خبر الشر ذو جدوى- يديعوت

الساعة 09:11 ص|28 مايو 2009

بقلم: رونين بيرغمان

 (المضمون: لا شك في أن ايران ستستخلص استنتاجات من موقف الغرب من كوريا الشمالية وتجربتها الذرية الاخيرة. ان رد الغرب على هذه التجربة سيبين لايران اي الطرق تسلك الى القنبلة الذرية - المصدر).

لم تسجل الابر التي اهتزت هذا الاسبوع في اجهزة قياس الذبذبات في انحاء اسيا هزة ارضية بحسب بل هزة سياسية وصدمة في الغرب. في منطقة نقية الجو في شمال كوريا الشمالية، عند سفح جبل كما يبدو، حفر علماء بئرا عميقة بلغت نحو من 300 متر داخل الارض، وانزلوا فيها قنبلة ذرية. بعد ذلك ركبوا حولها وسائل قياس، وسدوا بأطنان من الاسمنت. الانفجار الذري الذي حدث في باطن الارض، في درجة حرارة تشبه درجة الحرارة على الشمس، اذاب الصخور لتصبح شبه صندوق يحبس كما يأملون في العالم الاشعاع الذري في داخلها الى الابد. لكن الآثار البيئية في المنطقة تلك هي اخر ما يقلق الغرب اليوم. اما ما يقلق فهو ان دولة زيدت هذا الاسبوع على المنتدى الذري. لم تكن هذه في الحقيقة اول تجربة لكوريا الشمالية لكن السابقة فشلت في واقع الامر. حظ حسن. أصبحت كوريا الشمالية منذ الان قوة ذرية.

ما صلة كل هذا بنا؟ انها صلة كبيرة جدا. لا يوجد للزعماء في بيونغ يانغ عداء مباشر مع اسرائيل، لكن كوريا الشمالية مع روسيا وباكستان هي المزودة الرئيسة بالتكنولوجيا لانتاج سلاح الابادة الجماعية لعدوات اسرائيل وعلى رأسها ايران وسورية. اصبحت هذه مشكلة جدية. تقول جهة استخبارية رفيعة "نحن على ثقة من أن الايرانيين يفحصون جيدا عن رد العالم على سلوك كوريا الشمالية، وسيستخلصون منه استنتاجات تتعلق بمشروعهم الذري".

القلق مضاعف. في الصعيد الدولي كانت ايران حذرة حتى اليوم من تجاوز الخط الاحمر والاخلال اخلالا واضحا بنظام الرقابة الدولية على نشر السلاح الذري. انهم يفضلون الا يطردوا الرقابة كي لا يصبحوا منبوذين مثل كوريا الشمالية.

الان عدم رد الغرب على تجربة كوريا الشمالية وعلى التصريحات الحماسية الموجهة الى كوريا الجنوبية والولايات المتحدة، فوق العقوبات التي فرضت عليها اصلا، قد يمنح الحاكم الاعلى لايران خامنئي ثقة ويغريه بالمضي في طريق كيم غونغ ايل.

يمكن ان نجد تلميحا الى النظرة الايرانية في مقالة تحت عنوان "دروس من كوريا الشمالية"، نشرت في الصحيفة اليومية "كيهان". "كيف تصبح دولة ذرية؟" تسأل الصحيفة وتقرر ان "ما افضى بكوريا الشمالية الى ذلك هو الاصرار ازاء الولايات المتحدة... فالامريكيون – حتى لو كان الامر صعبا عليهم – يجب ان يدركوا ان الضغوط والتهديدات ليست وسائل مناسبة لمفاوضة العالم. بنت كوريا الشمالية قنبلة برغم انها كانت خاضعة لضغط منذ سنين طويلة لعقوبات دولية شديدة ولم ينجح احد في منع ذلك".

القلق الثاني هو من توثيق التعاون الذري بين كوريا الشمالية المحتاجة الى النقد، وبين ايران. الحديث عن دولة بلغت انجازات تقنية حسنة جدا في المجال العسكري، ولم تحجم عن تقاسم هذه الانجازات. بحسب معلومات استخبارية موثوق بها، حضر علماء ايرانيون تجربتي كوريا الشمالية وقد دُعوا (أو دَعوا انفسهم) الى رؤية تحقق رؤيا الطاغية الشيوعي.

