خبر لبنان قبيل الانتخابات – صورة وضع-هآرتس

الساعة 09:56 ص|01 يونيو 2009

بقلم: أمير كوليك

المضمون : كفيلة الانتخابات اللبنانية الحالية، في حالة حصول حزب الله ومؤيديه على اغلبية هامة، ان تشكل اشارة طريق اخرى نحو تحقيق الرؤيا للبنان دون التوزيع الطائفي في السياسة الداخلية - المصدر .

منذ بداية عهده تشكل لبنان من فسيفساء الطوائف والفئات الاجتماعية المتنوعة: السُنة، الشيعة، المسيحيين – باطيافهم المختلفة، دروز وعلويين. قدرة هذه الفئات على اقامة دولة في المنطقة بين جبل عامل في الجنوب وطرابلس في الشمال استندت الى توزيع متفق عليه لمواقع القوى في الساحة السياسية، حسب مفتاح طائفي: الرئيس – مسيحي ماروني، رئيس الوزراء – سني، ورئيس البرلمان – شيعي. وفي المجلس النيابي ايضا يوجد توزيع متشدد في اطاره يفرز عدد ثابت من المندوبين لكل طائفة. وهكذا، 128 عضوا في المجلس يتوزعون في 64 مندوبا مسيحيا (34 ماروني، 14 روم ارثوذكس، 8 روم كاثوليك، 5 ارمن ارثوذكس، 1 ارمني كاثوليك، 1 انجليكاني و 1 بروتستانتي) و 64 مندوبا مسلما (27 سني، 27 شيعي، 8 دروز وعلويين). الانتخابات نفسها هي انتخابات لوائية في كل لواء يفرز عدد ثابت من المندوبين لكل طائفة. المندوبون انفسهم ينتخبهم عموم الناخبين في اللواء الانتخابي. حملة الانتخابات الحالية هي الخامسة في عددها منذ انتهاء الحرب الاهلية اللبنانية في العام 1989.

في الانتخابات التي ستجرى في 7 حزيران من هذا العام يتنافس معسكران اساسان: الاول، "معسكر 14 اذار" بقيادة سعد الدين الحريري، نجل رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري الذي اغتيل في العام 2004. هذا المعسكر هو عمليا تحالف سياسي بين السنة برئاسة الحريري (تيار المستقبل) وبين الدروز برئاسة وليد جنبلاط (الحزب التقديم الاشتراكي)، وكذا محافل مسيحية مختلفة (كالقوات اللبنانية برئاسة سمير جعجع). هذا التحالف تبلور في السنوات الاخيرة مثابة وزن مضاد لصعود قوة الطائفة الشيعية، وبقدر كبير ايضا كوزن مضاد للتواجد السوري في الدولة. والى ذروة قوته وصل معسكر 14 اذار في العام 2005 حين حظي بانتصار ساحق في الانتخابات التي جرت في ربيع تلك السنة. وكانت الانتخابات جرت في ظل اغتيال رفيق الحريري، والمظاهرات الجماهيرية التي ادت الى انسحاب القوات السورية من لبنان (ثورة الارز). ريح اسناد قوية تلقاها هذا التحالف من الولايات المتحدة وفرنسا. في اعقاب الانتصار في الانتخابات شكل هذا التحالف الحكومة التي يقف على راسها فؤاد السنيورة المقرب من رفيق الحريري الراحل. امام "معسكر 14 اذار" تقف محافل المعارضة التي تسمى ايضا معسكر 8 اذار الذي يستند عمليا الى تحالف سياسي بين الشيعة  - حزب الله وأمل – وبين الحزب المسيحي الماروني – "التيار الوطني" برئاسة ميشيل عون – القائد السابق للجيش اللبناني ومن المعارضين البارزين لسوريا، والذي عاد الى لبنان في نيسان 2005 بعد نفي طويل في باريس. ورغم ماضيه المناهض لسوريا لم يسارع للانضمام الى معسكر سعدالدين الحريري. في الانتخابات التي اجريت في تلك السنة حظي باغلبية ساحقة في المناطق المارونية الاساس في جبل لبنان. ومع ذلك، فان المفاوضات لدخوله الى حكومة السنيورة فشلت. فضلا عن ذلك فان معسكر الحريري (التحالف السني – الدرزي – المسيحي) رفض تأييد ترشيحه للرئاسة. محبط من هذه التطورات ارتبط عون في بداية 2006 بحزب الله. ومن هذا التحالف خرج الطرفان كاسبين. عون حظي بشريك سياسي ذي وزن آخذ في التصاعد في الساحة اللبنانية، تأييده ضروري اذا ما وعندما سيتنافس على منصب الرئيس. اما حزب الله من جهته فسعى من خلال هذا الحلف مع عون الى طمس صورته الفئوية والخروج من حدود الطائفة الشيعية. وانضم الى هذا المعسكر ايضا سليمان فرنجية، المسيحي الماروني من المقربين لسوريا في الشمال اللبناني، وكذا محافل من عائلة ارسلان الدرزية.

