خبر كتب د.أسعد أبو شرخ..مبروك يا سويلم !! ولد عمك صار وزيِّر!!

الساعة 05:29 م|27 مايو 2009

د. أسعد أبو شرخ

أكاديمي وكاتب فلسطيني - جامعة الأزهر بغزة

مبروك!، يا سويلم!

مبروك على ايش ؟!

اقصد مبروك ولد عمك !

ماله؟

صار معالي الوزير !

وزير مرة وحدة !! ومعالي، يا علالي يا حلالي، يا مالي!

- وين؟ وليش هو أحنا عنا دولة حتى يصير فيها ولد عمي وزير؟

- طبعاً لدينا حكومتان ودولتان؟! واحدة في ضياعستان والثانية في حصارستان!!

- ولد عمي مبروك صار وزير حقيقي بدمه ولحمه !!

نعم بدمه ولحمه عّين وزير للنفط والغاز، وابشر، يا سويلم سوف يرخص النفط والغاز في عهد ولد عمك! معالي الوزير .

- ليش هو أحنا عنا نفط وغاز حتى يصير مبروك معالي وزير النفط والغاز!!( يا حلالي يا مالي)!

- أنت يا سويلم باين عليك مش فاهم، وسؤالك في غير محله، ألا تعرف أن لدينا وزير عدل رغم أنه لايوجد عدل في البلد ..المسألة عادية وخذ الأمور ببساطة.

هذا الحوار من الكوميديا الساخرة يكشف عما لدينا من عبث وسخف وتعبيث وتسخيف في الساحة الفلسطينية وكأننا حررنا الوطن ولم ينقصنا سوى تشكيل الحكومة / ات .

شيء من المصخرة والقرف يصيب الإنسان وهو يرى هذا التداعي والتكالب والاستكلاب الانتهازي على المناصب الوهمية، على اللاشيء !

على الأهمية الزائفة، من مستحدثي نعمة إلى مستجدي نعمه Upstarts الذين هم على استعداد لأن يفعلوا أي شيء. نعم أي شيء من أجل الاستيزار الذي يحمل في طياته، فهلوة واستهبالاً واستهتاراً واستسفالاً !! المهم أن يفوز هذا أو ذاك بلقب معالي الوزير، معاااالي لاحظ معاااالي ... الوزير ولعل مثل هذه الألقاب المضَّللة والمضِّللة هي التي توهم أحدهم بسد نقائص نفسية لديه! أو باكتساب أهمية يعتقدها أو باصطناع قدرات لا يمتلكها ، وبعد ذلك وليذهب الوطن إلى الجحيم؟! نعم الجـ حـ يـ م! الجـ حـ يـ م!

لماذا ننساق وراء ترديد ألفاظ التضخيم والتبجيل والتعظيم! لماذا نقبلها ونروجها ونحن نعرف أن لا مكان لها من الأعراب في حياتنا النضالية!

كنت أحضر ندوة فإذا البعض من المتحدثين، يشيدون بفخامة الرئيس، ودولة رئيس الوزراء، ومعالي الوزراء وسعادة نواب التشريعي، وبالغوا في القول والترديد، وقبل ذلك كنت شاهدت مؤتمراً على شاشة التليفزيون، فلاحظت نفس ألفاظ التضخيم والتعظيم والتبجيل من فخامة إلى دولة إلى معالي إلى سعادة!!!

 

قلت في نفسي أهذه ألقاب تبجيل أم تدجيل؟ تفخيم أم توخيم؟ تعظيم أو تبجيم؟ تعالي أم تواطي؟!!

كيف يتفنن الخبثاء من حملة المباخر ولحاسين الصحون في ابتداع واختراع مثل هذه الألقاب التي تحمل في طياتها عكسها للوصول إلى مآربهم، بالمتوفر من وسائل النفاق والابتذال، والاسترخاص، والاستذناب، وكيف يقبل أصحاب المسؤولية نعم الذين هم في موقع المسؤولية ألقاب التبجيل هذه التي هي قطعاً في غير محلها وتفوح منها رائحة كريهة من غلالات النفاق هذه ليست ألقاب للدلالة على الاحترام للشخص المقصود، بل تحمل في طياتها شحنات مفتعلة ومشتعلة من النفاق لأن مثل هذه الألقاب تخلق حالة من التمايز والتمييز والتفرد بل والتباعد والتجافي والترهيب والتهيّب بل تخلق الحواجز بين المسؤول والمواطن وهنا يلح السؤال كيف نمارس تخصيص الألقاب واحتكارها وبأي مقياس " فالفخامة " للرئيس و"الدولة" لرئيس الوزراء، والمعالي "للوزير" والسعادة - عكس التعاسة - لعضو مجلس التشريعي !! أحقاً هو سعيد !!!

