خبر زهير اندراوس يكتب : الآن في الأسواق: الفلسطيني الجديد

الساعة 07:35 ص|29 مايو 2009

الآن في الأسواق: الفلسطيني الجديد

 زهير اندراوس

"إذا كنّا مدافعين فاشلين عن القضية فالأجدر بنا أن نًغيّر المدافعين، لا أن نُغيّر القضية" (الشهيد غسان كنفاني) 

29/05/2009  10:19 

 

أطّل علينا هذا الأسبوع، رئيس الموساد الأسبق (الاستخبارات الخارجية)، إفراييم هليفي، وقام بتحليل وضع رئيس سلطة رام الله المحتلة والمنقوصة، السيّد محمود عبّاس (أبو مازن). بطبيعة الحال التحليل يحمل في طياته الكثير من المعلومات المستقاة من الأجهزة الأمنية في الدولة العبرية، وبالتالي يُمكن تصنيفه في خانة توجيه الرسائل الأمنية والسياسية من قيادة تل أبيب إلى صنّاع القرار في واشنطن، وفي رام الله، هذا إذا سلّمنا بأنّ هناك من يتخذ قرارات في السلطة الفلسطينية.

 

مضافاً إلى ذلك، فإنّ حديث هليفي لا يخلو من التوجه إلى الرأي العام في إسرائيل وفي الولايات المتحدة الأمريكية وفي القارة الأوروبية، وبطبيعة الحال، إلى الرأي العام الفلسطيني. من هنا تنبع أهمية المقال المشار إليه، على الرغم من أنّه ينظر إلى الأمور بنظرة أحادية الجانب، ويريد أن يُسّوق للعالم رسالة إسرائيلية واضحة يمكن استنباطها من بين السطور: عبّاس، الذي عوّلت عليه تل أبيب وواشنطن، لا يمكن أن يُعوّل عليه، أو بكلمات رئيس الموساد الأسبق: أبو مازن إنسان ضعيف جداً، لا يستطيع اتخاذ القرارات، والأهم من هذا وذاك، أنّه وفق منطق هليفي، فإنّ عبّاس يمر في فترة حالكة وصعبة، على الرغم من المساعدات المكثفة في مجال الأمن التي تقدمها له إسرائيل.

 

ويسوق هليفي قائلا إنّ الرئيس الفلسطيني عبّاس هو ضعيف جداً، مشيراً إلى انّه، أي عبّاس، يمر في الآونة الأخيرة في فترة ضعف غير مسبوقة في فترة ولايته التي استمرت 5 سنوات، كما يتطرق إلى فقدان السلطة الفلسطينية الحكم في قطاع غزة بعد الحسم العسكري الذي قامت به حركة حماس في حزيران (يونيو) من العام 2007. علاوة على ذلك، يتطرق هليفي، إلى الصعوبات التي يواجهها عبّاس في عقد مؤتمر فتح السادس، خصوصاً وانّ المؤتمر الخامس عقد قبل عشرين عاماً، مشيراً إلى أنّ هذا الأمر هو مؤشر كبير على ضعف عبّاس في قيادة السلطة وفي قيادة حركة فتح أيضاً، على حد وصفه.

 

وبحسبه فانّه على الرغم من كل المساعدات التي تقدمها الدولة العبرية للسلطة الفلسطينية، بالإضافة إلى المعونات الاقتصادية التي تحصل عليها حكومة د. سلام فيّاض بهدف تحسين الأوضاع الاقتصادية في الضفة الغربية المحتلة، فإنّ الأوضاع تسير من سيء إلى أسوأ.

