خبر السيد نصرالله ضمانة الكيان اللبناني ..ادهم نصار *

الساعة 10:17 ص|03 يونيو 2009

السيد نصرالله ضمانة الكيان اللبناني ..

ادهم نصار *

    ما من ريب أن البحث في قضية وطنية او قومية في وطن  ما ، تفترض قراءة هادئة في ادوار الرجالات والاحزاب والقوى والمكونات التي تؤثر على  مسارات هذه القضية ، وتصيغ الافكار والطرق والوسائل في الحفاظ على الاوطان وتركيبتها واستمراريتها واستقرارها وسبل حمايتها.

   وتختلف المكونات الإجتماعية والمواقع الجغرافية والوقائع التاريخية بين بلد واخر ، الا انها تترك علاماتها  في التراث السياسي والمجتمعي لهذا البلد ، فتجعل لهذا البلد حضوره واهميته على الساحة الدولية والإقليمية بقدر ادوار مكوناته وقواه وزعاماته وقياداته .

    قلة من الرجالات والقيادات والزعامات التي تشكل رافعة لمجتمع او وطن او امة  ، والحديث ليس عن صور التقديس للزعامة المتعارف عليها ، بل عن التقدير الكبير الذي يتكرس  في معايير العلاقة السوية بين القائد والجمهور ، في مسيرة خدمة الوطن والتضحية والفداء في سبيله . القائد القادر على ان يقنع جمهوره في تبني خياراته والسير في مشروعه هو الذي يجعل هذا الجمهور يطيعه كامل الطاعة عن تعقل ومعرفة لا الطاعة المطلقة العمياء . فالقائد او الزعيم الاستثنائي هو من يشكل وعي الجمهور ويجعل من هذا الوعي ضابطة تجعله ملتزما بالضوابط والانظمة والقوانين وملتزما بالمواطنية والانتماء والخيار الواعي والقويم.

    وبناء الجمهور الواعي يحتاج الى القيادة المتصفة بالاخلاص والصدق، والى شخصية مميزة  تعتمد الذكاء العقلي والتحصيل المعرفي متلازما مع الذكاء العاطفي الوجداني ، والتي  تجعله يحنو ويشفق على جمهوره ويحرص على مصالحه  فيبادله الحب والاخلاص ، والحقيقة ان ما  من عارف او جاهل  ينكر اويتنكر  لوجود قائد مميز اجتمعت فيه هذه الصفات على مستوى الوطن والمنطقة ،  يقود مقاومة متواضعة ، منتصرة ومضحية وحاضرة للزود عن الوطن واهله بتواضع ملفت واعني السيد حسن نصرالله قائد المقاومة اللبنانية ضد العدو الاسرائيلي.

    شكل السيد نصرالله وعي الجمهور من خلال جملة التصورات المجبولة بالمشاعر والعواطف الجياشة ، والوعي والادراك المنضبط والملتزم والمحكوم بمصلحة الوطن والمواطن وكرامته وسيادته ،  فقدم الفهم الحقيقي والموضوعي لاهمية الكيان اللبناني  من خلال اختصاره بخاصيتين يقوم عليهما هذا الكيان اللبناني ووجوده وبقاءه واستقراره . فان اي اطلالة اعلامية له خطاب او مقابلة سياسية في اي مناسبة ، تجد انه يكرر الحديث عن هاتين الخاصيتين . الخاصية الاولى التي تتمثل بالعداء للكيان الاسرائيلي المحتل و الغاصب لفلسطين ولحقوق الشعب الفلسطيني ، وتفترض ضرورة وجود المقاومه للتحرير وللدفاع عنه وحمايته الى جانب الجيش اللبناني الوطني . والخاصية الثانية الشراكة في الوطن الذي يتميز بالتنوع الطائفي والمذهبي وبالخصوص الوجود المسيحي كضرورة للشراكة . الذي تعرض للتهميش في حقبة من الزمن ،.و في كل مرة  وفي كل مناسبة كان يؤكد على العيش المشترك والوطن النهائي لجميع اللبنانيين ، وضرورة اجتماع وتالف عائلات الوطن وطوائفه ومذاهبه لبناء الدولة العادلة القادرة ، فاصبح جمهوره طيعا وفاهما ومتفهما للاحداث مهما كانت خطورتها ،  ومتوازنا في حكمه عليها او في تقدير ردات فعله امامها .

     وكان خلافا للكثير من المتزعمين الذين تحكم علاقتهم بجمهورهم المصالح والمنافع الفردية والتوريث العائلي للزعامة ، او التي تعبر عن مصالح عشائرية وقبلية وطائفية ومذهبية ، تعمل على تهميش او الغاء دور القوى المجتمعية او الشركاء في الوطن  . وفي احسن احوالها تعبر عن مصالح مجموعة صغيرة من المجتمع اي يكن حجمها او دورها .

