خبر واشنطن تريد «جهودا إقليمية» لبناء الثقة بين الإسرائيليين والفلسطينيين..

الساعة 05:42 ص|30 مايو 2009

فلسطين اليوم-وكالات

قالت مصادر أميركية مطلعة  لصحيفة «الشرق الأوسط» إن الرئيس الأميركي باراك أوباما يريد من شركاء واشنطن في منطقة الشرق الأوسط القيام بخطوات إيجابية من أجل «تمهيد الأرضية» و«وضع شروط» لانطلاق عملية السلام بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، موضحة أن «إدارة أوباما في تحركها نحو السلام لا تنطلق من فكرة عقد مؤتمر للسلام ثم رؤية نتائج المفاوضات، بل تريد في المقام الأول تمهيد الشروط اللازمة لإنجاح عملية السلام، وهذا يتطلب أن تقوم دول المنطقة باتخاذ خطوات من ناحيتها».

وتابعت: «نريد جهودا إقليمية تسير جنبا إلى جنب مع المساعي الأميركية لبناء الثقة بين الإسرائيليين والفلسطينيين. فأميركا لا تريد أن تتحرك نحو مؤتمر للسلام في الشرق الأوسط قبل أن تتحدث مع حلفائها في المنطقة حول ما يمكن أن يقوم به كل طرف من أجل بناء مناخ أفضل لعملية السلام».

وأوضحت المصادر أن واشنطن من جانبها ستتحرك كـ«وسيط» محايد ونزيه للسلام وستعمل على إزالة الشكوك في نزاهة ذلك الدور، وهو ما ظهر في الضغط الأميركي العلني والمتواصل على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لوقف التوسع في المستوطنات سواء الثابتة أو العشوائية. ويأتي ذلك فيما قالت مصادر فلسطينية إن الوثيقة التي قدمها الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن) إلى أوباما والمكونة من 5 صفحات تتضمن خطة لتفعيل خارطة الطريق ومبادرة السلام العربية، تشمل آلية لمراقبة وتيرة بناء إسرائيل للمستوطنات مع إطار زمني للانسحاب الإسرائيلي من المدن الفلسطينية وتصورات لحل الدولتين.

وقال مسؤول بالخارجية الأميركية لـ«الشرق الأوسط» إن «الهدف الفوري» لإدارة أوباما هو بدء العمل فورا مع شركائها في المنطقة لتمهيد الأرضية للسلام، وان مدخل اميركا للسلام سيكون صارما، موضحا: «هدفنا هو تغيير نظرة الارتياب السائدة في المنطقة ونقص الثقة في المنطقة في جهود السلام. الولايات المتحدة تبقى ملتزمة بالسعي النشيط والمحموم والصارم لسلام دائم بين إسرائيل والفلسطينيين.

كما تبقى ملتزمة بالسعي للسلام بين إسرائيل وجيرانها العرب، وهدف الدولتين، إسرائيلية وفلسطينية تعيشان جنبا إلى جنب في أمن وسلام. الرئيس أوباما ووزيرة الخارجية هيلاري كلينتون أظهرا بشكل واضح أن هذا الهدف على رأس أولوياتهما». وتابع المسؤول الأميركي: «هدفنا الفوري الآن هو أن نبدأ العمل مع شركائنا الإسرائيليين والعرب، وحلفائنا في المجتمع الدولي لخلق الشروط لحل سلمي للصراع العربي ـ الإسرائيلي، وإنشاء دولة فلسطينية مستقلة قابلة للحياة».

وعقد أوباما محادثات مع أبو مازن في البيت الأبيض بعد عشرة أيام من استضافته نتنياهو الذي يمر بحالة شقاق مع واشنطن بشأن المستوطنات اليهودية والدولة الفلسطينية. وأوضح أوباما أنه سيستمر في الضغط على نتنياهو لفرض تجميد كامل على بناء المستوطنات في الضفة الغربية وتأييد هدف إقامة دولة فلسطينية، إلا أن أوباما تحدث عن «حراك داخلي إسرائيلي» لخفض حدة الخلاف مع نتنياهو. وقال: «أعتقد أننا لا نستطيع إضاعة أي لحظة» في جهود تسوية النزاع، «لكنني لا أتخذ قراراتي بالاستناد إلى محادثات أجريناها الأسبوع الماضي فقط لأنه على نتنياهو بالتأكيد تسوية هذه المسائل داخل حكومته وداخل تحالفه». كما رفض الرئيس الأميركي الالتزام «بجدول زمني مصطنع» لتسوية النزاع، فيما كان سلفه جورج بوش الذي بدأ جهودا لإحلال السلام في نهاية 2007، قد حدد موعدا للتوصل إلى اتفاق بين إسرائيل والفلسطينيين في يناير 2009 قبل انتهاء ولايته الرئاسية. وأضاف أوباما: «سأرى تقدما وسنعمل بجد لتحقيق ذلك. إنني واثق من أننا نستطيع دفع هذه العملية قدما إذا كانت الأطراف مستعدة لاحترام تعهداتها. لا يمكن أن نستمر في السير على غير هدى. يجب أن نعيد هذا الأمر إلى مساره». وكرر أوباما تأكيده على أن التزامات إسرائيل بموجب خطة «خارطة الطريق» للسلام في الشرق الأوسط لعام 2003 تتضمن «وقف بناء المستوطنات وضمان أن توجد دولة فلسطينية لها مقومات البقاء». غير أنه في المقابل قال إنه يجب على الفلسطينيين تحقيق مزيد من التقدم نحو تعزيز قواتهم الأمنية والحد من «التحريض» المُعادي لإسرائيل الذي قال إنه ينتشر في المدارس والمساجد.

