خبر يعملون تحت هدير الطائرات وشبح الموت هذا هو حال شباب أنفاق غزة ..

الساعة 05:53 ص|26 مايو 2009

فلسطين اليوم : كتبت/ أسماء الغول

تحت أرض يهزها هدير طائرات "أف 16" الإسرائيلية استمر أبو العبد (26 عاماً) العامل في أحد أنفاق رفح الشرقية بإخراج الرمال من النفق، دلواً تلو الآخر، بواسطة بكرة كهربائية ترفع الرمال، في محاولة لإنقاذ النفق الذي هاجمته الطائرات عدة مرات خلال الحرب وبعدها.

يتصبب جبين أبو العبد عرقاً مع كل دلو يملؤه بالرمل داخل النفق، بينما يقوم عامل آخر بتفريغه خارج النفق، دون أن يأبه لصوت الطائرات والمناشير التي ألقتها على المنطقة تحذر المواطنين من الاقتراب أكثر من 300 متر، والمحملة بعبارة: "وقد أعذر من أنذر"، إضافة إلى خريطة توضح الأماكن الممنوع الاقتراب منها على امتداد قطاع غزة. ويقول أبو العبد: لن يقصفوا، إنها مجرد مناورات، ففي كل يوم اثنين تحلق الطائرات للمناورة، لكنه سرعان ما يتراجع قليلاً حين يعلو هدير الطائرة مستدركاً: بالتأكيد أخاف من الموت، وكثيراً ما أتمناه، بالرغم من أن تمني الموت شيء، والخوف منه شيء آخر، مبررا بذلك عمله في الأنفاق.

ويضيف أثناء استراحة قصيرة جلس خلالها على أحد أكياس نشارة الخشب الضخمة وهو يشعل سيجارة، أنه لم يمر حتى الآن بموقف جعله يتعب بشكل حقيقي من العمل في الأنفاق، لكنه شهد كيف أن ثلاثة من أصدقائه علقوا لمدة سبعة أيام في النفق وتم إخراجهم فقط أول من أمس، بعد أن حاولوا إنقاذهم بضخ الماء والحليب في أنابيب الأكسجين، وفي النهاية استطاعوا إخراجهم من الجانب المصري.

ولفت إلى أن قلبه كان طوال الوقت مقبوضا خشية أن يصيبهم شيء، أو ينهال عليهم باقي الرمل، موضحاً أن سبب انهيال الرمال يعود إلى تأثير الصواريخ على الأنفاق، ما يتسبب في تصدعها فتنهال ولو بعد مدة طويلة.

وأضاف أنه فكر بعد هذا الحادث أن يكف عن العمل في الأنفاق، لكنه لا يستطيع، خاصة أنه يتطلع إلى مستقبله، وبناء منزل والزواج.

"أبو رهف" يبلغ من العمر 24عاماً وهو كغيره من العمال هناك يرفض ذكر اسمه، أو أن يصوره الصحافيون دون لثام، مؤكدا معرفته بحجم الموت في الأنفاق لكنه لا يستطيع أن يتوقف عن العمل فيها، لأن لديه أسرة كبيرة يعيلها بعد أن توقف والده عن العمر في إسرائيل، ويشير إلى أنه يتعرض للخطر يومياً، لكن المائة دولار التي يأخذها يومياً تجعله ينسى كل الخطر، قائلاً: شو بجبرك على المرار غير الأمر منه.

أبو سعيد (28 عاماً) يملك جزءاً من أحد الأنفاق، ويقول إن أعداد القتلى بين الشباب تتزايد لأن الطائرات الإسرائيلية لم تعد تحذر من القصف، بل تقصف فجأة ما يجعل العمال يعلقون في الداخل، موضحاً أنه في حال التحذير يتجه العمال بأقصى سرعة داخل النفق إلى الجانب المصري، فلا تصل القذائف هناك، أما من يحرس "عين" النفق من الجانب الفلسطيني فيهرب باتجاه المنازل.

وحول طرق التحذير يلفت إلى أن نقطة كرم أبو سالم الإسرائيلية تحذر النقطة المصرية، التي تحذر بدورها الأمن الوطني، الذين بدورهم يرسلون رسائل نصية "مسجات" عبر الهواتف النقالة إلى العمال، أما من لم يسجلوا في هذه الخدمة فبمجرد أن يروا الضباط المصريين ينزلون من البرج ويهربون يعرفون أن هناك قصفا، فيحذرون العمال داخل النفق.

وذكر أنه اختار العمل كمشرف على عمال النفق وكشريك، وذلك بعد تجربة مريرة حين علقوا على الجانب المصري من أحد الأنفاق، وشاهد الموت بعينه والرمال محيطة به من كل جانب، ذاكراً أن "من يعمل في النفق يلزمه قلب قوي، ولا تهمه الحياة أو الموت".

أصغر عمال النفق ويدعى ولاء (17 عاماً) يقول إن معظمهم يأتون إلى الأنفاق للبحث عن الورق الأخضر، في إشارة إلى الدولار، مشيراً إلى أنه ترك المدرسة ويحاول الآن مساعدة عائلته، وربما يفكر في الزواج إذا تحسن وضع البضائع وانخفضت نسبة استهداف الطائرات للأنفاق.

وأوضح أن البضائع تخف في حالات القصف، وكذلك في حال متابعة الحرس المصري لهم ومراقبتهم، وتساءل: إذا كان كل من حولي من الشباب يعملون في الأنفاق فلماذا لا أعمل أنا أيضاً، مشيراً إلى أنه لو كانت المعابر مفتوحة فبالتأكيد سيختار الهجرة وليس النفق، وهنا هز الجميع رؤوسهم بالموافقة على ما قاله.