خبر ظلام في آخر النفق .. معاريف

الساعة 08:18 ص|08 يونيو 2009

بقلم: بيتر بيمونت

جواد توفيق الممثل والمخرج ابن الـ 52 عاما من غزة كان شكاكا في البداية الا ان ابن اخيه اصر. "ان نجحنا في جمع ما يكفي من المال" قال ابن الشقيق المتحمس، "سنتمكن من عقد صفقة من الاستثمار في شبكة الانفاق الملتوية تحت الحدود مع مصر". "هم كانوا كذابين" يقول توفيق بمرارة عن اولئك الذين باعوه الحلم، "هم نهبوا مالي واخذوه لانفسهم والان يعرضون علينا اعادة جزء صغير فقط من المال الذي اعطيناه لهم". في البداية ظهرت الانفاق كمسار تهريب وبعد ذلك تحولت في نظر الكثيرين من السكان الى حبل خلاص ضرورية لقطاع غزة عندما فرضت اسرائيل الحصار الاقتصادي اثر موجة الارهاب والقسام. حبل الخلاص ليس فقط من حيث البضائع التي كانت تدخل الى قطاع غزة وانما ايضا كاستثمار حقيقي: تمت دعوة المواطنين على يد بعض الاطراف لاستثمار مدخراتهم القليلة في هذه الصناعة المزدهرة والتمتع من ارباحها. ولكن اعدادا متزايدة من المواطنين في الفترة الاخيرة خاصة اولئك الذين استثمروا في الانفاق ينظرون اليها الان فجأة كشيء اخر مغاير تماما: مصدر للدمار والخراب.

يتبين ان خطة الاستثمار في الانفاق قد طرحت من قبل شخصيات عديمة الضمير مرتبطة برجال اعمال اقوياء في غزة (وكذلك على ما يبدو مع قياديين في حماس) كفرصة لمضاعفة اموالهم التي استثمرت. ولكن من الناحية الفعلية تسببت للمستثمرين من البسطاء في القطاع بخسائر ضخمة. وفقا لمعطيات وزير الاقتصاد في حماس زياد ظاظة الذي تقوم وزارته بالتحقيق في المسألة، حجم الغش يصل الى 100 مليون دولار في هذه القضية. ولكن يتحدثون عن ارقام اعلى بكثير تصل الى قرابة نصف مليار دولار. ما من شك ان مشروع الانفاق قد تطلب مبالغ هائلة. حفر وتفعيل نفق كبير يصل الى 120 الف دولار النفق المتوسط الذي يوجد فيه مكان للزحف يصل الى 90 الف دولار. بالاضافة الى الضرائب يتوجب على صاحب النفق ان يدفع 3 الاف دولار من اجل الحصول على ترخيص من البلدية – هذا غير منطقي في ظل حقيقة كونها تجارة غير قانونية. "الانفاق هي الامر الاشد سوءا الذي حدث لغزة" يقول توفيق. "هي سممتنا وحولت غزة الى اقتصاد حصار. ومن اجل ماذا بحق السماء؟ من اجل الشيكولاتة والدرجات الهوائية".

تشويه للقيم

تاريخ غزة لا يفتقد للفصول الصعبة. احدى الذروات كانت خلال عملية "الرصاص المصهور" في آخر العام الماضي التي أدت الى تدمير جزء كبير من البنى التحتية في غزة. ولكن في هذه المرة لا يقف اي عدو من وراء حكاية الغش هذه، الامر الذي يحولها الى مسألة اكثر اثارة للحزن والكآبة بالنسبة للسكان الذين لا يلعقون العسل اصلا. "الضرر الذي لحق بغزة بسبب الغش اكبر بكثير من قيمة مدخرات المستثمرين التي ذهبت هباء" يقول عمر شيبان محلل في طاقم التفكير المحلي، "الانفاق تشوه التركيبة الاجتماعية في غزة والقيم التي يقوم عليها وفي الواقع هي لا تمثل اية قيمة يمكن للمواطنين ان يؤمنوا بها".

بصورة نظرية، يمكن القول ان الانفاق يجب ان لا تكون موجودة. مع قرب انتهاء العملية في شهر كانون الثاني اصرت اسرائيل على اغلاق الانفاق كشرط لوقف اطلاق النار ولكن من الناحية الفعلية هناك اليوم عددا من الانفاق اكبر من اي وقت مضى. في الجانب المصري من الحدود تبقي الرشوة وعدم الرغبة في عزل قطاع غزة على مسارات التهريب هذه مفتوحة والخبراء يصرون ايضا على ان اسرائيل تعلم بذلك الى انها تفضل غض بصرها: استمرار  النشاط في الانفاق يخفف الضغوط الممارسة على اسرائيل لفتح المعابر الحدودية.

