خبر العلاقات الأمريكية الإسرائيلية: من التحالف إلى التخالف..!! ..د.ناجي صادق شراب

الساعة 06:48 ص|07 يونيو 2009

العلاقات الأمريكية الإسرائيلية: من التحالف إلى التخالف..!! ..

د.ناجي صادق شراب

من الخطأ الاعتقاد أن العلاقات الأمريكية الإسرائيلية تخضع لنفس المعايير والمبادئ التي تحكم العلاقات الاعتيادية بين الدول.. فالعلاقات بينهما تقدم نموذجا خاصا واستثنائيا في العلاقات بين الدول، وقد تظهر بعض مظاهر التباين والخلاف في وجهات النظر كما هو محتمل الآن في عهد الرئيس أوباما ونتنياهو رئيس الحكومة اليمينية المتشددة في إسرائيل، لكن نموذج التحالف يبقى النموذج المسيطر والمهيمن في العلاقات بين الولايات المتحد وإسرائيل، فالمحددات والعوامل التي تحكم العلاقات بينهما تتجاوز حدود السلطات والصلاحيات الممنوحة لكل من الرئيس أوباما أو نيتنياهو، هي علاقات تستند على أسس سياسية وأمنية ودينية وثقافية ومجتمعية تشكل مكونات السياسة الداخلية في كل منهما، فإسرائيل تعتبر أحد مرتكزات السياسة الداخلية الأمريكية، بمعنى أنها قضية داخلية مثل أي قضية قد تعني المواطن الأمريكي ولذلك نجدها تهيمن على الانتخابات الرئاسية وانتخابات الكونجرس وغيرها من الانتخابات على مستوى الولاية، وفي الوقت ذاته تتحكم الولايات الأمريكية في السياسة الإسرائيلية الداخلية، ولذلك يقال أن السياسة الداخلية في إسرائيل إمتداد لسياستها الخارجية.

 

نحن أما نموذج خاص في العلاقات الدولية، ومن المفارقات في هذه العلاقة أن الجزء وهي إسرائيل تتحكم وتؤثر في الكل، وهذا ما يحاول نتنياهو استثماره في احتواء الضغوطات التي بدأت ملامحها من قبل إدارة الرئيس أوباما وخصوصا في مسألتي الاستيطان وحل الدولتين. ومع ذلك لا يمكن أن نذهب في تحليل هذه العلاقات إلى درجة التطابق الكامل بين المصلحة الأمريكية والإسرائيلية، فتبقى الولايات المتحدة دولة كونية لها رؤية ومصالح إستراتيجية عليا تتوافق مع دورها كدولة إمبراطورية، وفي هذا السياق تلعب إسرائيل دورا محوريا لدرجة أن بقاء وأمن إسرائيل أحد أولويات السياسة الأمريكية، لكن هذا إلى جانب الأولويات الأخرى التي تتباين فيها مع الرؤية والمصلحة الإسرائيلية مثل أولوية السلام الذي بات يشكل أولوية لدى الإدارة الأمريكية الحالية والتي تسعى جادة لتحقيق إنجاز في هذا الملف، لكن في الوقت نفسه لا يمكن إنكار الأوليات الأخرى وخصوصا ما يتعلق بضمان أمن إسرائيل وبقائها. في هذه الدائرة يمكن أن يظهر التباين والخلاف وخصوصا مع حكومة يمينية برئاسة نتنياهو، الذي يشكل أكبر التحديات أمام الرئيس اوباما، وهنا يظهر التأثير الأمريكي الذي أشرنا إليه‘ فإما الدفع في اتجاه إجراء انتخابات مبكرة ومن ثم إسقاط هذه الحكومة، وإما بالدفع من خلال ممارسة قدر من الضغوطات المتوازنة والمحسوبة على نتنياهو لتوسيع إئتلافه لمشاركة حزب "كاديما" الذي قد تأتي مشاركته على حساب بعض الأحزاب اليمينية المتشددة المشاركة في حكومته وخصوصا حزب "إسرائيل بيتنا". هذا هو الإطار العام الذي علينا منذ البداية وضع العلاقات الأمريكية الإسرائيلية.

 

وبالعودة إلى نماذج العلاقات التي قد حكمت العلاقات الأمريكية الإسرائيلية نجدها تراوحت في النماذج التالية: نموذج الشراكة الخاصة وهو الذي ما زال مسيطرا وحاكما للعلاقات بينهما، وقد بدا ذلك في الدعم السياسي والاقتصادي اللامحدود لإسرائيل وخصوصا حق الفيتو الذي وظفته الولايات المتحدة في مجلس الأمن ضد أي قرار بشأن إسرائيل مما جعل إسرائيل بعيده عن أي عقوبات دولية، وهذا النموذج هو الذي ساد على مدار الستين عاما، عن تخللته بعض مظاهر الخلاف مثل شن إسرائيل هجوما مسلحا ضد السفينة ليبرتي الأمريكية عام 1967، وقضية الجاسوس الإسرائيلي جوناثان بولارد.

 

أما النموذج الثاني وهو نموذج المصلحة القومية وبموجبه أن للولايات مصلحتها التي قد تتعارض مع مصلحة إسرائيل وظهر هذا النموذج في حرب 56 عندما مارست الولايات المتحدة ضغطا مباشرا على وقف العدوان الثلاثي وسحب القوات الإسرائيلية.

 

والنموذج الثالث نموذج المحافظين الجدد وهو الذي سيطر بشكل واضح في إدارة الرئيس بوش وقبله مثل إدارة الرئيس جونسون وريجان، وطبقا لهذا النموذج ينظر إلى إسرائيل على أنها أحد المعطيات الإستراتيجية للولايات المتحدة في الشرق الأوسط وهي حاملة طائراتها في المنطقة، وهنا دور الدولة بالوكالة الذي تقوم به إسرائيل في شن حروب محددة في المنطقة مثل الحرب ضد "حزب الله" وضد "حماس"، وما قد تقوم به بالنسبة لإيران في المستقبل القريب وهذا إحتمال قائم وكبير. ولذلك تعتبر إسرائيل أحد المكونات الإستراتيجية للولايات المتحدة في الشرق الوسط وهذا ما يفسر لنا إعتبار إسرائيل أحد أهم الأولويات الإستراتيجية العليا للولايات المتحدة.

 

والنموذج الرابع الذى قد يبدو أنه يسيطر على العلاقات الحالية، نموذج شراكة المصالح المتبادلة، ووفقا له الولايات المتحدة ما زالت تنظر لإسرائيل كأحد مكوناتها الإستراتيجية، وما زالت ملتزمة بأمنها وبقائها، لكن مع الأخذ في الاعتبار الأولويات الأمريكية الأخرى في المنطقة مثل أولوية السلام الذي ترى الولايات المتحدة فيه انه يشكل مدخلا لإعادة الصدقية للسياسة الأمريكية في العالمين العربي والإسلامي. وقضية التعامل مع الملف النووي. وملخص هذا النموذج الذي لم يبلور بعد وهو أن ما في صالح الولايات المتحدة قد لا يكون في صالح إسرائيل، وهذا ما أكد عليه بيان العشرة الذي أصدره عدد من الرؤساء ووزراء خارجية ومستشارو أمن قومي أوضحوا فيه أن هناك خطا فاصلا بين المصلحتين، وليس حالة الاندماج الكامل.

 

* استاذ العلوم السياسية في جامعة الآزهر- غزة.