خبر بانتظار خطاب أوباما الإسلامي ..بلال الحسن

الساعة 10:50 ص|24 مايو 2009

ـ الشرق الأوسط 24/5/2009

ماذا بعد لقاء أوباما ونتنياهو؟

اللقاء مهم وحاسم دون شك، ولكن اللحظة الفعلية الحاسمة ستكون في القاهرة، حين يصل إليها الرئيس أوباما، وحين يلقي منها خطابه الموجه إلى العالم الإسلامي (4/6/2009).

لماذا هذا الانتقال جغرافيا من واشنطن إلى القاهرة؟ ولماذا هذا الانتقال سياسيا من القضية الفلسطينية إلى العالم الإسلامي؟ هناك في المسألة جانب إجرائي وجانب سياسي. يتمثل الجانب الإجرائي في النقاشات التي أجراها وسيجريها الرئيس الأميركي باراك أوباما في واشنطن. لقد أجرى حتى الآن لقاءين، مع ملك الأردن ومع رئيس وزراء إسرائيل. وسيجري خلال الأيام القادمة لقاءين آخرين مع الرئيس المصري ومع الرئيس الفلسطيني، وينهي بذلك سلسلة اللقاءات التي تمهد لصياغة اقتراحات أميركية يتم على أساسها تحريك المسار التفاوضي الفلسطيني ـ الإسرائيلي باتجاه حل الدولتين، كما يعلن أوباما ويلح. وهناك في المسألة جانب آخر سياسي، كبير وخطير واستراتيجي. فالولايات المتحدة الأميركية تواجه وضعا عسكريا صعبا في أفغانستان يكاد يقترب من الهزيمة العسكرية، ثم استجد عليها مواجهة وضع عسكري صعب في باكستان، أصبح يهدد إما بانهيار باكستان كدولة، أو انهيار النفوذ الأميركي بداخلها، في الوقت الذي يعرف فيه الجميع أن السعودية هي الدولة المؤهلة أكثر من غيرها للتوسط مع جميع الفرقاء المتصارعين هناك. وبسبب هذا الوضع بات أوباما يدرك أنه يحتاج إلى العالم الإسلامي ليساعده في معالجة الوضع المتفجر في كل من أفغانستان وباكستان. وبخاصة أن أوباما سبق له أن أعلن تخليه عن خطة سلفه جورج بوش، الذي كان يعتبر نفسه في حرب مع العالم الإسلامي، وصرح علنا أنه لا توجد حالة مواجهة بين الولايات المتحدة الأميركية والعالم الإسلامي. وهو اختار القاهرة ليخاطب العالم الإسلامي منها، موجها للعالم الإسلامي رسالة سلام من جهة، وموجها للعالم العربي رسالة سعي جاد لمعالجة الموضوع الفلسطيني من جهة أخرى.

لقد كانت الولايات المتحدة منذ تأسيس إسرائيل حتى الآن، بحاجة إلى إسرائيل لفرض سياساتها على المنطقة العربية، بالتهديد أحيانا، ومن خلال الحروب أحيانا أخرى. وكانت إسرائيل تعرف مكانتها هذه، وكانت تتمنع أو تتعنت أحيانا في وجه مطالب واشنطن ورغباتها، لأنها تعرف أن الثمن لن يكون قطيعة بينهما، بل حالة عتاب رقيق، قد يتسع أحيانا ولكنه لا يقطع حبال الود. وغالبا ما كان هذا التمنع أو التعنت الإسرائيلي، ينتهي بتقديم إرضاء أميركي جديد لها، يأخذ شكل موافقات على طلبات جديدة تريدها، كما كان الحال مع آرييل شارون مثلا حين انسحب من قطاع غزة، فمنحه بوش بالمقابل وعد «يهودية» الدولة الإسرائيلية. أما الآن.. وفي عهد أوباما.. وفي مرحلة الأزمة الاقتصادية العالمية، فقد جد وضع جديد له ملامح جديدة. من هذه الملامح:

