خبر لماذا يخيف أوباما الإسرائيليين؟ ..باتريك سيل

الساعة 03:31 م|23 مايو 2009

ـ الحياة 22/5/2009

لم تشهد الجولة الأولى من المواجهة بين باراك أوباما وبنيامين نتانياهو سيلان اي دماء. فخلال الاجتماع الذي جمعهما لمدة 90 دقيقة في واشنطن في 18 أيار (مايو)، تكلم الرئيس الأميركي ورئيس الوزراء الاسرائيلي مع بعضهما البعض بحذر، محاولين بلطف مدروس أن يخفيا مشاعر النفور المتبادلة بينهما. إلا أنهما لم يلبسا الأقنعة على رغم الخلاف الكبير في وجهات نظرهما. وتعد الجولات المقبلة بأن تكون أكثر حدةً.

يفرض أوباما تحدياً سياسياً لم تواجه إسرائيل مثله منذ حوالى عقد من الزمن. وللمرة الأولى منذ العام 1967 على الأقل، لم يعد بوسع إسرائيل الاعتماد على الدعم غير الشمروط لرئيس الولايات المتحدة. فلن يوقّع البيت الأبيض برئاسة أوباما شكاً على بياض لأمر إسرائيل.

لكنّ الموضوع هو أكثر من مجرد فتور في العلاقة بين البلدين. ففي الواقع، يطلب أوباما من إسرائيل التخلي عن الطموح والسلوك والعقائد الأمنية التي باتت متجذرة في أذهان الاسرائيليين على مرّ العقود الست الماضية. كما أنه يطالب بإجراء تغيير جذري في طريقة التفكير بشأن حدود إسرائيل وأمنها على المدى الطويل ومكانها في المنطقة.

ومنذ حرب حزيران (يونيو) 1967، سعت كل حكومة إسرائيلية على اختلاف انتمائها السياسي إلى توسيع حدود الدولة من خلال الاستيلاء على الأراضي الفلسطينية. وقد لجأت بعض الحكومات إلى سرقة الأراضي فيما أعلن البعض منها بوضوح أن «حرب الاستقلال» بين العام 1974 والعام 1948 لم تنته بعد. ومن الواضح أنه بالنسبة إلى عدد كبير من الاسرائيليين، يبقى التوصّل إلى «إسرائيل الكبرى» الممتدة من نهر الأردن إلى البحر المتوسط هو الهدف النهائي. وعندما كان أوباما ونتانياهو يجتمعان يوم الاثنين الماضي، أعلن المستوطنون الاسرائيليون أن الحكومة تستدرج عروض بناء وحدات سكنية جديدة في منطقة استيطان يهودية في غور الأردن.

ويعتبر أوباما أنه يجب وقف هذا التوسع، سيما أنه أساس المشكلة. وإن لم يتمّ وقف المستوطنات الاسرائيلية وتفكيكها ووضع حدّ نهائي لها، لن يحل السلام ولن يتم التوصل إلى دولة فلسطينية تعيش جنباً إلى جنب مع إسرائيل كما يرغب أوباما.

وبالنسبة إلى عدد من الاسرائيليين وليس الذين ينتمون إلى اليمين فحسب، يعتبر قيام دولة فلسطينية تحدياً قاتلاً وعقائدياً. وهم يخشون أن تسعى الدولة الفلسطينية إلى القضاء على إسرائيل بالطريقة نفسها التي تستولي فيها إسرائيل على الأراضي الفلسطينية. لكن بعيداً عن ذلك، تهدّد الدولة الفلسطينية بالنسبة إلى عدد من الاسرائيليين بتقويض شرعية كيانهم الوطني الخاص بما أن إسرائيل قامت على أنقاض فلسطين العربية.

 

تكره إسرائيل حركة «حماس» التي تحكم قطاع غزة الآن، ليس بسبب انزعاجها من الصواريخ المصنوعة محلياً التي تطلقها الحركة، بل بسبب رفضها الاعتراف بشرعية ما قامت به إسرائيل في العام 1948.

ولطالما اعتبر صقور إسرائيل مثل نتانياهو أنه يمكن حلّ المشكلة الفلسطينية من خلال هزيمة الفلسطينيين عسكرياً وتشتيتهم. فضلاً عن ذلك، يتطرق بعض الاستراتيجيين الاسرائيليين إلى تسليم قطاع غزة إلى مصر وإرسال سائر الفلسطينيين من الضفة الغربية إلى الأردن. ويقلق هؤلاء الصقور من سعي أوباما إلى إعادة إحياء المفاهيم التي يكرهونها والتي ظنوا أنها اضمحلت إلى الأبد وهي «الأرض مقابل السلام» والدولة الفلسطينية.

