خبر لم يعد قطاع غزّة المكان الأفضل للمقاومة ..إياد مسعود

الساعة 09:58 ص|03 يونيو 2009

ـ المستقبل اللبنانية 3/6/2009

أسفرت الحملة الإسرائيلية على قطاع غزة، والمسماة "الرصاص المصهور" عن سلسلة من النتائج السياسية والعسكرية، لعل من بينها، أن القطاع تراجع دوره القديم كمنطقة "محررة"، تنطلق منها أعمال المقاومة وعملياتها ضد الأهداف الإسرائيلية عند خط التماس، وخلف "الخط الأخضر". وأن حركة حماس ـ وفي السياق الفصائل الفلسطينية المسلحة الأخرى ـ أخذت تتبع استراتيجية ـ إذا ما صح لنا أن نسميها استراتيجية ـ تعتمد مبدأ الدفاع عن الذات، والتخلي بالمقابل عن شن الهجمات وإطلاق الصواريخ على الأهداف الإسرائيلية. وقد لوحظ في هذا المجال، أن المقاومة في القطاع، ـ وبشكل خاص من حركة حماس ـ مارست ما يمكن تسميته سياسة "ضبط النفس"، في الرد على الأعمال العدوانية الإسرائيلية ضد القطاع، وأن المنطقة تعيش حالة هدنة غير معلنة، وإن كانت تتعرض بين الفترة والأخرى لاختراقات محدودة.

ويمكن تفسير هذا الأمر بسلسلة من العوامل، لعل أهمها التالي:

* إن حجم الدمار والأذى الذي أصاب الناس، بشكل عام، ولدّ حالة شعبية ـ وإن صامتة ـ تحتاج إلى الكثير من الهدوء، تسترد خلالها أنفاسها، ويزيح عن كاهلها الكابوس الرعب الذي أصابها خلال حملة "الرصاص المصهور" التي لم تميز فيها إسرائيل بين مدني وعسكري. ويزيد من تأثير هذا كله أن القطاع ما زال يعيش تحت الحصار، وأن إمداده بالحاجيات يتم وفق نظام تقنيني شديد القسوة. وأن الدمار لا يزال يعم المكان، ولم تنطلق حتى الآن ورشة الإعمار، بينما يعيش قسم كبير من سكان القطاع حالة تشرد، وبطالة، وفقدان لموارد الرزق والمعيشة.

* وصول بعض القيادات السياسية والعسكرية الفلسطينية، إلى خلاصة باتت أشبه بالقناعة مفادها، أن "الاستراتيجية" القتالية التي اعتمدت في المرحلة الماضية لم تثبت نجاحها (تعبير مؤدب بديل لتعبير آخر هو أن هذه الاستراتيجية أثبتت فشلها). وأن إطلاق الصواريخ، كأسلوب شبه وحيد لجأت له المقاومة في الآونة الأخيرة، شكل ذريعة للجانب الإسرائيلي، استغلها إلى أبعد الحدود، ليمارس عدوانه الوحشي على القطاع، في عمليات عسكرية، كان الهدف منها لا يقتصر على "تأديب" الفلسطينيين فقط، بل وكذلك على استعادة التوازن الداخلي للمؤسسة العسكرية الإسرائيلية وثقتها بنفسها. ولا يستبعد بعض كبار المسؤولين الفلسطينيين أن يكون في جعبة العدو الإسرائيلي مشاريع إضافية ذات أهداف إسرائيلية داخلية، يشكل العدوان على القطاع المعبر إليها. من هنا ترى هذه القيادات الفلسطينية ضرورة إعطاء سياسة إطلاق الصواريخ إجازة شبه مفتوحة، بانتظار تغير الظروف.