أولا: أن الولايات المتحدة الأميركية تراجعت عن النهج الإمبراطوري الذي مارسته منذ أن أعلن جورج بوش الأب (عام 1991) قيام النظام العالمي الجديد، وانفراد بلاده في قيادة العالم. لم تعد الولايات المتحدة الأميركية تريد دولة إمبراطورية. إنها تتفاوض حاليا مع موسكو حول الاستراتيجيات العسكرية، وتتفاوض مع الصين حول الأدوار في الأزمة الاقتصادية العالمية، وتتحاور مع حلفائها في أوروبا تطبيقا لسياسة التشاور مع الحلفاء، بدلا من سياسة فرض المواقف على الحلفاء.

ثانيا: أصبحت الولايات المتحدة الأميركية الآن، بحاجة إلى العرب بسبب وزنهم داخل العالم الإسلامي، من أجل المساعدة في حل المشاكل المتفجرة في منطقة أفغانستان وباكستان. ولا بد لكي تضمن تجاوب العرب معها من الضغط على إسرائيل، ولو إلى درجة ما. يمثل هذا الوضع نقطة جديدة كليا في الوضع السياسي الأميركي ـ الإسرائيلي في المنطقة، فأميركا تحتاج إلى سياسة توازن، وإسرائيل ليست الآن الحليف الوحيد المنشود، وهذا وضع فريد من نوعه تواجهه إسرائيل لأول مرة.

ثالثا: يتصادف هذا التغير الاستراتيجي في الموقف الأميركي، وفي العلاقة الأميركية ـ الإسرائيلية الخاصة جدا، مع وصول حكومة إسرائيلية يمينية متطرفة، يقودها نتنياهو ووزير خارجيته ليبرمان، تتبنى نهجا سياسيا إقليميا، عربيا وفلسطينيا، يتعارض مع توجهات رئيس البيت الأبيض. وتتصرف هذه الحكومة بعنجهية لا تليق بها، فهي تضع نفسها ، ولو إعلاميا، كند لواشنطن، فتعلن أنها تريد الإغارة على إيران إذا استنكفت الولايات المتحدة عن ذلك. ثم تتحدى واشنطن، فتعارض حل الدولتين. ولا يعلن نتنياهو تراجعه عن موقفه، وهو قد يواصل التمنع والتعنت، ولكن أوباما يستطيع بغمزة سياسية واحدة، أن يتمنى على إيهود باراك زعيم حزب العمل، الاستقالة من حكومة نتنياهو، فتسقط حكومة نتنياهو، ويعود حزب كاديما إلى الواجهة لتشكيل حكومة أخرى. وهذا يعني أن للمعارضة الإسرائيلية لأميركا حدودا ضيقة للغاية لا تستطيع تجاوزها. إضافة إلى أن المزاج الاستراتيجي الأميركي قد تغير، بحيث لا يسمح لحليف، ولو كان من نوع إسرائيل، أن يتجاوز حدوده في التعامل مع المصالح الأميركية.

إن نتنياهو معروف برؤيته الاستراتيجة التي عبر عنها في كتابه (مكان تحت الشمس)، وهي رؤية تؤمن بأن إسرائيل الصغيرة تستطيع تحدي أميركا الكبيرة. وهو ادعاء لا يمكن تصديقه، ولكن سوابق كثيرة من خلافات أميركية ـ إسرائيلية حول الرؤى، انتهت بتثبيت رؤية إسرائيل من دون ظهور غضب أميركي، أو ممارسة عقاب ضد إسرائيل، شجعت نتنياهو على تسجيل مثل تلك الرؤيا الاستراتيجية الخاطئة في كتابه، ولكنه يواجه الآن موقفا أميركيا مختلفا، لا يمكن الخروج من مأزقه إلا بقيادة أميركية جديدة، لم تعد حتى منظمة (إيباك) الشهيرة قادرة على الوعد بها. ناهيك عن شائعات (الاغتيال) التي ترددها أوساط صهيونية متعددة، كأمنية بعيدة المنال، وخطيرة على دولة إسرائيل نفسها.