وأشار أوباما في هذا الصدد إلى الاتصالات المتواصلة بين أبو مازن والجنرال كيث دايتون المنسق الأمني الأميركي لإسرائيل والسلطة الوطنية الفلسطينية الذي عاش وعمل خلال السنوات القليلة الماضية بشكل دائم بين القدس والضفة الغربية للإشراف بنفسه على بناء 3 لواءات تتبع للسلطة الوطنية الفلسطينية. وكان الجنرال دايتون تحدث يوم الخميس أمام باحثين وسياسيين وذلك لأول مرة منذ نحو 3 أعوام ونصف العام.

وقال دايتون الذي كان مدعوا في جلسة في «معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدني»، الذي يُعتبر أحد مراكز الأبحاث المقربة من اللوبي اليهودي في واشنطن: «إن بناء قوات أمنية تتبع للسلطة الفلسطينية مدربة بشكل جيد أمر هام للتحرك إلى الأمام»، موضحا أن عدد اللواءات التي يشرف على تدريبها سيرتفع إلى 10 لواءات خلال الفترة المقبلة (كل لواء مكون من 500 شخص). وقال دايتون في كلمته أمام معهد واشنطن إن مهمة هذه القوات هي «بناء دولة فلسطينية». ولأن الكثيرين من المشاركين في جلسة المعهد لم يكونوا بالضرورة من المؤيدين لفكرة «دولة فلسطينية مستقلة» فقد أضاف دايتون قائلا: «إذا لم تكن فكرة دولة فلسطينية تروق لكم، فلن تروق لكم هذه الجلسة».

يُذكر أن الاستخبارات الأميركية وجهاز الشين بيت (الاستخبارات الداخلية الإسرائيلية)، يقومان بفحص أسماء المنضمين إلى هذه القوات لضمان عدم اختراقها. وقال دايتون إن هذه القوات مدربة على مواجهة هدفين: العصابات الإجرامية وحماس في الضفة الغربية. وتكلفة إنشائها بلغت 161 مليون دولار أميركي. لكن على الرغم من أن مهمة هذه القوات ـ كما قال دايتون ـ هي «بناء دولة فلسطينية» فإن الأمر على أرض الواقع ليس بهذه البساطة. وهذا ما أشار إليه بول وولفيتز النائب السابق لوزير الدفاع الأميركي دونالد رامسفيلد، والذي يعمل حاليا في معهد «أميركان إنتربرايز» في واشنطن إذ سأل وولفيتز دايتون خلال الجلسة: «كم عدد هؤلاء الفلسطينيين الذين يسمون القوات التي تقومون بتدريبها عملاء؟»، فرد دايتون قائلا إن حماس والمتعاطفين معها يتهمون هذه القوات بالعمالة، غير أنه شدد أيضا على أن هذه القوات ترى دورها في تأسيس دولة فلسطينية مستقلة. من ناحيته، وصف أبو مازن لقاءه الأول مع أوباما بأنه «جدي وصريح». وأضاف: «اتفقنا على التواصل الدائم». وردا على سؤال عن مدى تفاؤله في إقامة دولة فلسطينية، قال: «نتمنى أن تتحقق هذه الوعود، ولا مبرر كي لا تتحقق ما لم تضع إسرائيل عقبات». وأعلن عباس من جهة ثانية عن زيارة جديدة يقوم بها الموفد الأميركي جورج ميتشل إلى المنطقة في السابع من يونيو (حزيران). ومن المقرر أن يعقد اليوم أبو مازن مباحثات في القاهرة مع الرئيس المصري حسني مبارك. وكان لافتا الفارق في الحرارة التي أبداها أوباما خلال لقائه كلا من أبو مازن ونتنياهو، فعندما التقى نتنياهو في واشنطن قبل نحو أسبوع لم يبتسما أمام الكاميرات ولم يتصافحا بعد انتهاء مباحثاتهما، وهو ما لفت إلى توتر الأجواء بينهما.