 

ويتابع قائلاً إنّه على الرئيس الأمريكي الجديد أن يتخذ قراراً حول القضاء على حركة حماس، وهل هو على استعداد للمجازفة في اتخاذ خطوة من هذا القبيل، ويضيف إنّ النتيجة في أحسن الحالات أن يبقى عبّاس مرتكزا على قوتين اصطناعيتين، هما الدولة العبرية والولايات المتحدة الأمريكية، أما في أسوأ الحالات، فيقول هليفي، إنّ فوز حماس في الانتخابات سيطرح التحدي المضاعف والخطير أمام تل أبيب وواشنطن.

 

وخلص "المحلل" إلى القول: رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، والرئيس الأمريكي، باراك أوباما، لن يتمكنا من التملص من اتخاذ القرار المصيري: هل الاستثمار في خلق ما يسميه بالفلسطيني الجديد هي سياسة واقعية، أم انّه يجب البحث عن قنوات للحوار مع الفلسطيني الجديد من الإنتاج الذاتي، هل ذلك لا يستحق الفحص الجدي، على حد تعبيره. وأقوال هليفي لا تأتي من فراغ، فهي تتماشى وتتماهى مع تصريحات رئيس جهاز الأمن العام (الشاباك الإسرائيلي) يوفال ديسكين، الذي قال مؤخراً إنّه على الرغم من القمع الذي تمارسه قوات الأمن الإسرائيلية والفلسطينية لحركة حماس في الضفة الغربية، فإنّه في حال أجريت الانتخابات اليوم في السلطة الفلسطينية، فلا يوجد ضمان بأن حماس لن تكون الفائزة، كما فازت في عام 2006.

 

بالإضافة إلى تصريحات وتحليلات القادة الأمنيين في إسرائيل، لا يكاد يمر أسبوع أو حتى أقّل من ذلك، إلا وتقوم فيه المؤسسة السياسية الحاكمة في تل أبيب بتسريب معلومات إلى إعلام البلاط الإسرائيلي، الخادم المطيع للأجندة الصهيونية الإسرائيلية المتطرفة، حول قوة عبّاس في الشارع الفلسطيني، وبات من المألوف أن تقرأ عنواناً في هذه الصحيفة، أو تستمع إلى خبر في الإذاعة الرسمية، أو تشاهد تقريراً في التلفزيون الرسمي الإسرائيلي، قاسمهم المشترك الأعظم هو أنّ الرئيس الفلسطيني ضعيف، ولا يمكن الاعتماد عليه في المفاوضات، والتوصل إلى الحل النهائي للقضية الفلسطينية.

 

ومن خلال عملية غسيل الدماغ، التي تقوم بالإشراف عليها المؤسستين الأمنية والسياسية في الدولة العبرية، ينتابك الشعور بأنّ محمود عبّاس، تحوّل إلى حماس أكثر من حماس، وبات كاثوليكياً أكثر من قداسة البابا، فهو أيضاً قد صرح بأنّه لن يُجدد المفاوضات مع حكومة نتنياهو حتى يتلفظ رئيس الوزراء الإسرائيلي بكلمة دولتين لشعبين. مشكلة إسرائيل مع عبّاس هو اعتداله المفرط، أو بكلمات أكثر وضوحاً أنّه يوافق على ما رفضه كل زعيم فلسطيني سابق، وكل زعيم فلسطيني سيصل إلى القيادة بقدراته، لا بواسطة أمريكا وربيبتها حبيبتها إسرائيل. ما العمل؟ كيف نتخلص سياسياً من هذا الرجل، يسألون في تل أبيب، للامتناع عن دفع استحقاقات ما يُسمى بالعملية السلمية؟

 

وقضية التخلص من عرفات لا يمكن أن تنسحب على عبّاس، فالرئيس الراحل، ياسر عرفات، ومع أنّ الكثيرين من أبناء شعبنا رفضوا خطوته نحو اتفاق أوسلو، إلا أنّه استشهد بعد أن رفض التنازل عن الثوابت الفلسطينية. شنوا ضده حرباً مفتوحة، ابتكروا الاتهامات، وصبغوه بالإرهاب، ونعتوه بالسفاح، وانتهزوا الفرصة السانحة والمبيتة والمخطط لها للإعلان الرسمي بأنّ عرفات ليس شريكاً لأنّه يدعم "الإرهاب"، فمقاومة الاحتلال وفق قاموس الصهاينة وحلفائهم الأمريكيين، هي إرهاب، مع أنّ المعاهدات والمواثيق الدولية نصت بشكل واضح وصريح على أنّ مقاومة شعب يئن تحت نير الاحتلال، هي مقاومة شرعية لاحتلال غير شرعي.