ان المسار التقني الذي اختارته كوريا الشمالية لانتاج القنبلة يختلف في الحقيقة عن ذاك عن الذي تتقدم فيه ايران (فقنبلة كوريا الشمالية من البلوتونيوم والايرانية من اليورانيوم)، ولم تكن التجربة الاخيرة ايضا نجاحا كبيرا، لن لا ريب في ان الكوريين الشماليين يستطيعون تعليم الايرانيين الكثير جدا. هذا التعاون خطر بيّن مباشر على أمن اسرائيل.

عندما وقع اتفاق الدول الخمس مع كوريا الشمالية على التجرد من السلاح الذري، فرحوا في اسرائيل جدا. بعد تجرد ليبيا من القوة الذرية بسبل سلمية، عدّ ذلك انجازا اخر لسياسة الولايات المتحدة في تجريد العالم من سلاح الابادة الجماعية. لكن كوريا الشمالية تبرهن مرة بعد اخرى على ان كل ما تريده هو ان يهب لها وقتا لتطوير قدرتها الذرية.

وهكذا خاب ظن من اراد ان يصدق ان ايران ستبقى وحدها في محور الشرق.

كذلك تلاشى أمل أن يقف حل مشروع كوريا الشمالية الذري التأييد الضخم الذي تهبه في السنين الـ 15 الاخيرة لدول معادية. على هامش كل ذلك أملوا في اسرائيل انه اذا توصل مراقبو الامم المتحدة الى كوريا الشمالية فسيستطيعون ان يتبينوا ما الذي زودت به ايران وسورية على نحو دقيق. وقد خاب هذا الأمل ايضا.

ما يزال التاريخ هنا مع انقضاء الحرب الباردة نشر فرانسيس فوكاياما مقالته المشهورة عن نهاية التاريخ. زعم انه مع انقضاء الصراع بين الكتلتين، الشرق بازاء الغرب، انتهت في الحقيقة الحروب الكبيرة، وسيتحد العالم. وسيضطر في الاكثر الى مواجهة مشكلات محلية لنزاعات عرقية صغيرة – او مشكلات عالمية تقلق الجميع، مثل الجريمة المنظمة، وسخونة الكرة الارضية والامراض التي لا شفاء منها.

اخطأ فوكاياما بل اعترف بذلك. فالمشكلات التي نجمت عن انحلال الكتلة السوفياتية ولدت صراعات من نوع جديد. فالضغوط العرقية، والاجتماعية والدينية، التي مركزها الاسلام المتطرف، والتي قمعتها النظم الشمولية، ظهرت على السطح. ولا يقل عن ذلك اهمية أن سلاح الابادة الجماعية أصبح احرازه أسهل.

يقول رجل موساد سابق، عمل سنين كثيرة في موضوعات السلاح غير التقليدي في شعبة استخبارات المنظمة: "كان يمكن مواجهة نشر السلاح الذري ما وجد لاعبان رئيسان يحكمان الساحة. حاولت دول مثل العراق او مصر في الحقيقة احراز ترسانة غير تقليدية، لكن كان للاعبتين الرئيستين مصلحة مشتركة، وقوة ايضا لمنع دخول قوى جديدة قد تخل بالتوازن. عندما انهارت الشيوعية بدأ طوفان عظيم لبيع المركبات الذرية وتكنولوجيا الصواريخ التي لا يمكن وقفها. والخلاصة ان انقضاء الحرب الباردة خاصة الذي اعتقد الجميع انه سيأتي العالم بالسلام جعله أكثر خطرا".

حاول العالم 6 مرات – في نهاية القرن العشرين وبدء القرن الواحد والعشرين – منع دول احراز سلاح ذري او على الاقل عدم الخروج من الخزانة به. كانت الاثنتان الاوليان الهند والباكستان اللتين اصبحتا ذريتين في السبعينيات لكنهما لم تجريا تجارب علنية – الى ان اختل ميزان القوى بين الدولتين وتغلبت الاعتبارات السياسية الداخلية.

التهذيب لم يثبت نفسه قط. في حالة العراق، منعته حرب الخليج الاولى ونظام الرقابة الذي فرض عليه احراز قنبلة ذرية. وفي حالة ليبيا افضى نظام عقوبات شديدة فقط الى ان تخضع بلا شرط بعد 17 سنة، والى ان تسلم جميع المعلومات والمعدات والمواد الخام الكثيرة التي جمعتها.

لكن كوريا الشمالية هي الاكثر اشكالا كما قيل آنفا. في منتصف التسعينيات وقعت ادارة كلينتون على صفقة، كان يفترض ان تحصل في اطارها على معلومات ذرية لاحتياجات سلمية عوض وقف المسار العسكري. وبرغم ذلك استمرت على تطوير السلاح الرهيب.

في سنة 2002، عندما وصل مبعوث من قبل وزارة الخارجية الامريكية بيونغ يانغ وقصد لان يعرض على مستضيفيه براهين على ذلك، توقع انكارا شاملا. بدل ذلك تلقى تصديقا شاملا. سخر الكوريون الشماليون من ادارة بوش، وسألوا ما الذي توقعه الامريكيون بالضبط، بعد ان ادخلهم بوش في "محور الشر" من جهة، وأهمل علاج احتياجاتهم الاقتصادية من جهة اخرى.

تابع الكوريون الشماليون التطوير الذري، وجعل التسريب المتعمد الولايات المتحدة في وضع حرج: لو كان بوش مخلصا بتصريحاته لوجب عليه ان يفتح جبهة رابعة، تضاف الى ايران والعراق والارهاب الاسلامي. اضطرت الادارة ولا خيار لها الى محاولة السعي مرة اخرى الى نوع من صفقة مع كوريا الشمالية التي طلبت مرة اخرى عوضا سمينا.

من جهة ثانية كان هذا التفاوض يلقي بضوء مشكل على السياسة الخارجية الامريكية: لماذا يوجد في مكان دبلوماسية جيدة وفي اماكن اخرى (ايران والعراق) خرج بوش للحرب او هدد بذلك على الاقل؟

سخر كيم غونغ ايل طوال السنين من العالم، وسخّر جميع موارد بلده لمصلحة سلطته وقوته. أشعر الكوريون الشماليون ذلك المبعوث الامريكي الدهش، باجراء يذكر بما فعلوه هذا الاسبوع، بانهم يخرجون انفسهم من نظام رقابة ميثاق منع انتشار السلاح الذري، وانهم سينتجون سلاحا ذريا في مفاعل بيونغبيون.

لقد فعلوا ذلك بفضل الكميات الضخمة من الصواريخ والمدافع التي يملكونها ازاء اختهم الجنوبية – وتلك ترسانة تستطيع ان تسبب ضررا عظيما بالعاصمة سيئول وكوريا الجنوبية كلها. بعبارة اخرى حتى لو قرر رئيس امريكي حل المشكلة بالقوة، فان سيئول ستدمر الى ان تصل الطوابير الامريكية لمواجهة جيش كوريا الشمالية.

وهكذا تنجح كوريا الشمالية في اخراج العالم عن صوابه. انها تريد ان تحرز خيارات اقتصادية بالغة، وضمانات الا يحدث اي سوء لنظام جونغ ايل الرهيب، لكنهم في كل مرة يبدو انهم قبلوا طاعة الجماعة الدولية فيوقعون على اتفاق ويتجردون من الترسانة الذرية، يستديرون راجعين الى ما كانوا. قنطت جهات في واشنطن من الاتصالات لكوريا الشمالية الى حد انهم يرون استعمال سلاح ذري تكتيكي فيها عملا مشروعا اذا هوجمت كوريا الجنوبية.

من القاعدة الى الطالبان

في مكان ما هناك بين الشرق الاقصى والشرق الاوسط، تظهر باكستان ايضا منذ سنين عدم مسؤولية عن الحفاظ على اسرار السلاح الذري الذي تملكه، وتشكل تهديدا لسلام العالم. كان جهاز الاستخبارات الباكستاني (أي.أس.أي) مشاركا في اقامة القاعدة، وساعد رجال منه المنظمة بعد ان انضم الرئيس مشرف ايضا الى الحملة الامريكية على ابن لادن. اقترحت جهات من المشروع الذري الباكستاني على رجال القاعدة، صدورا عن التعاطف العقائدي، ان يشتروا منها معلومات ذرية. في آخر الأمر لم يتم الشراء في الواقع بسبب غزو الامريكيين افغانستان.

ليس هذا كل شيء. فقد باع أبو القنبلة الذرية الباكستانية الدكتور عبد القادر خان، ليبيا وايران والعراق وكوريا الشمالية آلات طرد مركزي ومعلومات . اذا كانت ايران اليوم اقرب من القنبلة مما كانت في اي وقت مضى فذلك بفضل خان. لا يستطيع هو بطبيعة الامر العمل بغير معرفة سلطات بلده. والى ذلك أنفقت اسلام اباد مبتهجة على مشروعات مختلفة لسلاح ابادة جماعية وانتاج صواريخ كما عند السعودية ومصر.

