعت الاشتباكات الأولى والثانية في مدينة قلقيلية وسقط جراءها تسع ضحايا، تلك الاشتباكات التي أشعلت كل الأضواء الحمر؛ لأنها أظهرت أن الـمستقبل الفلسطيني إذا استمر الانقسام أسود قاتم، وأننا يمكن ان نصل إلى وضع أسوأ من الذي نعيش فيه حالياً، إذا لـم يتم إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة.

أحداث قلقيلية تعطينا نموذجاً عما يمكن أن يحدث مستقبلاً، ويمكن أن يأخذ الاحتراب الداخلي شكل الاغتيالات وأعمال التفجير، في الضفة والقطاع. لـماذا؟

إن حركة حماس أصبحت الآن مأزومة جداً، فهي تصورت أنها يمكن أن تحصل على الشرعية لسلطتها الانفرادية بعد صمود غزة، أو يمكن أن تحصل على حصة كبيرة من خلال حكومة وفاق وطني وإعادة تشكيل (م.ت.ف)، فوجدت نفسها في وضع صعب للغاية، فلـم تستطع أن تحول صمود غزة إلى مكاسب سياسية، بل ذهب التعاطف وبقي الدمار والحصار والـمعاناة الـمستمرة، ولـم يحدث الحوار الوطني اختراقاً ولـم تعقد صفقة تبادل الأسرى التي كانت قبل عدة أشهر في متناول اليد، وهذا أدى إلى استمرار الحصار وتأجيل إعادة الإعمار إلى أجل غير مسمى، كما أن هناك متغيرات إقليمية ودولية مفتوحة على حوار إيراني ـ أميركي، ومفاوضات سورية ـ إسرائيلية، وعلى انطلاق جولة جديدة من الـمفاوضات الفلسطينية ـ الإسرائيلية في ظروف مختلفة خصوصاً بعد التغيّر الحادث في سياسة الولايات الـمتحدة الأميركية.

في هذا السياق، وجدت حماس في أحداث قلقيلية التي لـم تسع إليها بل فرضت عليها جراء استمرار حملة الاعتقالات ضد عناصرها وكوادرها بمن فيهم عناصر جناحها العسكري، مناسبة لتصعيد الـموقف، حيث دعت كتائب القسام بعد اشتباكات قلقيلية عناصرها في الضفة إلى رفض الاعتقال ومقاومة الأجهزة الأمنية، واعتبارها مثل جيش الاحتلال، وهذا أخاف الفلسطينيين وجعل قسماً كبيراً منهم يخشى تكرار ما حدث في غزة في الضفة، وحوّل حماس من ضحية إلى جلاد يستسهل اللجوء إلى السلاح لحل الخلافات الداخلية، وقالت قيادة حماس إنها تدرس إمكانية تعليق الحوار لأن الحوار يستخدم للاستمرار في حملات الاعتقال والتغطية على التنسيق الأمني الفلسطيني ــ الإسرائيلي وتطبيق خارطة الطريق من جانب واحد.

ما سبق يعني أن حماس لـم يعد لديها الكثير لتخسره، ويمكن ان تدفع الأمور إلى الهاوية على أساس "علي وعلى أعدائي يا رب".

أما السلطة، فهي تريد الاستمرار في طريقها، وخصوصاً لجهة اعتماد الـمفاوضات كأسلوب وحيد لحل الصراع، وتطبيق الالتزامات الفلسطينية في خارطة الطريق لأنها تعتقد بأنها السقف الوحيد الـمتاح ونقطة القوة الأساسية التي تجلب لها الاعتراف والدعم الدولي والشرعية، ويمكن ان تقود إلى فتح الأفق السياسي لحل، خصوصا بعد خطاب باراك أوباما، واتضاح أن الإدارة الأميركية "جادة" في محاولة التوصل إلى حل للصراع أو إحداث تقدم ملـموس على طريق الحل، يساعدها على ترميم صورتها في الـمنطقة بعد سياسة الرئيس السابق جورج بوش والتي ألحقت أضراراً هائلة بالـمصالح الأميركية في الـمنطقة والعالـم.

لذلك تريد السلطة الآن أكثر من أي وقت من الأوقات استعادة غزة، لأن الانقسام يمثل سيفاً مسلطاً على رؤوس الفلسطينيين جميعاً، وذريعة مناسبة لإسرائيل قد تمكن حكومة نتنياهو من الإفلات من الضغوط الـمتزايدة عليها للـموافقة على حل الدولتين وتجميد الاستيطان.

طبعاً تفضل السلطة استعادة غزة عن طريق الحوار ومن خلال فرض حل عربي إقليمي على الأطراف الفلسطينية. لقد لـمح لـمثل هذا الحل الوزير عمر سليمان في جولة الحوار الأخيرة. فمثل هذا الحل ينسجم مع ما تريده السلطة من اعتماد شروط اللجنة الرباعية الدولية. فالسلطة تريد استعادة غزة دون ان تعطي شيئا جوهريا في الـمقابل: في الضفة والـمنظمة وبرنامجها السياسي خصوصا لجهة التقيد بالاتفاقيات والالتزامات حتى لو لـم تلتزم بها إسرائيل.

