خبر الإيراني والفلسطيني في « خطة نتنياهو » ..أنطـوان شلحـت

الساعة 07:35 ص|02 يونيو 2009

ـ النهار اللبنانية 2/6/2009

لا شك في أن الخطاب الذي ألقاه رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، خلال الجلسة الخاصة التي عقدتها الكنيست الاسرائيلية في يوم 27 أيار 2009، يسعـف الراغبين في تحديد الملامح العامة لخطته السياسية. وقد سبق أن قيل إنه عكف على إعدادهـا على أعتاب زيارته لواشنطن في 18 أيار 2009 من أجل عقد أول لقاء بينه وبين الرئيس الأميركي، باراك أوباما، بعد تسلم الاثنين مهمات منصبيهما. لكن قبل ذلك يتعين الالتفات إلى أن نتنياهو قد حرص، في الخطاب ذاته، على توكيد أن المهمة الأولى والأهم، التي كانت ماثلة نصب عينيه قبيل زيارة واشنطن، هي "التوصل إلى اتفاق مع الرئيس الأميركي الجديد ومع إدارته الجديدة في شأن مسألة امتلاك إيران أسلحة نووية"، ليعلن من ثم أن "هذه الغاية قد تحققت". وأضاف: "إنني أثمن عاليا واقع أن موقفنا إزاء المسألة السالفة قوبل بتفهم من طرف إدارة أوباما. كما تم التصديق، من جديد، على تفاهمات مع الولايات المتحدة تخص أكثر الموضوعات المتعلقة بالأمن القومي الإسرائيلي جوهرية، وجرى إحراز إنجازات عينية ومهمة في المجال الأمني".

وعلى صلة بهذه التصريحات لا تزال تتردد أصداء تحليلات إسرائيلية، من الصعب حصرها، أجمعت على أن "المسألة الإيرانية" تقف في رأس سلم أولويات نتنياهو وحكومته، وأن أي ممارسة سياسية قد يقدم عليها في المسائل الأخرى ستكون مجيشة لتلك المسألة وحسب. وبناء على ذلك فإن سيرورة "تحرير" المهمات المترتبة على هذا الموقف تشير، أساسا، إلى مهمتين آنيتين متصلتين: الأولى تتجسد في كبح إيران. أما الثانية فهي الاستعداد لاحتمال أن لا يقوم العالم بعملية كبحها، وأن تكون إسرائيل مضطرة للقيام بذلك بمفردها. وكانت تحليلات سياسية أخرى قد تنبأت بأن "صعود نتنياهو إلى سدة الحكم يزيد احتمالات الحرب مع إيران، لكن "نقطة اللاعودة" لم يتم تجاوزها حتى الآن". وأضيف إلى هذا أنه في الحلبة السياسية الإسرائيلية يسود الاعتقاد أن عودة نتنياهو إلى رئاسة الحكومة "تقرب إسرائيل بالضرورة من حرب مع إيران" وأن "شخصيات سياسية، كانت على اتصال معه، تقول إنه قد قرر تدمير المنشآت النووية الإيرانية"!.

تستند "خطة نتنياهو"، وفقا لخطابه السالف، إلى مبدأ يقول إنه يجدر بالحكومة الإسرائيلية أن لا تتخلف الآن عن "محاولات دفع عملية السلام [في الشرق الأوسط] قدما"، لأن من شأن ذلك أن يخدم مصلحة مواجهة المشروع النووي الإيراني، غير أن هذه المحاولات يجب أن تتبع طرقا جديدة تعتمد ثلاث مقاربات هي: أولا- مقاربة السلام الإقليمي؛ ثانيا- مقاربة تغيير الواقع الميداني في المناطق الفلسطينية المحتلة، وذلك من طريق دفع مشروعات اقتصادية لدى السلطة الوطنية الفلسطينية في مجالات الزراعة والصناعة والسياحة وسائر مجالات الحياة اليومية؛ ثالثا- مقاربة تقدم "العملية السياسية" مع الفلسطينيين، على أساس مبدأ مركزي. وقد حدد نتنياهو فحواه بقوله: "إن الحكومة الإسرائيلية، التي أقف على رأسها، ملتزمة بالاتفاقات السياسية والدولية التي وقعتها الحكومات الإسرائيلية السابقة. وإننا نتوقع أن يحترم الآخرون التزاماتهم... إننا على استعداد لأن نقوم، ونحن نقوم فعلا، بخطوات عينية من أجل السلام مع الفلسطينيين. ونتوقع أن يقوم الفلسطينيون بخطوات عينية شبيهة، ومن الأفضل أن تنضم الدول العربية أيضا إلى جهود السلام وأن تقوم بخطوات عينية ورمزية من أجل التطبيع الآن، لا في وقت لاحق. إذا كانت إسرائيل مطالبة باتخاذ خطوات فورية فإن من الواجب مطالبة الفلسطينيين والدول العربية كذلك باتخاذ خطوات فورية".