 

يقول علماء اللغة الاجتماعيون أن العلاقات بين الناس تقوم على أساس من التضامن والقوة Power and solidarity، فإذا كانت العلاقات صحية سوية بين الناس، وبين الحاكم والمحكوم استخدمت بها الألفاظ التي تدل على التكافؤ والمساواة بين الطرفين، أما أن كانت العلاقات قائمة على السطوة والسلطة والقوة، والفوارق الاجتماعية والطبقية، استخدمت ألفاظ تحمل هذه المعاني، التي تكرس الخلل في المجتمع، قد تشبع هذه الألقاب رغبة جامحة لمستحدث نعمة جاءت به الصدفة العمياء لمنصب لم يحلم به وقد تستخدم من قبل خبيث ومبتذل لمنصب للتقّرب من أصحاب النفوذ للحصول على منفعة أو مصلحة أو ترقية أو من باب التسلل والتسلق عبر البوابة الخلفية للوصول على مبتغاه!!

 

إن مثل هذه الألقاب تبعّد المسافة وتعّمق الهوة بين الناس اجتماعياً وطبقياً، وتخلق طبقة تتوهم على المستوى النفسي، إنها أفضل أو أهم من الآخرين، رغم إنها قد تكون فعلياً الأسوأ والأحط قدراً.

إن مما أغاظ الناس أن وسائل الإعلام المرئي والمسموع وبعض الجوق المدفوعة الأجر في شتى أنحاء الوطن . الممزوق والمبصوق تنزلق في احايين مُصفقة ومطبلة ومزمرة لعملية الاستيزار والتوزير وربما للأوزار أيضاً!! والفوز بلقب معالي الوزير. ولو سأل سائل ما معنى كلمة معالي؟! للعلم إنها مشتقة من علا يعلو، أي أنه أعلى من الآخرين وفوقهم وليس مساو لهم في شيء وتتعاكس مع نزل أو انخفض أي أن هناك هوة ومسافة بين أن تصعد وأن تنزل بكل ما يعني ذلك من مفهوم تكريس السلطة والقوة وعلاقات السيد - المسود.

 

- لو أردنا أن نضع كلمة معالي في حالة تضاد مع كلمة أخرى لكانت مواطي إذن تكون العلاقة بين الوزير والآخر المواطي علاقة ثنائية قائمة على معالي - مواطي !!!

بكل ما في هذه العلاقة من قمع لغوي واجتماعي وبؤس ثقافي. ألفاظ التضخيم والتعظيم والتبجيل هذه، ليست نتاج مجتمع سوى أو صحي لأنها تعكس اختلالاً في المنظومة القيمية والأخلاقية وأظنها تدخل في إطار الغزو الثقافي الغزي، وهي كذلك، وهي ما يسمى في علم اللغة الاجتماعية ترجمة مقترضة للمصطلحات الانجليزية المستخدمة في المجتمعات الغربية، مثل his majesty,

 his Excellency, his highness .

إنني أكرر أن مثل هذه الألقاب، لا تستخدم من قبل الاحترام والتكريم، بل لخلق هوة بين الناس وحالة قائمة على التمييز تعكس مفاهيم اجتماعية قائمة على تقسيم المجتمع إلى طبقات من الطبقة العاملة الكادحة إلى الطبعة البورجوازية والدم الأزرق، وهي قطعاً مصطلحات دخيلة غربية، تساهم في حالة التغريب والاستلاب الثقافي في المجتمع!!

 

إن أخلاقنا ومجتمعنا وتراثنا وديننا بل والأهم من ذلك كله، لغتنا الجميلة ترودنا بأفضل الألقاب التي تعكس المساواة والمحبة والتعاون بين الناس ويقف على رأس هذه الألقاب، لقب الأخ، الأخت التي يمكن أن تطلق على رئيس الدولة ورئيس الحكومة، والوزير وعضو التشريعي ... الخ. فالإنسان حين يشعر بألم يمر أو بحالة عسر يصرخ "آخ" أي يستنجد بأخيه بما يعكس من روح النجدة والتعاون والتضامن والتكافل والتكافؤ والتساوي إنني لا أرى "معالي" في أي وزير وأظن أن لفظ " الأخ الوزير" أوقع على النفس بل وتخلق حالة من المساواة بل والود بين المخاطب والمخاطب أما الألفاظ الأخرى فتخلق حالات التباعد والأهمية الزائفة وهل هناك فخامة ومعالي وسعادة ونحن جميعنا وزراء ومستوزرين ومواطنين نقع تحت الاحتلال، بل معالي الاحتلال لأنه هو الذي يمارس القوة والسلطة والنفوذ والتأثير.

في عهد الرئيس الشهيد القائد ياسر عرفات، الذي كان يفضل أن يناديه الناس .. الأخ الرئيس أو الأخ أبو عمار صدر قرار، من مجلس الوزراء يمنع الألقاب التي تمنح للوزراء وخاصة لقب "معالي الوزير" وحين سؤل الأخ الدكتور نبيل شعت عن ذلك أجاب بسخرية وتهكم لم يبق لدينا الآن سوى معالي أدوميم!! المستوطنة الكريهة!

 

لا تبيعونا وهماً كاذباً ونحن مازلنا تحت الاحتلال الصهيوني بألقاب فارغة تتهاوى أمام أصغر حاجز إسرائيلي أو مجندة إسرائيلية وما أكثر الحواجز وما أوقح المجندات! وما أشرس معااااااالي الاحتلال الإسرائيلي!!

إلغاء مثل هذه الألقاب مهمة نضالية وأخلاقية

بل وطنية! ودينية!

فهل تعقلون؟!