خضر الذي علمنا/ بقلم: موسى جرادات

الساعة 06:33 م|08 مايو 2023

فلسطين اليوم

خضر الذي علمنا

في مدرسة الشهيد خضر عدنان كل الإجابات ممكنة ، الحرية والكرامة والنصر القادم لا محالة .

فور الاعلان عن استشهاد الاخ العزيز خضر عدنان، بعد إضرابه عن الطعام ٨٦ يوما متواصلة، اقسم الجمع ، بين مجد فعل الشهيد وبين من حاول أن يرسم صورة مأساوية لفعل الشهادة ، عبر القول أن الشهيد عدنان ترك وحيدا في مواجهة قدره الذي اختاره اصلا بوعي وبارادة صلبة لا تلين.

عدنان ابن مدرسة الشهداء الذي خطها الأمين المؤسس فتحي الشقاقي ، يكفي أن تعي هذه الحقيقة ، حتى نعرف إلى أي مدرسة انتمى العدنان ، وإلى أي المبادئ التي حملها معه قولا وفعلا ، طوال سنين كفاحة التي عاشها ، شامخا لا يخشى الأعداء.

اذكر قبل سنوات ، أن الشهيد خضر ، وبعد خروجه من المعتقل ، أعلن عزمه زيارة المسجد الأقصى المبارك ، في ذروة التصعيد الصهيوني ، ورغم كل التحذيرات التي تلقاها من الأعداء، والنصائح التي قدمت له من إخوته ومحبيه ، إلا أن الشهيد خضر ، اقدم على الزيارة دون تردد، كان يدرك أن فعله مقاومة ، لهذا فعلها ، فكل فعل مقاوم في مدرسته مأجور عليه .

في مدرسته التي رسمها ، علمنا الشهيد عدنان ، أن ثمن الحرية غال جدا ، ودعانا إلى أن تبع خطاه ، ففيه ومنه ومن فعله الذي لا ينضب ، لا مكان للاسترخاء ، أنه بحق المدرسة التي لا تتوب عن حب فلسطين ، المدرسة اختارت أن ترسم خريطة الوطن بدماء أبنائها، من عرابة حتى رفح ، مسار واخد لا يوقف مده ، غدر من غدروا، ولا حتى صلافة الأعداء وتجبرهم في الأرض.

يريدون كي  وعينا، بكل وسائل القتل التي امتلكوها وما استطاعوا لها سبيلا، لكن العدنان السائر الثائر على درب الشهادة ، كان يتوسط المشهد ، من جهة يحملنا معه إلى هذا الدرب بقوة واقتدار ، ومن جهة يواجه الأعداء ويفرض عليهم مع كل إضراب عن الطعام شروطة التي لا تقبل المساومة والتسويف، وفي الصراع مع المحتل ، تختفي كل أشكال المساومة مع الاحتلال، فمدرسته تقوم على قاعدة واحدة ، أما نحن واما الشهادة .

الإضراب عن الطعام  سلاح الأسرى في المقاومة

بدون شك أن قضية الأسرى في سجون الاحتلال ، قضية الكل الفلسطيني ، فهم كينونة الفعل النضالي لكل الفلسطينيين، لكنها قضية شائكة ومعقدة ، لأن موازين القوى تميل لصالح المحتل ، يتحمل الأسرى الضريبة مضاعفة ، حيث يمعن المحتل في فرض سطوته عليهم ، لتحقيق هدفين في أن معا ، الأول يستهدف فيه الشعب الفلسطيني عموما، عبر القول أن مصير المقاومين منكم السجن، ليحد من انخراط الكل الفلسطيني في مسيرة النضال والمقاومة ، والهدف الثاني يخص الأسرى، بمصادرة حريتهم كاعلى درجات العفاب.

لهذا شرع المحتل في سن القوانين والتشريعات، التي تمنع من عمليات تبادل الأسرى، أو تحد منها ، عبر تحديد المعايير وفق رؤيته ، وفي مسيرة الأسر ابتدع الأسرى وسائلهم في الكفاح، تنوعت وتعددت ، لكن أعلى درجات كفاحهم كانت في إعلانهم الإضراب عن الطعام، وهو السلاح الأخير في جعبتهم، السلاح الامضى ، حيث تعلوا الكرامة الوطنية، على كل ما عدها ، فيصبح الامتناع عن تناول الطعام ، السلاح الأمضى في مواجهة عسف السجان وتجبره، لكن علينا القول أن تلك المحاولات التي قام بها الأسرى ، في الاضراب عن الطعام ، سواء كانت جماعية أو إضرابات فردية، كانت تصطدم دائما بعقبات تحول دون تحقيق أهدافها، ولبس السبب تقصيرا من الأسرى، بقدر فقدان أهم العوامل وهو الإسناد الشعبي لاصراباتهم، فغياب الإسناد الشعبي ، يسمح دوما للمحتل في الاستفراد بهم، عبر عزلهم عن محيطهم، لهذا فإن الواجب من كل قوى الشعب الفلسطيني، إدراكهم أن عملية الإسناد الشعبي ، تعد المظلة الحامية لهم ،عملية الإدراك تتجاوز الخطاب الموسمي والعاطفي الذي لا يأخذ فعله على الأرض.

وحتى تنضج الظروف الموضوعية لاي عملية تبادل للاسرى، لابد من وجود اجتهادات فعلية لتلك القوى ، بالكيفية التي تتم بها عملية الإسناد، فالعدو تعلم من تجاربه السابقة ، في عمليات التبادل ، وبنى عليها ، وقد أصبح أكثر وعيا في أهمية تحرير الأسرى لدى قوى المقاومة ، باعتبارها أنها تضع قوى المقاومة ندا له ، وتصبح فيما بعد أمثولة يقتدي بها الفلسطينيين جميعا ، وحتى لا يبقى أسرنا، اسرى تلك المعادلة الظالمة ، التي دفع ثمنها الكثير من الأسرى، شهادة أو مرضا مزمنا ، أو عزلا انفراديا ، والتي توجها شخينا العدنان باستشهاده وحيدا في زنزانته يقارع المحتل بعناد أسطوري فريد، الخروج من تلك المعادلة الظالمة يستوجب علينا جميعا ، البحث عن الحلول، والشعب الذي قاتل منذ أكثر من مئة عام ، ولم يرفع الراية البيضاء ، وبقي يدافع عن دياره ، قادر على اجتراح تلك الحلول ، وقادر أيضا على تطوير أدواته في المقاومة .

واخيرا فإن شهادة العدنان ، وهو الذي رسمها بجوعه وصبره الذي ختمه بالشهادة ، هو الطريق والدليل الذي لا يقبل التأويل ولا التفسير ، أن العدنان ورفاقه الشهداء ، قد جسدوا كل معاني التحدى ، وفتحوا باب الممكن في مواجهة المستحيل .

والارث الذي تركه خلفه، واضح وضوح الشمس ، من زوجته وخطابها المدوي في السير على نفس الطريق ، إلى أولاده الذي رأيناهم في ازقة غرابة، إلى رفاق الدرب ، فمنهم من قضى نحبه، ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا.