تمر أيام رمضان على عدلة غطاس، والدة الشهيد فادي غطاس ثقيلة وهي ترى مقعده كل يوم خاليا أمامها على مائدة الإفطار. تزيد صعوبتها عدم معرفتها مصيره حتى الآن، فكل ما قاله الاحتلال إنه استشهد خلال محاولته تنفيذ عملية دون أن ينشر صورة أو فيديو للعملية أو جثته، "ليس لدي أي دليل إذا كان على قيد الحياة أم لا، ولا نملك شهادة وفاة أو ورقة رسمية توضح ما إذا كان مسجونًا أو مصابًا، أنا فقط أريد دليلاً على أنه استشهد".
استشهد فادي في الثاني من سبتمبر/أيلول 2022 بعد إطلاق جنود الاحتلال النار عليه بشكل مباشر على حاجز بيت عينون شمال شرق الخليل، ومنذ ذلك الحين يحتجز الاحتلال جثمانه، دون السماح لعائلته بمعرفة مكانه أو رؤيته، كما تقول الوالدة:" كل ما نعرفه أنه استشهد، حيث تلقينا اتصالا هاتفيا من ضابط بالجيش الإسرائيلي يبلغنا بذلك، بعدها حاولنا معرفة مكان احتجاز جثمانه لكن الاحتلال رفض كل طلباتنا".
حاولت العائلة فادي- اللاجئة من قرية البريج المهجّرة جنوب غرب القدس وتسكن حاليا مخيم الدهيشة في بيت لحم (وسط الضفة الغربية)- بكل الطرق الضغط على الاحتلال لتسليم جثمان ابنها لتتمكن من دفنه، وبعد استنفاذ كافة المسارات القانونية والمطالبات، لا تجد العائلة سبيلا لذلك الآن إلا "الدعاء" والمشاركة في الفعاليات الشعبية التي تنظيم للمطالبة بتسليم جثامين الشهداء المحتجزين لدى الاحتلال.
دينامو البيت
تقول والدته عدله ل"فلسطين اليوم" كل ما أرجو من الله أن أدفنه وتكريمه باستشهاده، روحه عند الله ولكن علينا أن نكرمها وأن لا يبقى في الثلاجة"، وتتابع:" "تخيل في الليل عندما أسمع صوت ثلاجتي في البيت، أقفز من سريري مسرعة بلا وعي وافتحها للبحث عنه".
وعن فادي في رمضان تعود لتتحدث الوالدة التي تفتقده في كل لحظة:" كان هو دينامو البيت في رمضان، قبل الإفطار كان يقوم بشراء متطلبات الإفطار وخاصة الحمص و الفلافل و العصائر".
كان فادي يفضل أطعمة معينة على السحور، وهو ما جعله يكتب لوالدته قائمة بأكله المفضل ويثبتها لها على الثلاجة، وأكثر ما كان يفضله في رمضان هو المنسف، والقطايف الصغيرة "العصافيري" المحشوة بالجبن.
وبعد الإفطار يخرج فادي للمسجد لصلاة التراويح، وبعد صلاة التراويح، اعتاد فادي مع أصدقائه ممارسة رياضته المفضلة وهي ركوب الدراجات الهوائية لساعات.
تقول الوالدة:" كل شئ في تفاصيل يوم رمضان يذكرني بفادي، مقعده الفارغ على المائدة، أكله الذي كان يفضله، قائمة الطعام التي لا تزال على الثلاجة، حتى غضبه حيث يبرد طعام السحور الذي أعده له قبل أن يعود إلى المنزل".
أمنية كل أمهات الشهداء
وبحسب الوالدة فإن نار قلبها لن تبرد على فادي وتصدق أنه استشهد إلا بعد أن تستلم جثمانه، "كيف ستستقبلين فادي حينها؟" سألناها فردت:" سأقبله وأضمه طويلا إلى صدري، وأريد أن أحمل نعشه وأمشي في جنازته حتى أدفنه وأرتاح وأريحه".
وتابعت: "هذه أمنية كل أمهات الشهداء المحتجزة جثامينهم".
واعتبرت الوالدة أن إسرائيل تحاول أن تلجم المقاومة و تخلق ردعا من خلال سياسية احتجاز الجثمان، ولكن ما يحدث هو العكس تماما فاحتجاز الجثمان يزيد من الغضب أكثر، وقالت:"هذه سياسة فاشلة لأنه عندما يتم حجز جثمان ابني بثلاجة لن أهدأ، وسأستمر بالمطالبة بالإفراج عنه لن أبقى صامتا لا أنا ولا باقي الأهالي حتى نتمكن من دفن أبنائنا وتكريمهم".