وإذا كان هذا الوضع المستجد يشكل أزمة بالنسبة لإسرائيل، فإنه حري في الوقت نفسه أن يشكل أزمة للعرب وأزمة للفلسطينيين، إنما في لحظة يستطيع فيها العرب والفلسطينيون أن يحولوا الأزمة لصالحهم، إذا كانت لديهم الإرادة والقدرة على الرؤيا. فحين يذهب الرؤساء العرب للقاء أوباما، وهم يقرأون الخارطة الاستراتيجية العالمية بشكل جيد، ويرون أن أساس هذه الاستراتيجية هو حاجة واشنطن إلى العالم الإسلامي لمواجهة مأزق باكستان وأفغانستان، ويقدمون بناء على ذلك مطالبهم الأساسية والصلبة في القضية الفلسطينية (انسحاب إسرائيلي كامل. انسحاب إسرائيلي من القدس. إزالة كاملة للمستوطنات. إقرار مبدأ حق العودة. سيادة كاملة للدول الفلسطينية)، فإن المسؤول الأميركي سيكون مضطرا للتجاوب معهم والتعامل مع طلباتهم بجدية. وهي كلها مطالب منسجمة مع القانون الدولي، ومتضمنة بوضوح في مبادرة السلام العربية التي أعلن أوباما قبوله لها. أما إذا ذهب العرب للقاء أوباما، وكل التقارير من حولهم تقول إنهم مستعدون لتقديم توضيحات (أي تنازلات) تتعلق بأسلوب تطبيق مبادرة السلام العربية (مع بقائها شكلا من دون تعديل)، فإن أميركا ستكسب. وإسرائيل ستكسب. ولن يكون هناك من خاسر سوى العرب والقضية الفلسطينية.

وحتى لا نضيع في التفصيلات والتحليلات، فإن ثمة مطالب إسرائيلية أو أميركية تبدو صغيرة ولكنها خطيرة للغاية، ويجب عدم قبولها إطلاقا، حتى لو كان بعضها قد قبل من قبل، وأبرزها:

ـ إلغاء فكرة تبادل الأراضي ورفض البحث بها من حيث المبدأ. حتى ولو كانت الصيغ الخادعة تتحدث عن نسبة 2% فقط. إن هذه النسبة التي تبدو صغيرة تعني التخلي عن مدينة القدس.

ـ رفض مبدأ أزالة مستوطنات وبقاء أخرى. والإصرار على مبدأ إزالة المستوطنات كلها.

ـ إزالة فكرة توحيد مدينة القدس، وإزالة فكرة أنها عاصمة لدولتين، وإزالة أي تلاعب آخر يمس فكرة الانسحاب منها باعتبارها مدينة محتلة.

ـ أهمية أن يضع العرب على الطاولة مطلب تعويض الفلسطينيين الذين تم احتلال أراضيهم وتدمير بيوتهم عام 1967. تعويضهم عن الضرر الذي لحق بهم بسبب الاحتلال، وتعويضهم عن سرقة الاحتلال لثرواتهم الزراعية والمائية. وتعويضهم عن القتل والأسر الذي عانوه.

مع ملاحظة أخيرة، وهي أن الإصرار على هذه النقاط هو المعنى الحقيقي لرفض مطلب تعديل المبادرة العربية للسلام. أما الإبقاء على مبادرة السلام العربية دون تعديل، ثم إدخال التعديلات المطلوبة إسرائيليا في طيات الحوار السياسي، فهو تلاعب خطير، ويجب أن يكون مرفوضا بشدة، وسيحاسب كل من سيقدم عليه. وبهذا وحده يستطيع أوباما أن يخاطب المسلمين بنجاح.