خبر التواصل بين فلسطينيي الـ48 وأبناء شعبهم في الضفة والقطاع يقلق إسرائيل

الساعة 03:58 م|05 يونيو 2009

فلسطين اليوم : القدس المحتلة

لربما أن أكثر من أجاد التعبير عن طبيعة اللقاء القسري بين فلسطينيي الـ48 وأبناء شعبهم في الضفة الغربية وقطاع غزة، الذي أفرزته حرب حزيران (يونيو) 1967، كان الكاتب الفلسطيني الكبير الراحل إميل حبيبي، في مجموعة قصصه القصيرة "سداسية الأيام الستة"، والتي يفتتحها بقصة تروي سعادة "مسعود"، اللاجئ في مدينة الناصرة، حين التقى بابن عمه، بعد أسابيع قليلة من احتلال الضفة الغربية "حين سَعِدَ مسعود بابن عمه".

ويكتب إميل حبيبي بأسلوبه الساخر، كيف أن مسعود هذا كان في الناصرة "مقطوعا من شجرة" حسب المقولة الشعبية، لا أهل ولا أقارب، وحتى أن مكانته في مجتمعه كانت متواضعة، وفي أحيان كثيرة كان يُواجه بالاستهزاء، إلى أن وقفت أمام بيته ذات يوم "تموزي" (من أيام تموز) "سيارة فاخرة"، وإذا فيها ابن عم مسعود، لتتغير حياة مسعود منذ تلك اللحظة كليا، بعد أن تبين أن له أقارب وأهل.

ومسعود هذا في رواية إميل حبيبي، كان عمليا جمهور فلسطينيي 48، الذين نجحوا في الإفلات من نير التهجير عام 1948، وكان عددهم 153 ألفا، وحتى العام 1967 ضاعفوا عددهم أكثر، ولكنهم على مدى 19 عاما كانوا مقطوعين عن العالم الخارجي، وعن أي تواصل مع العالم العربي المحيط بهم.

ولم تكن أي عائلة فلسطينية قد فلتت من النكبة في العام 1948 من دون فقدان جزء منها، جراء التهجير.

وحقا فإن من رحم مأساة الاحتلال في العام 1967، ولد "فرح" لاإرادي بهذا التواصل، على الرغم من أنه تحت سلطة احتلال إجرامي، فعاد التجوال في فلسطين كلها، وكثير من العائلات الفلسطينية وجدت شطرها الآخر، وكان هذا أيضا مصدر تحول، وهذا "الفرح" المبكي، لم يكن فرحا بالاحتلال، بل بالضبط كفرح "المقطوع من شجرة"، وتبين أن له أصلا، ومن المؤكد أن هذا الفرح كان بالتقاء الأم بابنها، والأخ بأخيه، وهكذا، خاصة وأنه في العام 1948 تم بتر قرى فلسطينية.

وشكل هذا التواصل نقطة تحول في حياة فلسطينيي 48، على مختلف الأصعدة، بدءا من تفاصيل الحياة اليومية البسيطة، وحتى السياسية.

العلاقات الاجتماعية والاقتصادية

إن العلاقات بين جمهوري الشعب الواحد لم تنتظر الاستقرار تحت حرب الاحتلال وتنكيله، بل انتعشت من جديد العلاقات الاجتماعية بين شطري العائلات، ولكن في نفس الوقت تطورت علاقات عائلية ومصاهرة، وغيرها من العلاقات.

وعلى مر السنين بات هناك آلاف العائلات الفلسطينية التي فيها أحد الوالدين من شطر فلسطين الآخر، وفي سنوات التسعين، وخاصة مع انتعاش العملية التفاوضية، وطرح قضية عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى وطنهم، من جهة، ومع تنامي المسألة الديموغرافية في إسرائيل، وقلقها من ازدياد العرب في مناطق 1948 من جهة أخرى، ادعت المؤسسة الرسمية الإسرائيلية من خلال أجهزتها الأمنية والاستخباراتية أن عقود الزاوج لآلاف العائلات الفلسطينية، واستقرار غالبيتها للسكن في مناطق 1948، بغض النظر إن كان الزوج أو الزوجة من المناطق المحتلة منذ العام 1967، كان بمثابة تنفيذ غير معلن لحق العودة، وهو تصوير مبالغ فيه، كان القصد منه ضرب النسيج الاجتماعي من خلال أكثر القوانين عنصرية.

وتنامت الأجواء العنصرية في هذه القضية بالذات مع اندلاع عدوان خريف العام 2000، والذي جوبه بأسابيعه القليلة الأولى بانتفاضة شعبية عارمة، شملت أيضا مناطق 1948، وبدأ الكنيست الإسرائيلي في بحث قانون يمنع منح المواطنة لكل فلسطيني أو فلسطينية من مناطق 1967 ومتزوج من مناطق 1948، وإجبار الشخص على عدم الإقامة في إسرائيل، بمعنى تمزيق العائلات الفلسطينية، ونحن نتحدث هنا عن آلاف العائلات التي تضم عشرات آلاف الفلسطينيين.

ومستوى عنصرية القانون لم يسمح حتى للمحكمة العليا الإسرائيلية بتجاهله، وهي التي أصدرت أيضا قرارا مبدئيا ينتقده ويطالب بتعديله، وهو يصدر على شكل "قانون طوارئ"، أو ما يسمى بـ"أمر الساعة" بحيث يوقع عليه وزير الداخلية، ويقر الكنيست تمديد فترته في كل عام.