وما لـم تقتنع السلطة أنه دون حل يخرج منه الجميع رابحين، لا يمكن إنهاء الانقسام. إن الحل الذي يربح فيه الجميع، هو حل يقوم على أساس برنامج وطني يتيح الشراكة والـمشاركة في غزة والضفة والسلطة والـمنظمة وعلى كل الـمستويات والأصعدة كل حسب وزنه وكما يحصل في الانتخابات التشريعية والرئاسية القادمة وانتخابات الـمجلس الوطني.

إن الرهان على ما سيفعله أوباما وحده، رهان خاطئ تماما، فأوباما، حتى لو أراد، لن يستطيع أن يقنع الـمراكز الـمؤثرة على القرار الأميركي بممارسة الضغط اللازم على إسرائيل، خصوصا أن أوباما ابن النظام الأميركي، وهو مختلف عن سابقه لأن النظام الأميركي في أزمة، ودون سياسة مختلفة لا يمكن الخروج من الأزمة. ولكن أوباما رغم اختلافه يسعى لتحقيق الـمصالح والأهداف الأميركية التي في مركزها حماية دور ومكانة إسرائيل وأمنها.

إن الخلاف الأميركي ـ الإسرائيلي الحالي هو خلاف أميركي مع اليمين الأكثر تطرفا في إسرائيل وليس خلافا مع إسرائيل. لذلك كتبت منذ عدة أشهر أن حكومة نتنياهو ستوافق عاجلا أم آجلا على مبدأ حل الدولتين، وإذا لـم تفعل ستسقط وتتجه إسرائيل لانتخابات مبكرة أو ستتم إعادة تشكيلها بحيث تخرج الأحزاب اليمينية الأكثر تطرفا ويدخل حزب كاديما بدلا عنها. ولكن لن توافق الحكومة الإسرائيلية الحالية ولا القادمة على مبدأ تجميد الاستيطان تجميدا كاملا بما في ذلك النمو الطبيعي، كما نص تقرير جورج ميتشل الصادر العام 2001، وكما نصت خارطة الطريق الـمطروحة منذ العام 2003، وكما يطالب أوباما حاليا. إسرائيل يمكن ان تلتف على الطلب الأميركي، كما نصحها شمعون بيريس وحزب العمل، من خلال "التمييز" بين الاستيطان "الشرعي" والاستيطان "غير الشرعي" خصوصا في البؤر الاستيطانية العشوائية، وبين الكتل الاستيطانية التي ستضمها إسرائيل في أي حل نهائي والتي تضم غالبية الـمستوطنين، وبين الـمستوطنات السياسية التي ستخليها في أي حل.

إن نتنياهو يمكن أن "يتنازل" ويقبل حل الدولتين، ولكن بصورة غامضة وبعد وضع مطالب وشروط إضافية على الفلسطينيين والعرب والأميركيين، خصوصا فيما يخص الـموقف الأميركي من إيران، الذي يعتبر الـملف الأكثر أهمية الآن لإسرائيل. فإسرائيل لا تخشى البرنامج النووي الإيراني فقط، بل تخشى أكثر الاعتراف الأميركي بالدور الإيراني الـمتعاظم في الـمنطقة، والذي لن يكون الا على حساب إسرائيل، التي تعمل منذ قيامها على أن تكون الدولة الـمركزية العظمى الإقليمية الـمهيمنة على الـمنطقة برمتها.

إن أحداث قلقيلية تركت ظلالها السوداء على الحوار، مما يجعل تداعياتها قادرة على تعليق الحوار أو انهياره إذا لـم تتم محاصرتها. أما خطاب أوباما، فهو يشير إلى أن هناك مبادرة أميركية للحل تلوح في الأفق، وهذه الـمبادرة ستكون مستندة إلى خارطة الطريق التي تمرحل الحل وتعطي الأولوية للأمن الإسرائيلي، أي لن تكون في صالح الشعب الفلسطيني، خصوصا إذا استقبلها وهو منقسم على نفسه، بل إن واقع الانقسام سيجعل التأثير الفلسطيني على كل ما يجري ويخص فلسطين، في حدوده الدنيا، بحيث سيفرض الانقسام على الفلسطينيين قبول ما يقرره الآخرون لهم. فهل تستمر حماس بتفضيل احتفاظها بغزة على أي شيء آخر؟.

وهل تستمر السلطة بالتمسك بشروط الرباعية؟

أم ان هناك طريقا آخر يجب التحلي بالجرأة للسير فيه، طريق وطني ديمقراطي يؤمن بالـمساواة والتعددية والشراكة!! طريق يصر في الحد الأدنى على الالتزام الـمتبادل بتطبيق الاتفاقات ويعيد الاعتبار للقضية الفلسطينية بوصفها قضية تحرر وطني، وللـمقاومة الـمثمرة التي دونها لا يمكن أن توافق إسرائيل على حل يؤمن الحد الأدنى من الحقوق الفلسطينية.