وقد سعت إسرائيل منذ ولادتها إلى فرض هيمنتها العسكرية على المنطقة العربية بأكملها. وكان أمنها يقوم على إضعاف جيرانها وضربهم متى شاءت والعمل على أن تكون أقوى من أي تركيبة عربية. وقد ساهم حليفها الأميركي في تعزيز هذه المبادئ من خلال تقديم المساعدة المالية الكبيرة والدعم السياسي لها وتزويدها بالأسلحة المتقدمة. ويشكل احتكار إسرائيل الاقليمي للأسلحة النووية عنصراً مهمّاً في هيمنتها.

وقد اعتادت إسرائيل وأصدقاؤها الأميركيون على فكرة أنه يمكن دائماً تجنيد قوة الولايات المتحدة لهزيمة أعداء إسرائيل الحقيقيين أو المحتملين. وعندما انتهت الحرب بين العراق وإيران من دون فوز أي من الطرفين بين العام 1980 و1988، بات صدام حسين وجيشه يشكلان خطراً كبيراً. فخشيت إسرائيل من عودة النضال العربي على ضفتها الشرقية. وفي التسعينات، مارست إسرائيل وأصدقاؤها المحافظون الجدد في واشنطن الضغوط من أجل الاطاحة بصدام حسين لتكون الخطوة الأولى نحو إعادة تشكيل بنية العالم العربي. وتوجّب على واشنطن القضاء على الفكرة القومية العربية وحركات «الجهاد» الاسلامية والمقاومة الفلسطينية كي تجعل المنطقة آمنةً لإسرائيل في المستقبل المنظور.

إلا أن ذلك لم يحصل على هذا النحو. فشكلت حرب العراق كارثةً كبيرةً بالنسبة إلى العراق وإلى الاستقرار في المنطقة بأكملها. وفي غياب قوة العراق في مواجهة قوة إيران، تحوّلت هذه الأخيرة إلى قوة عظمى اقليمية واصبحت تشكل اليوم تحدياً أكبر من التحدي الذي فرضه العراق. وانتشرت حركات المقاومة الاسلامية المعادية للأميركيين في أنحاء العالم العربي الاسلامي أكثر من أي وقت مضى. وساهم ذلك في الاساءة إلى قوة الولايات المتحدة وإلى وضعها المالي وسمعتها بسبب حرب كان يجب ألا تُشن. ويدرك أوباما ذلك جيّداً وهو مصمم على ألا توقع إسرائيل الولايات المتحدة في فخّ حرب أخرى.

من وجهة نظر إسرائيل، قد تشكل دعوة أوباما إلى فتح حوار مع إيران وربما إلى عقد «صفقة كبيرة» معها تهديداً لهيمنتها العسكرية ولاحتكارها النووي. وعوضاً عن التوصل إلى أي نوع من التسوية حول تخصيب اليورانيوم، تريد أن يتمّ القضاء على منشآت إيران النووية. وقد أعلن نتانياهو من واشنطن أن إسرائيل تحتفظ بحق الدفاع عن نفسها.

ومن وجهة نظر أوباما، يُعتبر انتشار الأسلحة النووية خطراً على الكوكب بأكمله. وقد جعل نزع السلاح النووي أساس سياسته الدفاعية. فهو يريد إقناع إيران بالتخلي عن أي طموح لصناعة الأسلحة النووية إلا أنه يعتبر أنه يمكن التوصل إلى ذلك في حال أخضعت إسرائيل صناعتها النووية للمراقبة الدولية. وقد دعا مسؤول أميركي رفيع المستوى إسرائيل إلى التوقيع على معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية مما يساهم في كسر ما كان محظوراً منذ زمن طويل وهو الاشارة علناً إلى الترسانة النووية الخاصة بإسرائيل.

تريد إدارة أوباما أن تستعيد أميركا سلطتها ومصداقيتها في العالم العربي والاسلامي لا سيما أن أمن أميركا يتطلب ذلك. كما يجب إخماد نيران الغضب الاسلامي في البداية. وهذا يعني اعتماد مقاربة في الشرق الأوسط ترتكز أقل على إسرائيل.

ويُعتبر قمع إسرائيل للفلسطينيين وسلب أراضيهم منذ عقود من بين الملفات الساخنة في المنطقة. وبالنسبة إلى العالم برمته، بات ذلك واقعاً مزعجاً. ويبدو أن أوباما يعتزم الاستعانة بالقوى الكبرى كي يحل النزاع القديم على أساس حل الدولتين. كما أنه يرغب في أن يخلّص الفلسطينيين من الخضوع للهيمنة الاسرائيلية، ليس فقط لأن الفلسطينيين يستحقون العيش أحراراً بل لأنها الطريقة الفضلى للمحافظة على أمن إسرائيل على المدى الطويل ولانخراطها السلمي في المنطقة.

أما وجهة نظر نتانياهو فمختلفة للغاية، إذ أنه يعتبر أن إسرائيل محاطة بالأعداء الذين يجب هزيمتهم والقضاء عليهم. ويُعتبر الشرخ بين الولايات المتحدة وإسرائيل كبيراً وعميقاً للغاية ومن غير المرجّح سدّه من دون حصول مواجهة.