خبر الأسئلة الحائرة في جولة أوباما العربية ..بلال الحسن

الساعة 08:08 ص|31 مايو 2009

 

ـ الشرق الأوسط 31/5/2009

انتهى شهر النكبة الفلسطينية، شهر أيار/مايو، باستقبال الرئيس الأميركي باراك أوباما للرئيس الفلسطيني محمود عباس. ومع نهاية هذا الشهر الذي كان بحق شهر اللقاءات والمباحثات، يبدأ الرئيس الأميركي على الفور نشاطه العملي لوضع حصيلة اللقاءات والمشاورات موضع التطبيق. وسيتم ذلك عبر زيارتين: زيارة أولى إلى السعودية يوم الأربعاء (3/6/2009)، وزيارة ثانية إلى القاهرة يوم الخميس (4/6/2009). في السعودية سيبحث أوباما مع الملك عبد الله قضايا تتعلق بإيران وباكستان وأفغانستان. وفي مصر سيلقي خطابه الموجه إلى العالم الإسلامي، معلنا من خلاله الرغبة في المصالحة والحوار. وبين مباحثات الرياض وخطاب القاهرة، ستكون القضية الفلسطينية حاضرة كمطلب رئيسي من ناحية العرب، وكعملية إسناد وإرضاء من قبل الرئيس الأميركي، فالعرب يريدون حلا مقبولا للوضع الفلسطيني عطلته أميركا طويلا، والرئيس الأميركي يريد خطة تعامل مع العالم الإسلامي، وهو يقدم التحرك الأميركي الجديد بشأن فلسطين، كثمن مغر لقبول خطته «الإسلامية» والإسهام العربي فيها.

نحن إذاً أمام بحث من نوع جديد، يبادر إليه الأميركيون مع العرب. نحن أمام مخطط أميركي إقليمي يحتوي في داخله بندا عن القضية الفلسطينية، ولسنا أمام مسعى أميركي لحل الصراع العربي ـ الإسرائيلي.

العرب يرحبون بالتحرك الأميركي وينتظرون بنوده بفراغ صبر، والإسرائيليون منزعجون من هذا التحرك الأميركي، ويقاومونه وهم يعرفون أنهم غير قادرين على ذلك.

يعبر عن هذه الخارطة السياسية كاتب إسرائيلي فيقول: شرح الرئيس أوباما لرئيس الوزراء نتنياهو سلم الأفضليات على الشكل التالي: إيران أولا والفلسطينيون في النهاية لكن مع صلة واضحة بينهما، ولذلك لا توافق أميركا على حرب إسرائيلية ـ إيرانية، وتدعوا إلى مسيرة سياسية تصوغ الائتلاف الإقليمي بقيادة أميركا.

تمثلت الترجمة العملية لهذا الكلام الأميركي، بالضغط على نتنياهو في مسألتين: الأولى هي القبول علنا بأن الهدف هو إنشاء دولة فلسطينية إلى جانب دولة إسرائيل. والثانية ضرورة وقف الاستيطان وقفا كليا من دون اجتهادات. وبما أن نتنياهو يتبنى مواقف تتناقض مع هذين المطلبين، فقد ظهر الأمر وكأن هناك خلافا أميركيا ـ إسرائيليا كبيرا. وهو بالفعل خلاف كبير، ولكنه خلاف لا تستطيع إسرائيل الصمود فيه، وهي مضطرة أن تتراجع عن موقفها بسرعة لكي تبقى في إطار الحماية الأميركية لها، وإلا فإن حكومة نتنياهو ستكون معرضة للسقوط.

وهناك مفارقة في هذا الخلاف المعلن بين أوباما ونتنياهو، فالحكومات الإسرائيلية السابقة كانت تعلن قبولها بحل الدولتين، ولكنها كانت تفاوض بطريقة تلغي إمكانية ذلك. وفي موضوع الاستيطان كانت أيضا تعلن استعدادها لإزالة المستوطنات العشوائية (أو البؤر الاستيطانية) بينما هي توسع يوميا وبكثافة المستوطنات الأكبر والأهم، وكانت أميركا راضية وصامتة. ولكن نتنياهو جاء ليعلن التكتيك الخفي، وليجعل منه سياسة رسمية، وهو ما لم يستطع أوباما تحمله، فبادر إلى خوض معركة سياسية علنية ضده. وبرضوخ نتنياهو للمطلب الأميركي، تكون إسرائيل قد عادت إلى الوضعية السابقة، التي كانت محاطة بصمت القبول الأميركي.

الجديد بالتكتيك الأميركي، سيبرز حين تظهر استحالة التوفيق بين المطالب الفلسطينية والمطالب الإسرائيلية، وحول قضايا أساسية وحيوية مثل: الانسحاب من الأراضي المحتلة عام 1967، ووضع مدينة القدس، وحق العودة للاجئين الفلسطينيين، ومصير المستوطنات والمستوطنين، فقد عطل الخلاف حول هذه القضايا التسوية السياسية طوال السنوات الثلاثين الماضية. والسؤال هنا: هل سيقبل أوباما صيغة أن هذا الخلاف، حول هذه القضايا، ليس له حل؟ أم أنه سيلجأ إلى نظرية فرض الحلول على من يخرج بمواقفه عن الشرعية الدولية؟

