خبر نثق في نيَّته ونشك في قدرته ..فهمي هويدي

الساعة 07:20 ص|04 يونيو 2009

ـ الشرق القطرية 4/6/2009

ليس لدينا شك في صدق نية الرئيس أوباما، لكننا نشك في قدرته.

وقد تعلمنا من دروس وخبرات عديدة أن كلام السياسي لا يُسلَّم به ويُطمأن إليه إلا إذا ترجم إلى سياسة على أرض الواقع. ولذلك قيل إن السياسة الحقيقية هي ما تفعله وليست فقط ما تقوله.

صحيح إن أفكار الرجل تمثل ثورة في الساحة الأمريكية، وتعد محاولة للسباحة ضد التيار اليميني- السياسي والديني ـ المهيمن والمتجبر في الولايات المتحدة. وثمة شواهد عدة دالة على أنه يلقى مقاومة شديدة من عناصر ذلك التيار الذي دمر السمعة الأخلاقية والسياسية للولايات المتحدة، ولايزال يمارس استعلاءه وجبروته في الداخل، سواء من خلال تحدي سياسات أوباما ومحاولة إفشالها (في تمسكه بأولوية القضية الفلسطينية على إيران وبحل الدولتين أو في سعيه لإغلاق معتقل غوانتانامو أو من خلال الاستمرار في قمع الناشطين المسلمين في الولايات المتحدة، واستخدام الأجهزة الأمنية والنظام القضائي المنحاز للفتك بهم).

إن تفعيل دعوة الرئيس أوباما إلى تحقيق المصالحة مع العالم الإسلامي يحتاج إلى بعض الوقت، لكن إنجاز تلك المصالحة مع المسلمين الأمريكيين يشكل امتحانا لقدرته.

إن أكبر مؤسسة خيرية إسلامية «الأرض المقدسة» تعرضت لقمع بالغ القسوة في عهد الرئيس أوباما، بعدما اتهمت ظلما وزورا بتمويل الإرهاب. فقد ثبت للقضاء أن التبرعات التى جمعتها المؤسسة من الولايات المتحدة سلمت إلى لجان الزكاة في الأرض المحتلة، لتساعد بها الأرامل والأيتام والعجزة، ولكن بسبب وشاية لا دليل عليها ادعت أن تلك اللجان تابعة لحركة حماس «الإرهابية»، تم إلقاء خمسة من المسؤولين عن المؤسسة في السجون، إذ حكم على اثنين منهم كل واحد بالسجن 65 عاما «أحدهما عمره 55 سنة»، في حين حكم على الباقين بالسجن ما بين 15 و20 سنة.

ولم تكن هذه حادثة فريدة في بابها. لأن شابا لبنانيا في نورث كارولينا ألقي القبض عليه بتهمة تهريب السجائر، ولكن المباحث الفيدرالية اتهمته بمساعدة حزب الله «بمبلغ 3000 دولار»، وحكمت عليه بالسجن 75 عاما. وما حدث مع الدكتور سامي العريان أستاذ الجامعة في ولاية فلوريدا، الذي سجن منذ 6 سنوات بتهمة تأييد حركة الجهاد الإسلامي، فشكل نموذجا آخر للإصرار على الاضطهاد والتنكيل. ذلك أن الرجل تمت تبرئته من كل ما نسب إليه، ولكن أحد المدعين الصهاينة أراد منه أن يشهد لإدانة مسلمين آخرين. وحين رفض وجهت إليه تهمة الازدراء بالعدالة، التي تصل عقوبتها إلى السجن عشرين سنة. والشاب المصري الأصل يوسف مجاهد، الذي لفقت له ظلما تهمة حيازة متفجرات وأمضى عاما في السجن ثم تمت تبرئته. وبعد ثلاثة أيام من إطلاق سراحه، أعادت المباحث الفيدرالية اعتقاله في تهمة جديدة أريد بها طرده من الولايات المتحدة.

القائمة طويلة وحافلة بصور الاضطهاد والتلفيق التي لا تفسر إلا بحسبانها حملة لتدمير حياة المسلمين في الولايات المتحدة وتصفية وجودهم على أراضيها. بل إن ذلك الاضطهاد وصل إلى حد مقاطعة مؤسسة «كير» التي ترعى أوضاع المسلمين في الولايات المتحدة، ووضعها فى دائرة الاشتباه تمهيدا للانقضاض عليها. كما وصلت إلى حد زرع عملاء المباحث الفيدرالية في مختلف المساجد، لا لكي يراقبوا ما يجرى فيها فحسب، ولكن أيضا لكي يعملوا على الإيقاع بالمسلمين المترددين عليها عن طريق إغوائهم بالانخراط في «الجهاد» وتوريطهم في التخطيط للقيام بالأعمال الإرهابية. ومن ثم تلفيق القضايا لهم. وقد كشفت حالات عديدة من هذا القبيل، كان أحدثها ما وقع في مسجد «أرفاين» بكاليفورنيا.

إن كل الكلام الطيب الذي يردده أوباما في دعوته لإقامة علاقات إيجابية مع المسلمين يتبخر مفعوله حينما يتناقل المسلمون أخبار ما يلقاه إخوانهم من قهر وظلم في الولايات المتحدة. إننا نريد أن نصدقه، ولكن عليه أن يساعدنا في ذلك.