    لذلك نشات له علاقة مميزة مع محازبيه وجمهوره في الوطن وخارجه ، وفي طائفته والطوائف الاخرى. فكان القدوة الحسنة من خلال الصدق والتضحية والعطاء والبذل بكل عزيز. مثل جمهوره وعموم اتباعه والمؤمنين بقيمه التحررية ومقاومة التسلط والهيمنة الاميركية واتباعها. فكان رجل فكر وقول وفعل في سلوكه وحركته . حتى شهد له العدو قبل الصديق وليس جمهوره ومحازبيه  فقط . واثبت هذا الجمهور وهذا الحزب هذه الطاعة والوعي والتضحية في محطات واحداث كبرى ، كادت تلقي بالوطن في آتون الصراعات والنزاعات المذهبية . وقد تهيأت كافة ظروف المؤامرة والفتنة مرات عدة ، وكان هذا الجمهور بوعيه وايمانه بحكمة قيادته ، يحبط ويسقط الرهانات على الفتنة التي لو قدر لها ان تقع لاحرقت البلاد وقضت على العباد . فشكل ضابطة للسلم الاهلي ومانعا من تفكك الكيان اللبناني .

   فالاحداث  الاليمة لا يمكن حصرها ولا عدها ، من مجزرة جسر المطار في  13 ايلول 1993 التي سقط فيها الشهداء والجرحى وتم استيعابها وضبط ردات فعلها ، وصولا الى عام التحرير وكلامه عن انتصار الوطن ، بقوله في احتفال بنت جبيل عام 2000 م " ..أن هذا انتصار لكل اللبنانيين، ليس انتصار حزب ولا حركة ولا تنظيم، هذا ليس انتصار طائفة وانهزام طائفة. ..هذا انتصار للبنان، وهذه المقاومة كانت قوة للوطن، وستبقى قوة للوطن" . وقوله يومها " ...لبنان الجديد وطن للعيش المشترك الحقيقي، فلن يسمح بعد اليوم مسلم ولا مسيحي للصهاينة بأن يلعبوا بنا.. بأجيالنا.. بشبابنا.. لبنان الجديد هو وطن للشدة في وجه الغزاة، ووطن للرحمة في تعاطي أهله وفئاته وطوائفه بعضهم مع بعض .. ". وكان انقى تحرير وانظف عودة ، لم يتم فيها التعرض لاحد متعامل كان او غير متعامل . وترك امر المتعاملين للدولة والقضاء اللبناني. 

     كان السيد نصرالله الضابطة والضمانة وسحب فتائل التفجير الداخلي ابان الاحداث التي حصلت بعد استشهاد الرئيس رفيق الحريري ، حيث حاول العالم ولا يزال يحاول ضمن الاستراتيجية الاسرائيلية - الاميركية للفوضى ، ان يثير الفتن الطائفية و المذهبية في لبنان والمنطقة ، وحتى الآن السيد نصرالله وحزبه  وجمهوره نجحوا في افشال هذه الفتن . من خلال ضبط النفس و التاكيد على الحوار والعيش المشترك في الوطن الواحد والدولة المركزية . وتوصل الى صياغة توقيع وثيقة تفاهم مع زعيم التيار الوطني الحر ، ممثل الاكثرية المسيحية في لبنان في كنيسة مار مخايل .  منعا للانقسام الحاد الذي يمكن ان يسببه الغبن والتهميش بين اطراف التركيبة اللبنانية ، ورفضا للتفرد بحكم الوطن وتاكيدا على الشراكة بين مكوناته.

   وكانت حرب تموز 2006 وما جرى فيها ومن تآمر فيها وتمنى حصولها وما صدر من كلام ومواقف مخجلة من بعض القادة العرب والزعماء المحليين ، كظم السيد نصرالله وجمهوره  غيظهم وواجه بعزم وصمود وتضحية وارادة مطمئنة بان النصر آت آت آت . ولم يعترف المتضررون من نصر المقاومة بهذا النصر رغم اعتراف العدو بالهزيمة ، ورغم ذلك لم يتغير الخطاب والموقف السياسي للسيد نصرالله وحزبه ، بل كرر ان الانتصار هو انتصار الوطن بجميع وشرائحه ومذاهبه وطوائفه ، دون اي ردة فعل اتجاه المتهجمين والمنتقصين من النصر الذي بشر به .

