تقرير: انكماش المشروع الاستيطاني في الضفة الغربية: عدد المغادرين يفوق القادمين

الساعة 12:59 م|29 ابريل 2023

فلسطين اليوم

انكماش المشروع الاستيطاني في الضفة الغربية: عدد المغادرين يفوق القادمين.. بقلم / عامر خليل

كشفت البيانات الديمغرافية (المؤقتة) لعام 2022، التي نشرها مكتب الاحصاء المركزي الإسرائيلي الشهر الماضي أرقاما مختلفة تماما عما يتردد على لسان رؤساء المستوطنين من نمو كبير في عدد المستوطنين، ويشير شاؤول ارئيلي المختص في شؤون الاستيطان في تحليل نشرته صحيفة هآرتس  ان معدل الزيادة السنوي في المستوطنات هو 2.4% وهو أعلي بقليل من معدل الزيادة العامة للإسرائيليين (2.2%).

وفي قراءة معمقة للبيانات يوضح ارئيلي انه اضيف لـ 464.462 مستوطن الذين تم احصاؤهم في الضفة الغربية في نهاية 2021 اضيف في 2022 فقط 11.247 – وهي الزيادة الأدنى في الـ 12 سنة الاخيرة، والثانية بعد 2020، والذي فيها اضيف فقط 10.017) ويعني هذا الرقم ان معدل الزيادة السنوية للمستوطنين موجود في حضيض غير مسبوق. 

وتبين الأرقام ان ميزان الهجرة الداخلية كان سلبيا للمرة الاولى في 2020 حيث كان عدد المستوطنين الذين انتقلوا من الضفة الغربية الى "إسرائيل" اعلى بـ 842 من عدد اولئك الذين انتقلوا من اسرائيل الى الضفة الغربية – تغير في 2021 الى ميزان ايجابي عندما اضيف 74 مستوطنا فقط، ولكنه عاد ليصبح سلبيا في 2022 (ناقص 1.022).

تحليل البيانات الديمغرافية في العقد الاخير يدلل، على أنه في النصف الأول ساهم ميزان الهجرة الاجمالي الى "إسرائيل" بحوالي الربع من الزيادة السنوية للمستوطنين في الضفة الغربية، في حين أنه في النصف الثاني من العقد فان هذا الميزان ساهم باقل من 10%، وفي 2022 كان 2.2% فقط. إذا كان الامر كذلك، فان الزيادة السنوية للمستوطنين في الضفة الغربية ترتكز في معظمها على زيادة طبيعية، والتي تغطي على توجهات لهجرة سلبية من المستوطنات.

ويؤكد ارئيلي ان التعمق في مصادر الزيادة الطبيعية يكشف ظاهرة معروفة منذ سنين ولكن يتم اخفاؤها عمدا من قبل رجال دعاية الاستيطان فـ 47% من اجمالي الزيادة الطبيعية مصدرها في المدينتين الحريديتين، موديعين عيلت (3.239 مستوطن) وبيتار عيليت (2.538 مستوطن)، واللتان يسكن في كلتيهما حوالي ثلث اجمال المستوطنين في الضفة الغربية، أي أن مشروع الاستيطان يجد صعوبة في المحافظة على سكانه ويتميز بهجرة سلبية – في المستوطنات الايديولوجية وفي مستوطنات جودة الحياة الافضل على حد سواء – ولكن الفشل المدوي هذا لا يدرك فورا من البيانات، لأن معدل الولادة الحريدية العالي يخفي ما يحدث في الحقيقة.

وإذا واصلت هذه الاتجاهات وفق ارئيلي فان الحريديم بالضرورة سيتحولون خلال عقد الى حوالي نصف المستوطنين في الضفة الغربية، ونسبة العلمانيين هناك ستكون اقل من 15% (الباقي سيكونون متدينين وطنيين(الصهيونية الدينية). وسيكون لهذا الواقع تداعيات اقتصادية كبيرة، نظرا لان المستوطنات الحريدية تقع في العنقود 1، الادنى على المقياس الاجتماعي – الاقتصادي للمكتب المركزي للاحصاء. وهذا عبء يثقل اكثر فأكثر على دافع الضرائب الإسرائيلي، دون افق للتغيير، بسبب غياب مصادر تشغيل المستوطنين في الضفة الغربية، في حين أن 60% من قوة العمل للمستوطنين في الضفة الغربية توجد في "إسرائيل" ومعظم الباقين يشتغلون في وظائف بلدية في المستوطنات نفسها.

وتبين الاحصائيات أنه في 2021 كان في مستوطنة ارئيل ميزان هجرة سلبي يبلغ ناقص 168، وفي مستوطنة معاليه ادوميم كان هنالك ميزان هجرة سلبي يبلغ ناقص 872. علاوة على ذلك مجمل الزيادة السنوية في ارئيل كانت 30 شخصا فقط، وفي معاليه ادوميم هبط عدد السكان بـناقص 314. هذا الاتجاه استمر في هاتين المدينتين العلمانيتين أيضا في 2022. 

الاستنتاج هو أن السكن في الضفة الغربية ليس جذابا رغم كل التسهيلات والمزايا، وان المستوطنات لا تنجح في جذب سكان جدد لكي يغلقوا الفجوة التي يخلقها المغادرون. إذا كان هنالك من لا يزال يأمل في أن المستوطنات اليهودية ستغير الميزان الديمغرافي في الضفة الغربية، فإن هنالك خيبة أمل تنتظره. نسبة الإسرائيليين من مجمل سكان الضفة الغربية هو في حالة هبوط، واليوم يبلغ 13.5% فقط من نابلس شمالا حتى ما يسمى الخط الاخضر ومن مستوطنات غوش عتصيون وجنوبا حتى الخط الاخضر فان حضور المستوطنين هو ضئيل ووزنه الديمغرافي هو اقل من 4%، فيما  75% من المستوطنين الذين يسكنون وراء الخط الاخضر (وبضمن ذلك شرق القدس) يتركزون في غلاف القدس والذي في قمته توجد الثلاث مدن الاستيطانية الكبرى، موديعين عيليت، بيتار عيليت ومعاليه ادوميم.

ويخلص ارئيلي الى انه رغم الدعم الكثير الذي تحصل عليه حركة المستوطنين من جهات سياسية ومن حكومات "إسرائيل" فإنها لم تنجح في الاستيطان في قلب الجمهور الإسرائيلي، ورغم محاولة عرضها كنجاح لا يمكن التراجع عنه، عن طريق عرض خاطف لعدد المستوطنين والمستوطنات. بالمعنى النفسي الخط الاخضر لم يمحَ بل بالتحديد تعمق، وفعليا رغم دعم القيادة السياسية، فان معظم انجازات حركة المستوطنين هي هشة جدا.

كلمات دلالية