رغم أنه حتى الانتخابات بقيت اسابيع معدودة يخيل ان ايا من المعسكرين لا يصل الى خط النهاية في ذروة قوته وتماسكه الداخلي. في تحالف معسكر 4 اذار ظهرت توترات مختلفة ولا سيما على خلفية تحديد اسماء المرشحين للقوائم اللوائية المختلفة. في بعض الحالات وصلت الامور الى الاحتجاجات العنيفة. تطور أكثر اقلاقا من ناحية هذا المعسكر هو التقارب الذي طرأ مؤخرا بين الزعيم الدرزي وليد جنبلاط احد المرشحين الاساسيين للائتلاف وبين حزب الله. يحتمل أن يكون جنبلاط، السياسي اللبناني المحنك، "يشتم" تحولا او تعادلا في القوى في الانتخابات القريبة ويسعى الى الحفاظ على القنوات مفتوحة حتى مع معسكر نصرالله. فضلا عن ذلك فان السياسة الجديدة التي تتبنى الحوار مع سوريا وايران تثير التساؤلات في لبنان حول تصميم الولايات المتحدة على دعم معسكر 14 اذار، الامر الكفيل هو ايضا بان يضعف تراص صفوفه.

وفي نفس الوقت فان معسكر 8 اذار، المعارضة الشيعية – المسيحية هي ايضا لا تشكل كتلة مرصوصة. في هذه الحالة ايضا اساس التوتر ينبع من خلافات الرأي حول ترشيح شخصيات مختلفة. فمثلا يسود منذ عدة اسابيع توتر بين ميشيل عون ونبيه بري، زعيم حركة أمل الشيعية. على خلفية تحديد مرشحي المعسكر في بعبدا ومنطقة جزين. محافل رفيعة المستوى في حزب الله طلب اليها التوسط بين الرجلين. في اماكن اخرى اشعل اختيار هذا المرشح او ذاك شقاقا قديما بين عائلات محلية، كالشقاق بين العائلات الشيعية الموسوي والحسيني في جنوب لبنان. فضلا عن ذلك، فان حزب الله يصل الى الخط الاخير في الانتخابات في وضع اشكالي من حيث صورته، في ضوء تبادل الضربات الاعلامية بينه وبين مصر على خلفية اكتشاف خلية ارهابية للمنظمة في سيناء. وتنضم هذه القضية الى الضرر الذي لحق بصورة الحزب في الشارع اللبناني كنتيجة لحرب لبنان الثانية، وكنتيجة لسيطرته العنيفة على احياء في غربي بيروت في ايار 2008. وهكذا، خلافا للصورة اللبنانية الوطنية التي سعى حزب الله لخلقها لنفسه عادت المنظمة لتتخذ في نظر اجزاء من الجمهور اللبناني صورة المنظمة الفئوية التي تنفذ كلمة محافل اجنبية وعلى رأسها ايران.