    واصرت المجموعة الحاكمة على سياسة التهميش والاستفراد يوم استقال الوزراء الشيعة بعد تهميش موقع تمثيل المسيحيين الصحيح في الحكومة ، وبدعم خارجي عربي واجنبي جرى تهميش الطائفة الشيعية ، التي تطلع بدور المقاومة وحامية للحدود الجنوبية في مواجهة الإعتداءات الإسرائيلية ،وشريحة اساسية من التركيبة الفريدة للكيان اللبناني ، وطالت الخاصية الثانية للمركب اللبناني ، ومع ذلك استمرت عملية المحافظة على الوطن ووحدته ، ومنع الصدام والانجرار الى الفتنة ، رغم الاحداث الاليمة التي سقط فيها الشهداء والجرحى من جمهور المعارضة وحزب الله ابان الاعتصام السلمي ، من اعتداءات راس النبع - شاتيلا وصولا الى اعتداءات. الجامعة العربية وطريق الجديدة والمدينة الرياضية وما استعمل فيها من سلاح ضد المدنيين، وصولا الى ضحايا مارمخايل - عين الرمانة ، وحفاظا على السلم الاهلي والعيش المشترك ، ضبط السيد نصرالله جمهوره رغم كل الآلام والمعاناة بصبر القادر والقوي ومنع ان تفلت الامورعلى غاربها .

   وحبل الفتن ملقى والمحاولات للفتنة لم تتوقف ، فحين لم تفلح  المؤامرة بضرب السلم الاهلي وايقاع الفتنة الطائفية والمذهبية ، جاءت الفتنة بقرار مشؤوم صدر عن الحكومة اللبنانية غير الميثاقية في الخامس من ايار 2008، وهذا القرار اراد ان يضرب الخاصية الاولى والاهم في تشكل الكيان اللبناني وهي خاصية  المقاومة حامية الوطن والحدود  بالتعرض لاهم اسلحتها  ، فكان قرارا لا يمكن السكوت عليه لانه قرار لا يحتمله الواقع اللبناني كونه يفقد الوطن اهميته واحد اهم اسباب وجوده منذ تشكل الكيان اللبناني وهو مقاومة العدو المحتل واعتداءاته .

    وكأن من اصدر القرار نسي او تناسى كافة الرسائل والتحذيرات ، التي جاءت في خطابات السيد نصرالله على مدى سنوات بقوله "...ان اي يد تمتد الى سلاح المقاومة هي يد اسرائيلية .. سنقطعها ..." لذلك كان قرارا مشؤوما سبب احداثا اليمة في السابع من ايار 2008 ، ، ليعود اللبنانيون  الى منطق الشراكة وعدم الاستفراد بالحكم ، بعد اتفاق الدوحة ، من انتخاب رئيس توافقي للجمهورية ، والمجيء بحكومة وحدة وطنية ، وعودة الى الحوار الوطني ، واقرار قانون انتخاب جديد واجراء انتخابات نيابية ، فكان السيد ضابطا للعيش المشترك وبقاء اللبنانيين متمسكين بالسلم الاهلي ،

مثلت قيادة السيد نصرالله وحزبه لجمهور المعارضة ضابط ايقاع ، وضمان لاستمرار لبنان في حدود التفاهمات بين مكوناته ، وتواصله مع محيطه العربي والاسلامي ، واتصاله بقضية الامة قضية الشعب الفلسطيني وارضه . وتقديم الولاء للبنان على الاملاءات الاجنبية ، التي تريد ان يدفع اللبنانيون ابناءهم ثمنا لمصالحهم في حرب مقنّعة طائفية مذهبية تمزق الوطن اشلاء .

    فكانت قيادته ظاهرة ليست عادية ولا من كثرة في مثيلاتها ، لانها موضوعية وبعيدة عن العاطفة والمغالاة . و نموذجا جديدا للقيادة المنتصرة في البيئة الاقليمية والمحلية مقابل نموذج الزعماء والقادة والحكام المهزومين ، محليين وعرب ونموذجا للتجربة السياسية المقاومة برمتها في أوطانهم.

   الا انها اكسبته عداء وغيرة هؤلاء الحكام والقيادات ، فتطاولت لتطاله وتنال منه بسبب شيعيته  فاخفقت وبقي زعيما عربيا وطنيا ، ثم سعت لتخفضه او تنزل به اليها لتقف بجانبه وتوازيه فاخفقت ايضا ، فباتت تحيك عليه المؤمرات ،وبقي كالنخيل يعطي اطيب الثمر بتواضعه وحياءه يقف امام جمهوره قائدا صادقا ، يحيي جمهوره ويمازحه ويشد في عزيمته ويعطيه الامل والتوجيه .. وهم يحيونه ويدعون له مع  احرارالعالم العربي والاسلامي  وصوتهم مع اطلالته عليهم في كل مرة .. لبيك يا نصرالله . وهيهات منا الذلة .

فكل التحية للسيد حسن نصر الله ولمجاهديه في المقاومة  في عيد المقاومة و التحريرالتاسع.  

·        حقوقي لبناني

باحث في شرق المتوسط للدراسات والاعلام