والى هنا الحديث عن باكستان الرسمية فقط. يأتي الخطر الكبير الان من جهة معارضي السلطة. ان تقدم قوات طالبان، وسيطرتهم المنهجية على أقاليم في الدولة، قد يتبين أنها بدء السقوط. إن سقوط الحكم الحالي او حتى تقسيم كعكعة السلطة، قد يمكن الجهات الاسلامية المتطرفة هذه من الوصول الى الزر الأحمر.

ان القنابل الذرية لدى الطرفين بالمناسبة، لدى الايرانيين من جهة ولدى طالبان من جهة أخرى هي في حد ذاتها تهديد لسلام العالم. انهم يكرهون بعضهم بعضا اكثر مما يكرهون حتى الاسرائيليين والامريكيين.

يقتربون من اسرائيل. بعد ان الغت الصين بضغط امريكي بيع سورية في 1984 صواريخ ارض – ارض توجهت دمشق الى مسار آخر وأقامت صداقة قوية مع بيونغ يانغ. في البداية اشترى السوريون في نهاية1991 150 صاروخ "نودونغ" (هي في الحقيقة سكاد سي) لمدى 500 كيلومتر. علمت الاستخبارات الامريكية شيئا ما، لكنهم في واشنطن خافوا ان تستعمل اسرائيل المعلومات وتحاول احباط الارسالية، في حين هم محتاجون اكثر من كل شيء الى التعاون مع سورية التي انضمت الى التحالف المعادي للعراق.

بحسب نشرات اجنبية كمن عملاء الموساد لاحدى السفن، وكان على سطحها ثلاثون صاروخ سكاد سي ونحو من 5 قواعد اطلاق، عندما ابحرت من كوريا الشمالية مارة بطائفة من الموانىء في افريقيا ثم البحر المتوسط فميناء اللاذقية. في ميناء كازبلانكا في المغرب غاصوا تحتها وألصقوا بها جهاز رصد بالغ القوة. كان يفترض ان تخرج طائرة لسلاح الجو بعد أيام من ذلك الى البحر المتوسط للانقضاض على السفينة بحسب جهاز الرصد، وتفجيرها بصاروخين أو أربعة لكي تغرق. بيد ان رئيس الحكومة اسحاق شامير قرر في اللحظة الاخيرة الغاء التفجير لانه خاف من اشتعال شامل.

وكانت تلك البداية فقط. اراد السوريون صواريخ لمدى أبعد تغطي جميع مساحة اسرائيل، وكذلك معلومات انتاجها. سارعت كوريا الشمالية الى تقديم السلعة. في الحقيقة ان السوريين مسلحون اليوم بصواريخ سكاد كوريا شمالية بعيدة المدى، ومسلحون بأشد الاسلحة الكيماوية فتكا في العالم، (في اكس). ولا يجب ان تكون قائمة على الحدود ولهذا فانها اقل تعرضا لاصابة هجمة اسرائيلية.

في سنة 2000 بعد زمن قصير من موت حافظ الاسد، في اطار زيارة تعزية لابنه ووريثه وقع كيم غونغ ايل مذكرة تفاهم مع سورية، ووعد بأن يزودها بمفاعل غرافيت ذري، ينتج فيه البلوتونيوم. غاب المشروع عن بصر اسرائيل والولايات المتحدة الى ان ادركت الاستخبارات الامريكية في 2004 انه يحدث شيء ما في موقع دير الزور.

في بدء 2007 ، وبحسب نشرات أجنبية، تبينت الاستخبارات الاسرائيلية المشروع الذري الكوري الشمالي هنالك. وأفضى الكشف عن قصف المفاعل في أيلول 2007. برغم ابادة ذلك الموقع، وموت عدد من المهندسين الكوريين الشماليين في داخله كما زعم، يشفقون في الولايات المتحدة من أن مواقع اخرى تتصل بالمشروع الذري وفيها "معمل فصل" البلوتونيوم لم تدمر. وما تزال كوريا الشمالية بحسب الشك تعمل فيها.

نعود الى تفجير بدء الاسبوع: ايران بخلاف كوريا الشمالية ما زالت لا تملك سلاحا ذريا. فهي ما زالت تعمل في تخصيب اليورانيوم ذي النوعية المنخفضة. وبحسب آراء جميع الخبراء ما زال وقفها غير متأخر.

يملك الغرب الكثير من ادوات الضغط ليستعملها على طهران، والسؤال الاكبر هو هل ستستعمل اخر الامر وبحزم، وماذا ستكون الخطوة المقبلة اذا لم يتعاون الايرانيون ولم يتأثروا بالضغوط والتهديدات واستمروا على تقديم القنبلة بهدوء.