خبر أوباما وسقفه لحل الدولتين ..منير شفيق

الساعة 10:09 ص|09 يونيو 2009

أوباما وسقفه لحل الدولتين ..منير شفيق

 

ـ العرب القطرية 9/6/2009

اتسم خطاب أوباما في القاهرة بالعموميات والإنشائية، وإظهار الرغبة في التصالح مع العالم الإسلامي.

العموميات والإنشائية أو استخدام مصطلحات لم يستخدمها بوش الابن أو غيره من قبل، في خطاب مرتجل، لا يمكن البناء عليها أو تحديد قراءة للسياسة الأميركية القادمة من خلالها.

وإظهار الرغبة في التصالح مع العالم الإسلامي من دون أن نعرف الأهداف الحقيقية لهذا التصالح أو أسسه، وفي ظروف الغضب العالمي عموماً والعربي والإسلامي خصوصاً على السياسات الأميركية، يجب ألا يقابل بالتهافت أو بفقدان اليقظة، لأن الحاسم المهم يكمن في الأهداف والأسس والمحتوى، وهذا كله لم يكشف عنه خطاب أوباما.

على أن الرئيس الأميركي في مؤتمره الصحافي، في اليوم التالي لخطابه القاهري العتيد، وخلال زيارته الرسمية لألمانيا كشف جزءاً هاماً من توجهاته الحقيقية للرُؤية التي سبق وصاغها كل من بوش وشارون حول حلّ الدولتين.

في المؤتمر الصحافي الذي عقده أوباما مع ميركل في 5/6/2009 في مدينة درسدن الألمانية قال ما يلي:

1 - اللحظة أتت لكي نحلّ أزمة الشرق الأوسط ولكي يقدم الطرفان تنازلات. وأشار إلى أن إدارته خلال الأسابيع القادمة، ستضع النقاط التي تقترحها لحل الأزمة على قاعدة «حل الدولتين» ثم أبدى ثقته أو تصميمه على تحقيق بعض التقدم في خلال هذه السنة.

2- أوضح أن المطلوب من "إسرائيل" وقف الاستيطان، رغم تفهمه صعوبة ذلك وأن المطلوب من الفلسطينيين «تحقيق المناخ الأمني الذي تحتاجه إسرائيل لتشعر بالثقة» وقد أشاد بما حققه محمود عباس في هذا الشأن ولكنه ليس كافياً.

3- وطالب العرب أن يكونوا مستعدين لإقامة تبادل تجاري ودبلوماسي مع "إسرائيل" في حال التزمت السلام.

هذا يعني أول ترجمة عملية، وإن لم تكن كاملة لكل ما يحتويه خطاب أوباما وراء السطور في خطاب القاهرة: حكومة الكيان الصهيوني توقف الاستيطان وتلتزم السلام. أي تعلن التزامها بحل الدولتين ضمن السقف الذي تبنته حكومة أولمرت - ليفني - باراك السابقة، أو ما يقرب من ذلك بالنقصان أو الزيادة قليلاً.

أما مقابل ذلك فعلى الرئيس محمود عباس عبر الأجهزة الأمنية التابعة شكلياً لحكومة سلام فياض، وعملياً للجنرال كيث دايتون أن يكمل مهمة مطاردة المقاومة الفلسطينية، ويعيد ترتيب الأوضاع (أوضاع فتح خصوصاً) من أجل تحقيق المناخ الأمني الذي يرضى عنه الكيان الصهيوني.

أما الدول العربية فعليها إبداء الاستعداد لكي تبادر إلى الاعتراف الدبلوماسي وعقد اتفاقات التبادل التجاري مقابل وقف الاستيطان الذي كاد يصل منتهاه أصلاً، إلى جانب إعلان حكومة الكيان الصهيوني الالتزام بالعملية السلمية أو «السلام» وهو ما لم تستطع إدارة بوش تحقيقه طوال ثمانية أعوام قبل أن يتحقق الاتفاق حول التسوية.

هذا الشرط الأخير الذي يتبناه أوباما إزاء الاعتراف العربي الدبلوماسي والقيام بالتبادل التجاري مع الكيان الصهيوني يجب تنفيذه بمجرد وقف الاستيطان وإعلان حكومة نتنياهو «الالتزام بالسلام» أي العودة إلى المفاوضات الثنائية على أساس أنابوليس وخريطة الطريق.

وهكذا يكون بوش وشارون وأولمرت حققوا عربياً من خلال أوباما ما كانوا يطالبون به الدول العربية (وأوباما يزيد الإسلامية) قبل الانسحاب من شبر واحد عما هو محتمل من أراضي الضفة الغربية، مع إسقاط حق العودة.

وبالمناسبة، أوباما يتحدث عن حلّ الدولتين من دون التطرق إلى موضوع الانسحاب من الأرض وتفكيك المستوطنات والعودة إلى خطوط ما قبل عدوان يونيو 1967. وقد زاد عدم التطرق إلى موضوع القدس الشرقية التي يطالب بها، أو ببعضها أرباب التسوية لتكون عاصمة الدولة الفلسطينية. وقد ألمح أوباما في خطابه القاهري أن تكون شراكة بين الأديان الثلاثة، لأن القدس الشرقية، وليس القدس الكبرى، ما قصده حين تطرق إلى القـدس فــي الـخطاب الذي تغطى بكلام مموّه أو معسول.

هناك من سيضِل تحليلهم في قراءة مشروع أوباما وهم يستمعون إلى ردود بعض الصهاينة عليه، في محاولة لدعم ترحيبهم بالرجل قبل أن يكشف كل أوراقه، وتبين عن محتوى ما يريد من المصالحة مع العالم الإسلامي. وبالمناسبة أوباما يسقط من خطابه كل ما هو عربي ما عدا مطالبته الدول العربية بما يتوجب عليها من اعتراف دبلوماسي وتبادل تجاري ودعم حكومة عباس- فياض، علماً بأن العالم العربي نال النصيب الأكبر من الإيذاء الأميركي.

وبكلمة، لقد أخذت بوادر تصفية القضية الفلسطينية تظهر، وبدأت عملية استدراج المزيد من التنازلات الفلسطينية والعربية والإسلامية تتقدم خطوة خطوة في استراتيجية إدارة أوباما التي هي حتى الآن في طور التبلور. ولهذا يجب منذ الآن رفع أصوات الاعتراض والنقد والرفض، وإلاّ فعل بنا ما لم يفعله الأوائل، وفعلنا بأنفسنا ما لم يفعله الذين خربوا بيوتهم بأيديهم أو بغفلتهم.