خبر الخليل والاستيطان.. الحياة في « عش الدبابير »

الساعة 02:54 م|25 مايو 2009

فلسطين اليوم: غزة

في حذر شديد تفتح أم وسام باب منزلها، وراحت تتلفت يمنة ويسرة قبل أن تتسلل خارجة في هدوء شديد وتسير ملتزمة جانب الطريق بخطوات محسوبة متلفتة حولها بين الفينة والأخرى.

لم يكن مبعث الحذر في تحركات أم وسام هو خطورة المهمة التي خرجت لأجلها، فما كان هدفها سوى شراء بعض حاجات المنزل الضرورية، ولكن الخطورة الحقيقية تكمن في مجرد الخروج من منزلها الواقع بحي الرميدة بمدينة الخليل، والذي يعد مغامرة قد تكلف صاحبها حياته، في ظل انتشار المستوطنين اليهود المسلحين الذين استولوا على كثير من المنازل الفلسطينية بالمدينة.

وتروي "أم وسام" (40 عاما) بعضا من تفاصيل حياة تصفها بأنها "كالحياة في عش الدبابير"؛ نتيجة التغلغل الاستيطاني قائلة: "يئست من حالة القلق والخوف التي نعيشها.. حياة كالجحيم، كلما أردت أنا أو أحد من أسرتي الخروج من البيت دائما ما يكون هناك احتمال ألا نعود أحياء".

وتضيف موضحة لإسلام أون لاين.نت "إذا ما قررت مغادرة البيت أو العودة إليه يجب أن أتخطى 7 حواجز أقامها الاحتلال على الشارع الرئيسي، وممنوع أن أصل إلى بيتي بالسيارة وإنما مشيا على الأقدام".

وتردف "أضف إلى هذا أنه يجب ألا نخرج جميعا من البيت حتى لا نتركه فريسة سهلة للمستوطنين.. يجب أن نبقى بالمنزل الـ24 ساعة.. إذا قررنا الخروج جميعا قد نفقده.. لذا علينا أن نتناوب في الخروج".

هذا الخوف - تتابع أم وسام- "برغم أن بيتنا هذا هو حق ثابت لنا؛ حيث بني قبل عام 1965 على أرض تعود لعائلتي المعروفة بأبي هيكل، ومسجلة باسمهم منذ 1800 عام، وهو البيت الوحيد الذي بقي من البيوت التي تقطنها عائلتي، بعد أن استولى المستوطنون على باقي منازلهم، وأجبروهم على إخلائها بقوة السلاح".

تنسيق مع الصليب الأحمر

ولا يكفي الحذر وحده للخروج من البيت، فأحيانا يحتاج الأمر إلى تدخل من الصليب الأحمر الدولي؛ حيث تقول أم وسام: "والدتي مريضة، وهي بحاجة دائمة إلى مراجعة الطبيب أو نقلها للمستشفى.. وهو ما يتطلب منا التنسيق باستمرار مع الصليب الأحمر الدولي حتى يأتي ليخرجها من البيت ويعيدها مرة أخرى".

وتحكي أم وسام ملمحًا من معاناتهم قائلة "اتصلنا بالصليب الأحمر، وبعد فترة من الزمن وصلت لنا سيارة الإسعاف وأقلت الوالدة.. بعد اجتيازنا للحاجز الأول إذا بالحجارة تنهمر على السيارة، وتؤدي إلى تحطيم الزجاج وإصابتها بأضرار بالغة، مما اضطرنا لمغادرتها والهرب برفقة والدتنا المريضة إلى بعض البيوت العربية القريبة".

لا يختلف الحال كثيرا مع باقي أفراد العائلة -تستطرد أم وسام- "عند ذهاب ابنتي أو ابنة أخي إلى الجامعة يوميا، يتوجب علينا مرافقتهما لاجتياز الحي الاستيطاني، وبعد انتهاء الدوام أيضا يجب أن نذهب لنحضرهما.. لا مجال أن تسيرا في الشارع دون وجود مرافقين يحمونهما".

حجارة كالمطر

أما زليخة المحتسب، التي تعيش هي ووالدتها البالغة من العمر 75 عاما في بيتهما بشارع الشهداء بالخليل، فلا تكاد تغمض عينيها في الليل والنهار خوفا من الحجارة التي يقذف بها المستوطنون البيت.

وتقول زليخة بمرارة "بيتنا أصبح عبارة عن قفص من حديد، بعد أن اضطررننا أن نسلح النوافذ بقضبان حديدية حتى لا تتحطم من حجارة المستوطنين.. في الليل والنهار ننتظر زخات الحجارة".