وفضلا عن التحالفات السياسية والصراعات المحلية على مكان في هذه القائمة او تلك، يجب ان نرى الانتخابات الحالية في سياقها الاوسع كجزء من صراع تاريخي يجري على مستويين مركزيين يتداخلان الواحد بالاخر. المستوى الاول يتعلق بتوزيع القوى بين الطوائف المختلفة في لبنان. في اتفاق الطائف الذي انهى الحرب الاهلية تقرر تقسيم متجدد اكثر مساواة، للقوة السياسية بين المارونيين والسنة. وفي نفس الوقت، تجاهل الاتفاق حقيقة أن الطائفة الشيعية اصبحت – بفضل الزيادة الطبيعية – الطائفة الاكبر في الدولة. وتعد هذه الطائفة نحو 10 في المائة من السكان بل ان هناك من يقول اكثر من ذلك. ورغم حجمهم النسبي بقي الشيعة مظلومين من حيث قدرتهم على الوصول الى مواقع القوة والنفوذ. هذه المشكلة تتفاقم اكثر فأكثر في ضوء حقيقة ان التفوق الديمغرافي يترافق وقوة عسكرية ذات اهمية من انتاج حزب الله، وباسياد خارجيين اقوياء في شكل الايرانيين والسوريين. على مدى السنين تميزت الساحة السياسية اللبنانية بقدرتها على ايجاد صيغ الحل الوسط في كل ما يتعلق بتوزيع القوة. وما أن فشلت في عمل ذلك في منتصف السبعينيات، حتى تدهورت الدولة الى حرب اهلية مضرجة بالدماء. من هذه الناحية كفيلة الانتخابات القريبة القادمة ان تشكل مثابة مفترق طرق سيتعين فيها على المحافل المختلفة أن تقرر هل سيسير لبنان في السنوات القريبة القادمة في مسار يؤدي الى حل وسط، واعادة توزيع للقوة في الدولة ام كبديل سيختار المسار الذي من شأنه أن يقود الطوائف المختلفة الى مواجهة بالقوة.

في المستوى التاريخي الثاني يوجد تحت السطح صراع على التوجه السياسي للبنان، وفي سياقه الاوسع على صورته الاجتماعية والثقافية. فقد ولد لبنان في سنوات العشرين انطلاقا من الصلة العميقة بفرنسا والغرب. وعلى مدى سنواته عاشت الساحة اللبنانية في ظل التوتر بين التوجه المؤيد للغرب الذي تبناه المسيحيون وبين التوجه العربي – القومي، وفي مراحل معينة الناصري، الذي تبناه المسلمون. الصيغة التي تبلورت للجسر على هذه الفجوة اعتقدت ان لبنان هو دولة عربية ذات صلة بالغرب. ومنذ سنوات الثمانين وبقوة اكبر في السنوات الاخيرة آخذة هذه الصيغة في الاهتزاز. قيام حزب الله وغدوه محفلا مسيطرا في لبنان ادى الى عرض رؤيا مضادة لصورة الدولة اللبنانية – دولة شريعة اسلامية بسيطرة شيعية. هذه الرؤيا طرحت كواحد من هدفين مركزيين لحزب الله (الى جانب ابادة اسرائيل). ومع ذلك، يخيل أن حزب الله ومؤيديه في الطائفة الشيعية، حاليا، لا يسارعون الى تغيير طابع لبنان بقوة الذراع. الميول الديمغرافية تلعب في صالحهم، وطالما بقيت قوتهم العسكرية، فان العملية من ناحيتهم تبشر بالخير. على هذه الخلفية ينبغي ان نفهم ايضا الدعوة الحازمة للناطقين بلسان حزب الله لالغاء التوزيع الطائفي في السياسة اللبنانية. في هذا السياق كفيلة الانتخابات الحالية، في حالة حصول حزب الله ومؤيديه على اغلبية هامة، ان تشكل اشارة طريق اخرى نحو تحقق هذه الرؤيا.