وهذه القضية المأساوية تتفاقم بالذات في منطقتين، "المثلث" المحاذية للضفة الغربية، حيث العلاقات العائلية بين شطري الخط الأخضر أكثر، ولكن أكثرها في منطقة القدس، بعد أن فرضت سلطات الاحتلال القانون الإسرائيلي على المدينة المحتلة، وبات المقدسيون "مقيمين" (اقل من مواطن كامل) ولكن حسب القانون الإسرائيلي الاحتلالي، ينطبق عليهم قانون المواطنة وحظر عقد زواج مع أفراد من سائر أنحاء الضفة الغربية وقطاع غزة المحتلين.

وعلى المستوى الاقتصادي، فإنه بعد الاحتلال بات فلسطينيو 48 يتوجهون بكثافة إلى أسواق الضفة بالذات وأيضا في قطاع غزة، وكان هذا تلقائيا، نظرا لفارق الأسعار بين الجانبين، وفي المقابل فإن آلاف وعشرات آلاف العمال الفلسطينيين كانوا يتوجهون للعمل داخل مناطق 1948، ليس فقط في العمل المنظم، في الشركات الإسرائيلية، بل أيضا في البلدات العربية ولدى مقاولين عرب، وكان استيعاب عمال فلسطينيي الضفة والقطاع سهلا للغاية، بسبب تدني أجورهم.

وهذا التواصل الاقتصادي عزز هو أيضا الروابط الاجتماعية والعائلية بين الشطرين.

ولكن التواصل الاقتصادي تلقى ضربة قاصمة جدا بعد عدوان خريف العام 2000، الذي استمر لسنوات، فالحواجز العسكرية والقلاقل الأمنية منعت مئات آلاف فلسطينيي 48 من التوجه إلى أسواق الضفة، إضافة إلى أنه تم منع عشرات آلاف العمال الفلسطينيين من الضفة والقطاع من التوجه للعمل داخل مناطق 1948.

وكانت الضربة الاقتصادية شاملة لكل الضفة الغربية بالذات، وأيضا قطاع غزة، ولكن الضربة كانت أقسى للبلدات الفلسطينية الواقعة عند أطراف الضفة مثل مدينة جنين الواقعة في أقسى شمال الضفة، وكانت تعتمد أساسا على إقبال فلسطينيي الـ48 عليها، وهذه الآثار الاقتصادية ما تزال قائمة بفعل الحصار المستمر.

التواصل السياسي

في سنوات الخمسين والستين بدأ ينمو أكثر جيل ما بعد النكبة بين جماهير فلسطينيي 48، الذي تثقف على روح ثورية ضد سلطات الحكم العسكري المفروض عليهم حتى العام 1966، ولكن آثاره استمرت لسنوات كثيرة بعد ذلك.

وبطبيعة الحال فإن الظروف السياسية بين الجانبين في مناطق الـ48 ومناطق 67 واضحة، كانت وما زالت، ولكل واحد من الجمهوريين ظروف نضالية وأدوات مختلفة، هي "أساليب اللعبة" التي عرفها كل طرف لنفسه وحافظ عليها.

ولكن المد الجماهيري بين الجانبين كان واضحا، وفي حال توتر الأوضاع في أحد الطرفين، فإن الطرف الآخر يرد وفق ظروفه، وفي نماذج كثيرة، وتحتاج إلى سرد تاريخي، وهذا ما هو مستمر حتى الآن.

ولكن بالإمكان التوقف عند أبرز المحطات، وأولها يوم الأرض الخالد، الذي انطلق في مناطق 1948، في الثلاثين من آذار (مارس) العام 1976، احتجاجا على مصادرة الأراضي الفلسطينية، ولكن كان له امتداد واضح في مناطق 1976، حيث وقعت هناك المواجهات في الأيام التالية له.

ومن ابرز المحطات أيضا، انتفاضة الحجر الفلسطينية، التي انطلقت في الضفة الغربية وقطاع غزة في التاسع من كانون الأول (ديسمبر) العام 1987، وهنا كانت قفزة كبيرة في التواصل النضالي والسياسي.

وكان فلسطينيو الـ48 بمثابة الذراع المساعد للانتفاضة الشعبية الباسلة، التي فجرت الكثير من المفاهيم داخل المجتمع الإسرائيلي على مر سنينها، وتشكلت لجان الإغاثة الشعبية في جميع البلدات العربية في مناطق 1948، التي كانت تمد الأهل بالمواد التموينية والطبية وحتى الألبسة، رغم الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعاني منها فلسطينيو 48.

وجرت بعد تلت عدة محطات نضالية، من أبرزها مجزرة الأقصى المبارك في العام 1990، ومجزرة الحرم الإبراهيمي في الخليل في العام 1994، إلى أن اندلع عدوان خريف العام 2000، وجوبه بانتفاضة انتشرت أيضا في مناطق 1948، واستمرت هناك حوالي أسبوعين سقط خلالها 13 شابا من فلسطينيي 48، ومئات الجرحى ومئات المعتقلين.

إن التواصل على مختلف أشكاله بين الفلسطينيين في شطري وطنهم شكل دائما مصدر قلق، ويبرز هذا من خلال كثرة الحديث في إسرائيل عن الميزان الديموغرافي، بين العرب واليهود في فلسطيني التاريخية كلها، وليس فقط على مستوى مناطق 1948، وهذه الاعتبارات تجعل قطاعات في إسرائيل تطالب بحل الدولتين، لتواجهها قطاعات أخرى تدعو إلى طرد الفلسطينيين بشكل جماعي من فلسطين التاريخية.

ويكفي في هذا المجال الإشارة إلى أنه ظهرت في الآونة الأخيرة سلسلة من استطلاعات الرأي التي تبين فيها أن أكثر من 50% من اليهود في إسرائيل يؤيدون فكرة "تحفيز" الفلسطينيين على الهجرة، وكلمة "تحفيز" تتستر من ورائها كافة الأساليب، من طرد بالقوة وحتى تضييق الخناق على الفلسطينيين لحثهم على الهجرة.