وقال مصدر أميركي لـ«الشرق الأوسط» في هذا الصدد: «الرسالة هي أن على إسرائيل أن تستجيب لأسباب القلق من زيادة المستوطنات وتوسعها. فالمستوطنات عبء على التقدم إلى الإمام. إذا توقفت الآن يمكن أن تبدأ عملية سلام، لكن لا يمكن أن تبدأ عملية سلام مع استمرار التوسع في المستوطنات». ومع وجود شقاق بالفعل بين واشنطن وتل أبيب حول المستوطنات يبدو أن تصريحات هيلاري كلينتون مع نظيرها المصري أحمد أبو الغيط ليل أول من أمس التي قالت فيها إنه «لا مرونة أميركية إزاء أي توسع للمستوطنات لا الطبيعية ولا غير الطبيعية»، نقل عن نتنياهو قوله غاضبا لأحد المقربين منه «ماذا بحق الجحيم يريدون مني؟» محتجا على ما ترى إسرائيل أنه «بات ضغطا متواصلا وعلنيا». وقال المصدر المقرب من نتنياهو في تسريبات نقلها موقع «فورين بولسي» (السياسية الخارجية) الاميركي أمس إنه «فهم أن نتنياهو شعر أيضا بعدم الارتياح خلال لقائه قادة الكونغرس الأميركي الأسبوع الماضي»، وذلك لأن أعضاء الكونغرس أكدوا لنتنياهو ضرورة وقف بناء أو توسيع المستوطنات، تاركين رئيس وزراء إسرائيل مدركا أنه لن يجد موقفا مختلفا من الكونغرس حيال هذه النقطة، وذلك بعدما نجحت إدارة أوباما عبر نائب الرئيس الأميركي جوزيف بايدن في إقناع قادة الكونغرس أن موضوع السلام يتعلق بالأمن القومي الأميركي أيضا لا بالأمن القومي الإسرائيلي فقط. غير أن المصدر الأميركي قلل من تأثير الخلاف بين تل أبيب وواشنطن، موضحا: « نريد أن نثبت لكل الأطراف أننا طرف محايد إذا طلبنا من الفلسطينيين وشركائنا الإقليميين مطالب بعينها لتحريك عملية السلام، فيجب أن يحدث الشيء ذاته مع إسرائيل. يجب أن توفي بما عليها من التزامات، وفي الواقع تحقيق السلام مع الفلسطينيين في نهاية المطاف هو من مصلحة الإسرائيليين». ويبدو أن إصرار أوباما على الضغط على إسرائيل في ما يتعلق بالمستوطنات قد جعل بعض المتشككين في عملية السلام على المسار الفلسطيني يراجعون أفكارهم. ومن هؤلاء أرون ديفيد ميلر الذي عمل مستشارا لشؤون الشرق الأوسط لـ7 إدارات أميركية، الذي قال في تصريحات سابقة لـ«الشرق الأوسط» إنه لا يرى أن المسار الفلسطيني سيتحرك سريعا وإن إدارة أوباما تتجه أكثر نحو تسوية على المسار السوري. ويبدو ميلر دهِشا بشكل إيجابي من الطريقة التي تتحرك بها إدارة أوباما. ويقول ميلر في هذا الصدد: «ما بدأت أراه هو أن إدارة أوباما أقل اهتماما بالتحرك فورا لإقامة مباحثات سلام فورية أو اتفاق. هذه الإدارة مهتمة أكثر بوضع قواعد جديدة وإعادة ترتيب أساس بيت المفاوضات». وتابع ميلر الذي يعمل حاليا في معهد « وودرو ويلسون» للأبحاث في واشنطن: «ربما استنتجت إدارة أوباما أنهم لن يستطيعوا تنفيذ حل الدولتين في ظل نتنياهو. لعلهم يريدون رئيس وزراء إسرائيليا آخر. وأفضل طريقة لفعل هذا هي أن يُظهِروا نتنياهو غير قادر على إدارة أهم علاقة لإسرائيل في العالم وهي علاقتها مع أميركا». وتأتي تصريحات ميلر بينما نقلت صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية عن مصدر فلسطيني قوله إن الإدارة الأميركية ستواصل الضغط على نتنياهو، إذا ثبت أنه ليس شريكا للسلام، من أجل استبدال رئيس وزراء آخر به، موضحا أن ذلك قد يأخذ نحو عامين.