وهكذا فإن كلام نتنياهو بقي في مجال العموميات، فضلا عن أنه لم يبتعد عن برنامجه السياسي، الذي خاض الانتخابات الإسرائيلية العامة على أساسه ووقف في صلبه ما بات يعرف باسم "السلام الاقتصادي". كما أنه لم يبتعد عن الخطوط الأساسية لحكومته، والتي ورد في بنديها الأول والثاني ما يلي:

• "إن الحكومة الإسرائيلية ستعمل بشكل فعال على تكريس الأمن القومي وإشعار المواطنين بالأمن الشخصي من خلال مكافحة العنف والإرهاب بصرامة وحزم.

• "إن الحكومة الإسرائيلية ستدفع العملية السياسية إلى الأمام وتعمل على المضي قدما نحو السلام مع جميع جيراننا عبر صيانة المصالح الأمنية والتاريخية والوطنية لدولة إسرائيل".

لم ينطق نتنياهو بعبارة "دولتين" ولم يعلن تأييده لمبادرة السلام العربية. وبالتالي فلا يزال متمسكا بـ"ذريعة" الأوضاع الفلسطينية الداخلية وقضية قطاع غزة، من أجل تجيير "خطر حماس" كامتداد لـ"الخطر الإيراني"، وإدراجهما ضمن الآليات التي تدعم أجندة حكومته الأمنية والدبلوماسية والسياسية.

وكان البرنامج السياسي - الأمني العريض الذي طرحه نتنياهو بشأن مستقبل العلاقة مع الفلسطينيين قد أكد أن "المفاوضات الحالية (قبل الحرب على غزة) والتي بدأت في مؤتمر أنابوليس - في تشرين الثاني 2007 - وركزت على تحقيق اتفاق دائم بصورة آنية، تخطئ الهدف". وهو يعتقد أن الفلسطينيين "غير مستعدين في الوقت الحالي لتسوية إيديولوجية ذات أبعاد تاريخية من شأنها أن تضع نهاية للصراع. ولا يوجد أي دليل على أن الفلسطينيين سيستجيبون، الآن، ولو للحد الأدنى من المطالب، التي سيطرحها أي زعيم إسرائيلي مسؤول. وقد رفض الفلسطينيون بشدة اقتراحا للتسوية قبل ثمانية أعوام (أي خلال مفاوضات كمب ديفيد سنة 2000)، ولا يوجد دليل على أن مواقفهم إزاء قضايا الحل الدائم أصبحت معتدلة أكثر. بل على العكس، فقد أصبحت مواقفهم متصلبة أكثر أمام حكومة إسرائيلية ضعيفة".

وبدلا من ذلك اقترح نتنياهو أن "تركز إسرائيل جهودها على تحسين (مستوى) حياة الشعب الفلسطيني اليومية. وينبغي، بصورة خاصة، مساعدتهم على تطوير اقتصادهم بشكل سريع. وهذه الخطوة، بحد ذاتها، لن تنهي الصراع، لكنها ستوجد أجواء تزداد من خلالها بشكل كبير احتمالات نجاح المفاوضات السياسية. وستعمل حكومة برئاسة الليكود بصورة فورية من أجل تغيير الأوضاع الميدانية" (أي ما أسمي بـ"السلام الاقتصادي").

