خبر قلقيلية في اتفاق أوسلو ..عبد الستار قاسم

الساعة 06:15 م|01 يونيو 2009

 

31/ايار/2009

 

قلقيلية تئن ويسقط فيها فلسطينيون بأيد فلسطينية. وربما هذا ليس آخر أنين، والأنات آتية ما دمنا لا نريد أن نتوقف ونضع رؤوسنا بين أيدينا. نحن في الضفة والقطاع نستنزف عاطفيا ومعنويا وماديا ووطنيا وإنسانيا، ونتحول إلى كيديين متناسين همومنا وتطلعاتنا نحو الحرية والاستقلال. دم قلقيلية ينزف وسياسيو فلسطين صامدون في مواقعهم زعماء وقادة ظانين بأن مستقبل الأجيال سينهار لو أنهم غربوا عن وجوهنا.

 

لم يكن من العسير على صاحب فطنة قليلة أن يتوقع عام 1993 بأن اتفاق أوسلو هو الوصفة الأمثل للاقتتال الفلسطيني الفلسطيني، ولخراب ديار الفلسطينيين وتفتيت نسيجهم الاجتماعي، وتدمير جزء كبير من معاييرهم الأخلاقية. المأساة أن الاتفاق وضع الفلسطيني في مواجهة الفلسطيني مقابل شيء غامض قد يتبلور في المستقبل. لقد نص الاتفاق بوضوح على التنسيق الأمني وعلى ضرورة ملاحقة الإرهاب والإرهابيين. ثم جاء اتفاق طابا عام 1995 ليضع التفاصيل ويلزم السلطة المنبثقة عن أوسلو بكثير من الضوابط والمتطلبات الأمنية. ولا تنفك القوى الخارجية وإسرائيل تضغط من أجل مزيد من التنسيق الأمني، ومزيد من ملاحقة الإرهاب والإرهابيين، أي الذين يريدون مقاومة إسرائيل بطريقة أو بأخرى.

 

منذ البدء، كان رأي الكثيرين واضحا وقاطعا وهو أن اتفاق أوسلو سيؤدي إلى فتنة داخلية، وغدا ستسيل دماء الفلسطينيين في الشوارع بأيد فلسطينية إن تم تبني هذا الاتفاق. وغدا ستتحول القضية الفلسطينية إلى نزاع فلسطيني فلسطيني، وستقف إسرائيل هناك سعيدة تغذي هذا النزاع بكافة الأشكال. والسؤال الذي كان: ما الذي يمكن أن نحصل عليه من اتفاق أوسلو مقابل التضحية بالوحدة الوطنية الفلسطينية. وقد كان لي رأي بأنه إذا كان ثمن الاقتتال الفلسطيني الداخلي إقامة دولة فلسطينية فأنا لا أريد هذه الدولة لأن السلم الداخلي أهم بكثير من الدولة، وإذا كان ثمن الدولة أن يقوم فلسطيني باعتقال فلسطيني دفاعا عن الأمن الإسرائيل أو احتراما لاتفاقيات مع العدو الصهيوني فأنا لا أريد هذه الدولة. الدولة لا تشكل حصنا لي، بينما الوحدة الوطنية تشكل دائما الحصن المنيع، وإذا كنت أبحث عن أمن الفلسطينيين فإنني أجده أولا في وحدتهم الوطنية، وفي تكاتفهم ووقوفهم صفا واحدا في مواجهة مختلف التحديات.

 

أخذتنا العزة بالإثم. لكن الآن وبعد مرور هذه السنوات الطويلة على اتفاق أوسلو، من المفروض أننا اتعظنا أو أصبح لدينا الاستعداد لمراجعة الذات والوقوف مليا عند الأخطاء التي ارتكبناها. منذ عام 1993 حتى الآن وأوضاعنا الداخلية تتدهور، وما هو أسوأ فيها أن الأجنبي الغربي الذي صنع إسرائيل قد بات يتحكم بلقمة خبزنا ويهددنا باستمرار بأن هذه اللقمة ستتوقف فيما إذا لم نلتزم بشروطه، وشروطه بالأساس هي الالتزام بالمتطلبات الأمنية الإسرائيلية، ولكي يبرر سوداويته وساديته، يستمر في القول لنا بأننا لا نعمل بما فيه الكفاية وإن علينا أن نبذل المزيد من الجهود في ملاحقة الإرهابيين، والمزيد في تربية الناس بطريقة يتقبلون فيها خدمة أهداف إسرائيل.

 

منذ عام 1993 حتى الآن لم نحصل على اي من حقوقنا الوطنية الثابتة، بل أن الاحتلال الإسرائيلي حول حياتنا إلى مزيد من الجحيم بسبب الإجراءات التي يفرضها علينا وتُضيّق علينا حياتنا في مختلف المجالات. ومنذ ئذ ونحن مشغولون بالمناكفات والاتهامات والاتهامات المضادة والصراعات الحادة والقاتلة.

 

مع شروق كل شمس، يغتم بالنا بالمزيد ويرتفع في صدورنا مخزون البغضاء والكراهية والأحقاد. يوميا هناك أعمال بغيضة نقوم بها تمزق نسيجنا وتهدم معنوياتنا وتفتت عائلاتنا وتقتل فينا روح التحدي والوفاء. نحن نتحول إلى كيديين نلقي من خلف ظهورنا هموم شعبنا، ومستقبل أطفالنا، ونفرط بكل ما هو غال ونفيس لصالح مصالح شخصية وتطلعات ذاتية لا تخدم في النهاية غير الأعداء الجاثمين على صدورنا. تزداد أوضاعنا الداخلية تدهورا وبؤسا وشقاء وتمزيقا، ونحن نهيم في غي ليس بعده غي، وفي غباء ليس بعده غباء.

 

كفى، علينا أن نتوقف، ويجب أن يتوقف هذا النزيف الأرعن. الوقت حان منذ زمن بعيد لكي نعود إلى أنفسنا، ونبدأ مسيرة جديدة تقوم على وحدة وطنية حقيقية مستندة على ميثاق واضح يلتزم به الجميع. وإذا كانت الفصائل الفلسطينية والسلطة الفلسطينية غير قادرة على تحقيق الهدوء والسلم الداخليين فإنه عليها أن تتوجه إلى الأكاديميين والمثقفين والمفكرين لكي يبحثوا لنا عن حل لما نحن فيه.

 

في النهاية، نحن فوق إسرائيل، والبلاد بلادنا، والديار ديارنا؛ ونحن فوق أوسلو وفوق كل الاتفاقيات. إذا كان اتفاقنا مع إسرائيل سيذهب بريحنا ويمزقنا فليذهب الاتفاق إلى الجحيم، ولتذهب معه إسرائيل. شئنا ام أبينا، درنا يمينا أو درنا شمالا نحن مختلفون حول إسرائيل، وإذا كنا نبحث عن وحدة، فلندر ظهورنا جميعا لإسرائيل. لعنة الله على إسرائيل في الصباح والمساء، وفي الغدي العشاء، واليوم وغدا وبعد غد. كل وعود إسرائيل تحت قدم طفلة فلسطينية تملأ ابتسامتها الأرض ريحانا، وكلها لا تساوي ظفر طفل فلسطيني يقلمه لكي يستنشق بوسامته طيب الصباح.

 

أوسلو يجب أن يجد طريقه إلى مزبلة التاريخ، وعلينا أن نطوي صفحات مؤلمة لا يتشرف بها تاريخ فلسطين.