خبر الشرق الأوسط .. تطورات وسيناريوهات .. إسرائيل اليوم

الساعة 08:16 ص|08 يونيو 2009

بقلم: البروفيسور ابرهام بن تسفي

رغم خطاب الرئيس الامريكي في القاهرة ودون التقليل من وزن التصريحات التصالحية جدا للرئيس اوباما تجاه الاسلام وارثه، ودون ان نتجاهل ايضا الاهمية الرمزية لزيارته للعربية السعودية ومصر (ضمن تطلعاته للتحرر من رواسب وضغائن الماضي) – فان جوهر ولب الرحلة يكمنان في سياق ملموس أكثر.

في الوقت الذي تأتي الخطابة البليغة لـ "خطاب القاهرة" كي توفر غلافا حسيا، نفسيا واجتماعيا ضروريا لغرض اقامة علاقات خاصة بين واشنطن والرياض والقاهرة، لب المحور المتبلور لا يوجد في المجال القيمي او الايديولوجي المبسط، بل يكمن عميقا في الواقع الاستراتيجي الاقليمي بجملة التهديدات والتحديات التي يطرحها أمام الدبلوماسية الامريكية.

في أساس الامر عميقا في الرؤيا التي رسمها اوباما في جامعة القاهرة يختبىء واقع كله اضطرارات وقيود، يجعل من الصعب على الادارة أن تعالج بشكل مباشر وعصري بؤر الخطر الدولية المركزية والامر يفرض عليه الحاجة الى الاستعانة بالارادة الطيبة لشركائه وحلفائه كي يدفع اهدافه الى الامام.

في العصر الذي يكون فيه الرئيس ملتزما بعملية الانسحاب من الساحة العراقية ولا ينظر حتى في تعزيز القوة الامريكية في كوريا الجنوبية في ضوء قرع الطبول من الشمال فلا مفر أمامه غير الاعتماد على مقاولين فرعيين اقليميين على أمل أن يتحملوا عبء الدفاع عن استقرار الساحة.

فضلا عن ذلك: على خلفية حقيقة أن التطلع الى التصدي لقوى عاقة ومهددة من خلال قوى اقليمية منهارة في ساحة كوريا في ضوء رفض الصين وروسيا استخدام روافع النفوذ على بيونغ يانغ، يبدو ان أوباما مصمم أكثر مما في الماضي على أن يضمن ألا تسقط في الشرق الاوسط على الاقل استراتيجيته الى الهوة.

لقد حصرت الادارة منذ البداية مجال الخيارات التي مستعدة هي لان تنظر فيها على المدى القصير حيال الخطر النووي الايراني، بعد تأجيل الخيار العسكري الى المستقبل البعيد والغامض. وعليه، فكي ينجح في مهمة "ترويض العاق" من طهران مستعد أوباما – خلافا لسلفه – لان يدفع نحو الزاوية ايضا الانشغال بمسائل الديمقراطية والطبيعة الداخلية للانظمة على ان يفلح في تشكيل الائتلاف الاسلامي المنشود.

من اجل دفع هذا الهدف المنشود الى الامام – جعل العربية السعودية، مصر، الاردن ودول الخليج كتلة باعثة على الاعتدال وكبح الجماح حيال ايران – مستعد اوباما الى الخروج حتى عن الخطوط الهيكلية التقليدية التي على محور العلاقات الخاصة مع اسرائيل. في خطابه في القاهرة وان كان حرص على ان يشير الى "التحالف غير القابل للكسر" بين الولايات المتحدة واسرائيل، الا ان من الواضح انه مؤخرا لا يتردد في ان يتخذ اتجاه اسرائيل نهجا باردا ومطالبا، يتعارض بشكل قطبي مع اقواله اللطيفة المتصالحة وكثيرة العطف على العالم العربي والاسلامي. ناهيك عن انه لا يدور الحديث عن عداء او ضغينة شخصية او ايديولوجية تجاه ادارة نتنياهو فان المصلحة الحيوية التي تقف امام ناظر اوباما – نيل دعم الشرق الاوسط المعتدل في وجه الخطر الايراني – هي التي تقف في خلفية اقواله المتصلبة تجاه القدس ومطالبه القاطعة في مسألة المستوطنات والدولة الفلسطينية. صحيح ان الحديث لا يدور عن محاولة صريحة لتآكل بنية العلاقات الخاصة التي بين واشنطن والقدس بل عملية اضعاف مركزة حيال صخرة خلاف محددة، الا ان اللغة المتصلبة وغير المساومة من جانب كل محافل الادارة من شأنها ان تخلق آلية في نهايتها يحتمل أن يتضرر الدعم التقليدي العميق وبعيد السنين من جانب الرأي العام الامريكي لاسرائيل.

في المرحلة الحالية ليس واضحا على الاطلاق اذا كانت مساعي الرئيس الـ 44 لعزل نفسه عن اسرائيل بشكل تظاهري وحاد في المجال الفلسطيني ستعطي اي ثمار. اذا عدنا الى الخمسينيات سنتبين ان محاولة تجنيد العالم العربي الى "حلف بغداد" من خلال خط سياسي مغترب ومعاد لاسرائيل لم يساعد ادارة ايزنهاور لتحقيق حلمه. واذا ما واجهت هذه المرة ايضا المبادرة الامريكية الاقليمية واقعا متمردا لتتبدد في هامش المنصة، مشكوك فيه أن تنسجم مسيرة التآكل هذه مع المصالح الامنية للولايات المتحدة، وليس فقط لاسرائيل.