وبالإضافة إلى ذلك كله فقد كشفت مفاوضات تأليف الحكومة التي أجراها نتنياهو مع رئيسة حزب "كاديما"، تسيبي ليفني، أنه "يؤيد قيام دولة فلسطينية من دون سيادة وعلى 50 في المئة من أراضي الضفة الغربية"، وأنه يصر على "أن تحتفظ إسرائيل بـ 50 في المئة من أراضي الضفة الغربية - وهي المناطق المفتوحة في غور الأردن وصحراء يهودا - والتي تعتبر ضرورية كحزام أمني شرقي". ورأى أحد المحللين السياسيين أن معارضة نتنياهو إقامة دولة فلسطينية ذات سيادة كاملة لم تكن، في واقع الأمر، مجرد "خدعـة" في سياق مفاوضات تأليف الحكومة، وإنما تنم عن موقف مبدئي يتمسك به منذ أعوام كثيرة. ووفقا لهذا الموقف فإن نتنياهو يتطلع إلى أن يجرد الفلسطينيين من أربع صلاحيات تحظى بها أي دولة ذات سيادة، وهي: السيطرة على المجال الجوي، والسيطرة على المجال الإلكترو- مغناطيسي، والحق في بناء جيش والتوقيع على أحلاف عسكرية، والأهم من ذلك كله السيطرة على المعابر الحدودية. إن هذه الصلاحيات الأربع يجب أن تبقى، بحسب رأيه، في يد إسرائيل في المستقبل أيضا.

ويعتقد نتنياهو أيضا أن إقامة الدولة الفلسطينية يجب أن تكون جزءا من المفاوضات، وليس تنازلا إسرائيليا مسبقا. وهو ينظر إلى "عملية أنابوليس"، التي أدارها رئيس الحكومة السابق إيهود أولمرت، مع ليفني، كما لو أنها نكتـة، إذ لا يجوز أن تقترح إسرائيل، سلفا، انسحابا شبه تام من الضفة الغربية، لأن ذلك لن يعود عليها بأي فائدة، لا بل سيشجع الطرف الآخر (الفلسطيني) على أن يطلب المزيد.

من ناحية أخرى فقد جدد نتنياهو الخط السياسي المتشدد إزاء الفلسطينيين، والذي كان قد رسخه خلال ولايته الأولى في رئاسة الحكومة الإسرائيلية (بين السنوات 1996- 1999) عندما رفع شعاره "يعطون نعطي، لا يعطون فلن نعطي".

أما موضوع القيام بـ"بخطوات عينية من أجل السلام مع الفلسطينيين"، فمن المتوقع ألا يتجاوز ملف "البؤر الاستيطانية غير القانونية"، بحسب التوصيفات الإسرائيلية. ويعتقد البعض أن ظهور نتنياهو، يوم 26 أيار 2009، أمام اجتماع كتلة الليكود في الكنيست وإعلانه أن المشروع النووي الإيراني أهم كثيرا من هذه البؤر الاستيطانية، هو بمثابة البداية لتهيئة الأجواء من أجل عملية تفكيكها.

لكن هنا يجدر أن نعيد إلى الأذهان ما يلي:

أولا- أن الحكومات الإسرائيلية لا تنفك تطلق وعودا بتفكيك هذه البؤر على مدار الأعوام الستة الفائتة، أي منذ إعلان خطة "خريطة الطريق" في نيسان 2003 والتي تضمنت مطالبة بهذا الأمر، وفي معظم الحالات كانت الغلبة من نصيب المستوطنين. علاوة على ذلك لا بد من القول إن كلا من نتنياهو ووزير دفاعه، إيهود باراك، أقرب إلى موقف المستوطنين إزاء موضوع "النمو الطبيعي" في المستوطنات القائمة.

ثانيا- تحت غطاء "النمو الطبيعي" تقوم المستوطنات الإسرائيلية القائمة بالسيطرة على التلال المحاذية أو على الأراضي الزراعية الفلسطينية. وتهدف استراتيجية المستوطنين في المناطق الفلسطينية المحتلة إلى غاية واحدة، هي فرض المزيد من حقائق الأمر الواقع في الأرض، بما يقضي قضاء مبرما على إمكان التوصل إلى أي حل جغرافي، لا بمستوى دولة فلسطينية، ولا حتى بمستوى كانتونات.

إن أي مبتدئ في السياسة بات يدرك أن هذه الاستراتيجية هي التي يجري تطبيقها ميدانيا على قدم وساق لكونها تتماشى مع سياسة الحكومات الإسرائيلية المختلفة، وأن ما يعرض من خطط سياسية جديدة - قديمة لا يتعدى غاية المناورة والمداورة.