إن أوباما مضطر لإجراء فحص دقيق لهذا السؤال. وعملية الفحص لا بد أن تجري في السعودية في الدرجة الأولى لسببين: الأول أنها هي المعنية أكثر من غيرها بمبادرة السلام العربية، والثاني أن أوباما يحتاج إلى السعودية لكي تلعب دور الوسيط الأول في محاولة إيجاد مخرج سياسي لمأزق الحرب في كل من باكستان وأفغانستان، ومن أجل أن يساعد ذلك أميركا في التخلص من مأزقها العسكري. وبديهي أن السعودية ستطلب مقابلا فلسطينيا إزاء هذا الدور المنشود منها، فهل سيفهم أوباما ذلك؟ أم أن علاقات أميركا مع إسرائيل ستبقى أقوى من أي تفاهم أميركي ـ عربي؟

هذا هو السؤال. وهذه هي المعضلة. وهذا ما ينتظره الجميع في العالم العربي وفي العالم الإسلامي، حين يلقي أوباما خطابه في القاهرة مخاطبا به العالم الإسلامي. فإذا استطاع أوباما التفاهم مع السعودية سيتضمن الخطاب تفصيلات حول تصور أميركي جديد لتسوية الصراع العربي ـ الإسرائيلي، وسيقود ذلك إلى بناء ائتلاف إقليمي واسع، تريده إسرائيل ضد إيران، وتريده أميركا والسعودية من أجل معالجة وضع أوسع، يمتد من إيران إلى أفغانستان، وعلى قاعدة إزالة عناصر التفجر لا على قاعدة التهديد بالتفجير. على قاعدة الحوار لا على قاعدة المواجهة.

والسؤال الآخر هنا. هل تفهم إسرائيل طبيعة هذا السؤال المطروح على الجميع في المنطقة؟ من الواضح حتى الآن أن إسرائيل تتعمد ألا تفهم، ولذلك فإنها تواصل الإعلان عما تريد، وتتجاهل الإجابة عن أي سؤال يطرحه الآخرون.

والشق الآخر لهذا السؤال: هل تستطيع إسرائيل أن تتفهم حاجة أميركا الآن للتفاهم مع العالم الإسلامي، ومن المدخل السعودي؟ أم أنها تفضل أن لا تفهم، انسجاما مع سياسة إسرائيلية تعتبر أن كل ما يجري في البيت الأبيض هو اختصاص إسرائيلي لا غير؟

وينبع من هذه الأسئلة سؤال آخر حول باراك أوباما نفسه. هل يملك الرئيس الأميركي الاستعداد لإحداث نقلة نوعية في العلاقة الأميركية ـ العربية حتى لو مست مكانة إسرائيل ولو قليلا؟ هناك كثيرون يشكون في ذلك، ويلاحظون أنه في اللحظة التي خرج فيها نتنياهو من البيت الأبيض مقطبا، استقبل أوباما في اليوم التالي مباشرة هنري كيسنجر وزير الخارجية الأميركي الأسبق. وقد يكون هذا الاستقبال عاديا، لولا أن كيسنجر صاحب وجهة نظر في كيفية التعامل مع الصراع العربي ـ الإسرائيلي. فهو يرى أن هذا الصراع غير قابل للحل، لأن مطالب الطرفين لا تلتقي. وهو يتبنى مواقف علنية ضد كل المطالب العربية. ومثلا.. في شهر أيار/ مايو من العام 2004 كتب كيسنجر مقالا (نشرته «الشرق الأوسط») تحدث فيه عن المطالب العربية. قال إن العرب يريدون من أميركا أن تلزم إسرائيل بالعودة إلى حدود 1967، وبإلغاء قرار إسرائيل بتوحيد القدس، وبصيغة غير محددة تتعلق بعودة اللاجئين (صيغة المبادرة العربية)، وبإلغاء المستوطنات. وهنا يضيف كيسنجر أن هذا البرنامج ساهم في تعطيل عملية السلام لمدة عقدين. ومن المؤكد أن كيسنجر قدم لأوباما في اللقاء الجواب نفسه، فهو ليس من النوع الذي يغير آراءه السياسية من أية قضية بعدما يقوم بدرسها، ليس لأنه رجل عنيد أو متعنت، بل لأنه يسند أي موقف له بموقف نظري. مثلا: يرد كيسنجر على الموقف العربي القائل بأن التنازل الإسرائيلي سيواجه باعتراف عربي بإسرائيل (وحاليا باعتراف إسلامي)، بأن هذا التنازل لا قيمة له، لأنه «في العلاقات العادية بين الدول، لا يعتبر الاعتراف المتبادل مكافأة بل نقطة بداية للسياسة الخارجية وليس نهاية لها». ومن المؤكد أنه سيؤكد هذا القول عندما يتطرق الحديث مع أوباما إلى مبادرة السلام العربية.

.. ولكننا ننتظر رغم ذلك جواب أوباما النهائي، كما سيعرضه أمام المسؤولين السعوديين، أو كما سيعبر عنه في (الخطاب الإسلامي). لقد تراجع أوباما عن سياسة المحافظين الجدد، فهل سيرتد إلى سياسة كيسنجر، أم ستكون له سياسته الخاصة؟ مع ملاحظة هامة، وهي أن أوباما لم يلزم نفسه حتى الآن بأي موقف يشير إلى هذه الوجهة أو تلك.