* ولادة قناعة لدى بعض الأطراف الفلسطينية بفشل تكتيك حماس في إدارة المفاوضات حول صفقة مبادلة الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليت بدفعة من الأسرى الفلسطينيين، وترى هذه الأطراف أن محاولة حماس قطف ثمرة كبيرة مقابل إطلاق شاليت، لا تقل أهمية عن الثمرة التي قطفها لبنان ومقاومته في عملية التبادل الأخيرة، والتي جاءت في سياق سياسي مختلف كلياً عن سياق العملية في لبنان. وبالتالي لا تستبعد هذه الأطراف أن يكون شاليت قد تحول إلى عبء على كاهل حركة حماس خصوصاً بعد أن دخل العامل الفرنسي على الخط، مستفيداً من كون شاليت يحمل جنسية مزدوجة (فرنسية وإسرائيلية)، ومستفيداً في الوقت نفسه من محاولة حماس التقرب من أوروبا، كمعبر يقودها إلى واشنطن في علاقات سياسية تؤهلها لتكون جزءاً من المعادلة السياسية في المنطقة.

* إدراك المراقبين أن حماس ـ الطرف المسيطر على الوضع في القطاع ـ بحاجة إلى هدوء طويل الأمد يوفر لها الفرصة لخوض معركتين سياسيتين لا تقل الواحدة منها أهمية عن الأخرى، وتتقاطعان في مسارهما وأهدافهما:

1 ـ المعركة الأولى هي معركة تسوية العلاقات مع السلطة الفلسطينية في رام الله، بحيث يستفاد بشكل من أشكال الوحدة الداخلية الذي يبقي لحماس موقعها الشريك الفاعل في هذه السلطة. وتبقى في الوقت نفسه الطرف الأقوى المسيطر على قطاع غزة. وتستمد من هذه السيطرة نفوذها في عملية شراكة سلطوية ـ سياسية مع الحكومة الفلسطينية في رام الله.

إن خوض مثل هذه المعركة يتطلب تعزيز هيمنة حماس على القطاع، والتفرغ لمنع قيام أي حركة معارضة فاعلة ومؤثرة. لذلك لا يبدو غريباً أن يبقى الشغل الشاغل لحماس هو منع حركة فتح من أن تستعيد دورها في القطاع. إن هذا كله لا يمكن أن يتم في ظل وضع ساخن على خطوط التماس مع العدو. وهذا يعني بعبارة أخرى، أن وظيفة السلاح، كسلاح مقاوم، قد انتهت (أو علقت) لصالح وظيفة جديدة هي حسم التناقضات الداخلية في احتراب سياسي (ودموي أحياناً) ما زال أفقه مفتوحاً، رغم الحوارات التي شهدتها القاهرة بين "فتح" و"حماس".

2 ـ المعركة الثانية هي كسب اعتراف الغرب بحماس طرفاً في المعادلة السياسية في المنطقة. إذ تلاحظ حماس، في هذا السياق، أن أطرافاً أوروبية أخذت تكسر حاجز العزلة المفروض على الحركة الإسلامية، ضمن قناعة مفادها أن الاقتراب التدريجي من حماس من شأنه أن يجر حماس إلى مربع سياسي جديد، يبعدها عن موقعها السابق كحركة "إرهابية". وليس خافياً أن حماس بدأت تتجاوب مع هذه المبادرات الأوروبية، إن في تراجعها عن مواقفها السياسية المتطرفة لصالح مواقف تتلاقى في عناوينها، مع المواقف التفاوضية للرئيس الفلسطيني محمود عباس، أو في استعدادها لتجميد عملها العسكري لسنوات مقابل صفقة سياسية مع الجانب الإسرائيلي. ومما لا شك فيه أن حماس تدرك أن الاهتمام الغربي بها ما كان ليكون لولا استيلاءها على القطاع.

وهكذا يمكن القول إن المقاومة الفلسطينية تقف الآن عند مفترق طرق، وإن على العقل السياسي الفلسطيني أن يدرس جيداً أياً من الطرق عليه أن يسلك ليحقق برنامجه الوطني المعروف.