وتضيف "باب بيتنا الرئيسي مغلق نهائيا.. وإذا ما قررنا الخروج يجب أن نمر من داخل بيت جيراننا، ومنه إلى خارج الحي".

وتتحسر زليخة على أيام مضت كانت تصل الحرم الإبراهيمي أو السوق حينها في دقيقتين فقط، أما اليوم فتقول "يحتاج الأمر إلى أكثر من ربع ساعة وسط مخاوف كثيرة من اعتداءات المستوطنين، أصابتنا بأمراض نفسية".

مخطط جديد

بدوره يكشف تيسير التميمي قاضي قضاة فلسطين في تصريحات خاصة لـ"إسلام أون لاين.نت" عن ملامح المخطط الاستيطاني الجديد في مدينة الخليل قائلا إنه "يشمل إقامة العديد من البؤر الاستيطانية داخل الأحياء العربية بالمدينة لتفتيت التواجد العربي، إضافة إلى شق العديد من الطرق التي تربط المستوطنات المحيطة بالمدينة ببعضها البعض".

كما يشتمل هذا المخطط، بحسب التميمي، على "تحويل الحرم الإبراهيمي إلى كنيس يهودي، وذلك في خطوة استكمالية لما قام به الاحتلال من تقسيم المسجد إلى عدة أقسام في السنوات الماضية".

وحذر قاضي قضاة فلسطين من أن عدم التصدي لهذا المخطط سيجعل المدينة تفقد "هويتها العربية والفلسطينية، وقد يصل الحال إلى منع أهالي المدينة من السير بشوارعها بناء على تعليمات المستوطنين".

"عش الدبابير"

ويطلق الكثير من أبناء الخليل والمتابعين لشئون الاستيطان مصطلح "عش الدبابير" على التواجد الاستيطاني في المدينة؛ نتيجة الأذى الذي يلحقونه بأهالي المدينة، وعدم السماح لهم الحركة بحرية في شوارعها، وهو ما يشبه تصرفات "حشرة الدبور" التي تلسع كل من يمر بالقرب منها.

وينقسم الاستيطان في المدينة إلى شقين:

الأول: داخل أحياء البلدة؛ حيث تم الاستيلاء على الكثير من البيوت الفلسطينية، وطرد أهلها منها، وتحويلها إلى بيوت للمستوطنين، ومع مرور الوقت أصبحت أحياء استيطانية كاملة شبه فارغة من التواجد الفلسطيني.

ومن هذه الأحياء "الحي اليهودي" الذي يقع في قلب المدينة، وحي "الدبوية"، الذي حول اسمه إلى "بيت هداسا" ليكون ذا طابع يهودي، ومنطقة "مدرسة أسامة بن منقذ"، ويدعونها "بيت رومانو" ضمن عملية تهويد المدينة، و"تل الرميده"، وهو نقطة معزولة ومحاطة من جميع الجهات بالأحياء العربية، وتمتاز عن باقي البؤر الاستيطانية بوقوعها على ارتفاع 900 متر عن سطح البحر مما يجعلها موقعا استراتيجيا هاما يطل على الأحياء المحيطة.

أما الشق الآخر من الاستيطان في المدينة: فهو المستوطنات التي أقيمت بمحيطها لتحكم السيطرة عليها، وهي مستوطنة "كريات أربع"، وتقع في الجهة الشرقية للمدينة، ومستوطنتي "هار منوح" و"حاجاي" جنوب الخليل، ومستوطنة "رامات مامريه" التي تقع في شرق المدينة، ويجري توسيعها لتتصل مع "كريات أربع" ليشكلا معا حائطا شرقيا للمدينة.

وهناك أيضا مستوطنة "زيف"، التي أقيمت فوق تل زيف في جبل الخليل شرق المدينة، وتعرف الأراضي التي أقيمت عليها بغنائها بالآثار القديمة من العصر الهيليني والعصور الوسطى.

وتعتبر مدينة الخليل، كبرى مدن الضفة الغربية المحتلة، ويصل تعداد سكانها نحو 550 ألف نسمة، وهي من أكثر المدن الفلسطينية بعد مدينة القدس استهدافا من قبل المستوطنين، وتعتبر أراضيها والقرى المحيطة بها أراضي خصبة، وتشتهر بالعديد من الصناعات التقليدية كالزجاج والخزف، ويعرف عن أهلها اشتغالهم بالتجارة، إلا أن أكثر ما يميز المدينة هو زراعتها لمحصول العنب؛ حيث تنتج سنويا ما لا يقل عن 34.6 ألف طن من العنب.