كل شيء يمر اليوم عبر الانفاق: أكياس الاسمنت، السجائر، الجبنة، الدرجات الهوائية للاطفال، قطع السيارات. وفي الانفاق الاكثر اتساعا يدخلون قطيع ابقار كامل. فوق سطح الارض بين ضربات وهجمات القصف الاسرائيلية والمنازل المدمرة يتجول اتباع حماس واصحاب الانفاق حول فتحاتها. من الخارج يسهل التعامل مع مسارات التهريب هذه وكأنها كفاح بطولي ضد الحصار الاقتصادي الذي يتسبب بالشلل. ولكن الكثيرين في غزة اليوم لا يتفقون مع هذه المكانة التي نسبت للانفاق – حبل الخلاص الذي لا يمكن العيش من دونه.

خلال احدى التطورات الاخيرة التي سجلت في قضية الغش اعلم المستثمرين في المشروع الذي عرض من قبل انسان اسمه ايهاب الكردي بان اموالهم قد "اختفت" من دون توضيحات. ومن اجل اضافة الجرم على الجريمة ضغطوا عليهم في الاسبوع الماضي للتوقيع على عقد مع "شركة" الكردي التي تضمن لهم استعادة 16.5 في المائة فقط من المال الذي استثمروه وذلك مقابل التعهد لهم بعدم تقديم شكوى. كثيرون من المستثمرين لم يكونوا في وضع يسمح لهم برفض هذا الاقتراح.

توفيق لحسن حظه لم يفلس بسبب الغش الا ان جارته التي طلبت ان تذكر فقط باسم "ام محمد" موجودة في وضع مغاير تماما. هي باعت كل ذهبها ومجوهراتها التي اشترتها وضمت لها المال الذي جمعته العائلة بقيمة 17 الف دولار والان ستضطر للبحث عن طريقة لاسترجاع مالها حتى تعيد القرض الذي اقترضته من زوجة ابنها. "وثقت بهم" قالت. "الوسيط في القضية بدا انسان مستقيما فهو شخص متدين ولطيف. فقدت كل شيء والان اصبحت فقيرة. وبفضل راتبي الذي احصل عليه من السلطة الفلسطينية انا لا اقوم بالتسول".

توفيق وجارته ليسوا الضحايا الوحيدين للغش. حكايات مشابهة اخرى تظهر في كل القطاع من خان يونس جنوبا حتى غزة وبيت حانون شمالا. اشخاص باعوا منازلهم وسياراتهم واقترضوا القروض من الاقارب فكتووا بالنار. الضحايا يذكرون اسم شركتين يديرهما وائل الروبي بالاضافة لشركة الكردي باطراف ضالعة في القضية. زياد الظاظا يؤكد ان وزارته تحقق في نشاطات هذه الشركات في اطار التحقيق في قضايا الغش والاحتيال.

انهيار الهرم

من الصعب الكشف عن العامل الذي ادى الى الخسائر الكارثية للكثيرين من سكان غزة. ولكن يوجد أناس، بمن فيهم ظاظا، يصرون على أن خطة الانفاق موضع الحديث، والتي عرضت حتى قبل الهجوم الاسرائيلي في غزة في شهر كانون الاول، كانت تضليلا منذ اللحظة الاولى.

مستثمرون ومشغلون للانفاق اجريت معهم مقابلات يصفون شبكة غامضة من العلاقات بين عدة رجال أعمال، بينهم رجال حماس، اخذوا لانفسهم نصيبا من الكعكة. كثيرون من الضحايا يروون كيف ان قريبا لهم التقى احدا ما ضالع في الاستثمار جند ابناء العائلة والاصدقاء لنوع من مشروع الهرم الذي انهار.

في حالات عديدة حاول بسطاء اغراء المستثمرين بالقول لهم بان الخطة يحثها المسؤول الكبير في حماس، وزير الداخلية السابق سعيد صيام، الذي صفته اسرائيل في بداية السنة. وحسب تقارير مختلفة توجه صيام بالفعل الى رجال اعمال محليين واصحاب انفاق بعرض لاستثمار مكثف في الانفاق. حماس تنفي ذلك ولكن ما هو مؤكد هو ان مالا كثيرا جند قبل ان ينهار المشروع بشكل غريب ليحطم حياة الكثير من المستثمرين.