 

وبعد أن فرضوا على عرفات، منصب رئيس الوزراء شريطة أن يتبوأه عبّاس، باشروا بإخراج ملفات تصفية عرفات من المخازن، لأنّ الوريث بات جاهزاً لوراثة "الإرهابي" عرفات، وها قد مضت أكثر من خمس سنوات على استشهاد الرئيس عرفات، ولا أحد يطالب بمعرفة أسباب الوفاة، وهل تمّ اغتياله من قبل "مجهولين" بتواطؤ مع "مجهولين" في رام الله المحتلة، وللمقارنة فقط، بعد اغتيال رفيق الحريري، رئيس وزراء لبنان الأسبق، تحوّلت قضية اغتياله إلى أهم من لبنان، وعملت جهات عربية ولبنانية وغربية على تدويل القضية، التي لم تنته حتى يومنا هذا.

 

على أيّة حال، نميل إلى الاعتقاد أنّ الإسرائيليين والأمريكيين توصلوا إلى نتيجة مفادها أنّ محمود عبّاس، الذي لا يمكن اتهامه بالإرهاب، أنهى دوره "التاريخي" في قيادة الشعب الفلسطيني، وبالتالي يجب البحث عن قائد جديد يكون على استعداد لتمثيل الدور الذي يُرسم له في دوائر صناعة القرار في واشنطن وتل أبيب وفي عدد من عواصم "الاعتدال" العربية، أو الاستثمار، كما قال رئيس الموساد الأسبق، في خلق الفلسطيني الجديد من قبل إسرائيل وأمريكا. الحمد لله أنّ اتفاق أوسلو، الذي وُقّع بين منظمة التحرير الفلسطينية والحكومة الإسرائيلية في العام 1993، أفرز العديد من القيادات "البراغماتية"، التي ستكون على استعداد لوراثة عبّاس بعد أن يتم الإعلان رسمياً من قبل إسرائيل، وبالتنسيق مع أمريكا، بأنّه ليس شريكا في "عملية السلام". ويوم الثلاثاء (26.03.09) قال أحد مهندسي أوسلو من حركة فتح، أحمد قريع، لصحيفة (هآرتس) العبرية إنّ قطعان المستوطنين سيعيشون في الدولة الفلسطينية بشكل مماثل لمن أسماهم بـ"عرب إسرائيل"، أي أنّ السيد قريع يوازي بين أصحاب الأرض الأصلانيين، وبين قطعان المستوطنين، الذين سلبوا الأرض العربية الفلسطينية عنوة واستوطنوا فيها بدعم وبتشجيع وبتمويل من جميع حكومات الدولة العبرية.

 

وحتى ذلك الحين، ستواصل الدولة العبرية الاستيلاء على المزيد من الأراضي في القدس المحتلة وفي الضفة الغربية (مساحة الضفة الغربية وقطاع غزة تساوي 20 بالمائة من مساحة فلسطين التاريخية)، وسيبقى الشعب الفلسطيني، للأسف الشديد، منقسماً على نفسه، لأنّ هناك من يعمل بعزيمة قوية، ونقصد أجندات غربية وأيضاً فلسطينية، على تكريس الانقسام بين حركتي فتح وحماس، حتى نصل إلى حد المطالبة بدويلة في حي الشجاعية في غزة، وأخرى في مخيم عايدة للاجئين في الضفة العربية المحتلة.