بينما تنفي حماس، من خلال ظاظا كل صلة للمنظمة بخطة الاستثمار لمبالغ طائلة في الانفاق، فانها تعترف بان بعضا من المشاركين في عملية التضليل استخدموا قربهم من كبار مسؤولي المنظمة كغطاء لعملية "السلب". وقال ظاظا ان "ليس لحماس اي صلة بالخطة. هذا خيال. الكردي قال ان له علاقات طيبة مع الحكومة ولكن ما كان يبيعه هو الكذب".

ولكن حتى لو كان ظاظا محقا، والخطة التي باعها كردي وروبي كانت غشا ذكيا، فان الصلة بين حماس، الانقاق وخطة الاستثمار ليست قاطعة جدا مثلما يعرضها ظاظا. فمثلا، احدى العائلات التي استثمرت مالا كثيرا في خطة الانفاق لكردي، كانت حمولة داري، حمولة مع دور عميق في الذراع العسكري لحماس، حسب التقارير خسرت في هذا الغش 3 مليون دولار بل اختطفت كردي ايضا في محاولة لاستعادة اموالها.

وحسب ظاظا، فان جزءا من المال عثر عليه بعد ان صادر رجاله في اطار التحقيق وثائق تتضمن تفاصيل عن اكثر من 3 الاف مكاملة هاتفية. ولكن حسب اقواله لا يعرف الى اين اختفى معظم المال، باستثناء حقيقة انه متأكد جدا بأن الاموال لم تخرج من القطاع.

فحص اجرته "الاوبزيرفر" اظهر بان على الاقل جزء من المال نقل الى الصناديق الخيرية والصناديق الدينية لاخفاء نشاط بعض من المشاركين الرئيسيين في عملية الغش. قسم اخر من المال، على ما يبدو، نقل الى رجال حماس، ومبالغ كبيرة وجهت لشراء المنازل، السيارات، الاراضي والمنتجات الفاخرة الاخرى.

نقطة هامة اخرى هي انه بينما تصل حسابات ظاظا الى 100 مليون دولار يؤمن شعبان بأن حجم الغش من جانب كردي وروبي أعلى بكثير. "أنت ترى الناس الذين يصبحون مليونيريين في غضون اسبوعين – ثلاثة اسابيع. ولكن ماذا يعرضه هؤلاء الاشخاص؟ لا شيء شفاف، جيد او اخلاقي. اذا فان الناس يغشون ابناء عائلاتهم وجيرانهم لان هؤلاء يائسون. فكيف حصل أن اصبحت امورا غير قانونية كهذه مقبولة؟، يقول.

مهما يكن من امر على طول الحدود ايضا، يؤكد مشغلوا الانفاق، ولا سيما العائلات من رفح، دور حماس في قضية الانفاق. وحسب اقوالهم، فانهم طلب منهم ان يدفعوا ضريبة بمبلغ 15 – 20 في المائة لحماس كي يشغلوا الانفاق.

كما يروي مشغلوا الانفاق عن رجال قوات أمن حماس، الذين اصبحوا اغنياء من خلال غض النظر عن بعض المنتجات الاشكالية التي شقت طريقها الى غزة عبر الانفاق – مثل "ترمادول" وهو دواء يبعث على الادمان الشديد، يفعل مؤخرا الاعجائب في المجتمع الغزي. يأخذوننا لنصور بسرعة نفقين. ينبغي الاسراع، يقولون لنا كي لا يرون رجال حماس نصور.

كما انهم يتحدثون عن "امراء الانفاق" وهو التعبير الذي الصق بثلاثة من رجال حماس اغتنوا من دورهم في الانفاق وضمن امور اخرى، هربوا لانفسهم سيارات بأجزاء عبر الانفاق. "الاشخاص الذين يشغلون الانفاق هم اشخاص بسيطون"، يقول عامل اخر في الانفاق. "ولكنهم اكتشفوا المال الكبير الذي يمكن جنيه. رجال حماس استثمروا في بضعة انفاق".

"اذا لم يكن استثمار حقيقي في الاستثمار، فالى اين بحق الجحيم اختفى المال؟"، يسأل توفيق بغضب. "الى اين اختفت 84 في المائة لا تزال ناقصة؟ لا يحتمل ان تكون هكذا مجرد اختفت".