خبر فـي خيـام غـزة.. لا مـكان للمذاكـرة

الساعة 02:28 م|23 مايو 2009

فـي خيـام غـزة.. لا مـكان للمذاكـرة

فلسطين اليوم – وكالات

 في كل مساء يقف صهيب العطار "11 عاما" على باب الخيمة في انتظار ليلٍ يُسدل ستاره ليسكن الهدوء أرجاء المخيم ويتمكن من مراجعة دروسه استعدادا لامتحان الغد.. أضاء صهيب الشموع.. وما إن استغرق في الدراسة حتى هب مذعوراً هاربا للخارج وصراخه يهز المكان.. يهرول والده مسرعا نحـوه ليجده واقفا على عتبـات الخيـمة وجسده يرتجف بعنف وبحروفٍ مبعثرة أخذ يشير إلى زاوية الخيمة "عقرب يا بابا".

صهيب الطالب في الصف السادس الابتدائي قال لـ"إسلام اون لاين" بعد أن سـرد ما جرى معه ليلا: "لا أركز في الدراسة خلال النهار.. فأصوات الأولاد والجيران مرتفعة والحر شديد.. وفي الليل بت أخاف العقارب والثعابين".

 

وبعد أن انسابت دمعة من عينيه تابع قائلا: "أريد غرفتي ومكتبي وسريري.. أريد أن أحتل المركز الأول على المدرسة كباقي الأعوام السابقة.. ولكن للأسف ستكون هذه السنة الأسوأ على الإطلاق.. وإذا حصلت على المرتبة الخامسة فسيكون إنجازا عظيما".

 

ويجلس طلبة قطاع غزة في هذه الأيام على مقاعد الامتحانات مودعين عاما دراسيا كان مثقلا بالهموم والتحديات بفعل الحرب الإسرائيلية الشرسة التي خلفت أكثر من 1400 شهيد ونحو ستة آلاف جريح، ودمرت آلاف المنشآت بينها مئات المدارس واضطر بعضهم للدراسة في الخيام من أجل مواصلة المسيرة التعليمية.

 

ضاع المستقبل

 

تجلس على باب خيمتها وحولها أطفالها الخمسة.. منهمكة في تدريسهم استعدادا للامتحانات.. تشرح لهذا درسا في النحو.. ولذاك مسألة حسابية معقدة.. وتساعد ثالثا في حفظ خارطة الوطن العربي..

 

نجاح السلطان القاطنة هي وزوجها وخمسة من صغارها في مخيم "العزة" شمال قطاع غزة, تشعر بالقهر لما وصل إليه حال أطفالها النفسي ومستواهم الدراسي الذي تدنى.. تقول لـ"إسلام أون لاين": لا أجواء دراسية مناسبة.. ولا هدوء وطمأنينة في المخيم.. فكيف سيذاكر الصغار ويستوعبون دروسهم؟؟.. طيلة السنوات الماضية وأطفالي من المتفوقين.. ولكن بعد تشردنا ولجوئنا للخيام سيُدمر مستقبلهم".

 

وهي تشعل النيران لتتمكن من إعداد كوب من الشاي لأطفالها المنغمسين في المذاكرة قالت "رنا الأنقح" الأم لأربعة أطفال بحسرة ارتسمت على خطوط وجهها: "كنت في فترة الامتحانات لا أكتفي بعمل كأس من الشاي لأبنائي.. بل أتفنن بصنع ما لذ وطاب من المعجبات والحلويات وكل المأكولات الشهية التي تحفزهم على التركيز والاستيعاب السريع".

 

وفي خيمـةٍ تكدس فيـها أكثـر من 14 فردا أخـذ "محمد" يصرخ بحنق على إخوته طالبا منهم الصمت والهدوء ليتمكن من مراجعة دروسه ولو لساعة واحدة.. متمتما بسخط: "سأرسب هذه السنة!!".

 

لا عزاء للتوجيهي

 

وإذا كانت المعاناة قد طرقت أبواب طلبة غزة في مختلف مراحلهم الدراسية وأثرت على مسيرتهم التعليمة, فإنها تشكلت بكل تفاصيلها المؤلمة لدى طلبة الثانوية العامة "التوجيهي" لما تمثله هذه السنة من مرحلة فاصلة في حياتهم.

 

حسيب السلطان طالب الثانوية العامة والذي يقطن في مخيم "الثبات" شمال قطاع غزة بدا ساخطاً على ما وصلت له الأوضاع داخل المخيم وقال في حديث لـ"إسلام أون لاين": "اعتدت على الدراسة أنا وأصدقائي, والآن بعد أن قُصفت بيوتنا لا مكان ندرس به.. خارج الخيمة ذباب ودرجة الحرارة مرتفعة.. وفي داخل إخوتي التسعة ولا أجد متسعا لأمد قدمي فيها".

 

وبنبرات تخشى ما ستحمله الأيام القادمة تابع قائلا: " كنت أتمنى أن أحصل على معدل عالٍ يؤهلني للالتحاق بإحدى كليات القمة.. ولكن لا دراسة, لا استيعاب, لا تركيز.. كل أحلامنا تحطمت على عتبات الخيام ومستقبلنا ضاع".

 

ولم يختلف حال "مرام نافذ" عن حسيب وربما كان أشد مرارةً, حدثتنا بصوت مرتجف وهي تشير إلى الخيام من حولها وتتساءل كيف للطلبة أن يتحملوها بضيق مساحتها, وما يغلفها من درجات حرارة لاذعة مع حلول فصل الصيف.

 

ربما لن أنجح

 

وبألمٍ اجتاح صوتها مضت تقول: "في بيوتنا كنا نذاكر خلف مكتبٍ وثير.. ونجلس على كرسيٍ مريح.. ونتلذذ بالعصير المثلج والمأكولات الشهية.. نستوعب دروسنا بسرعة وبجهد أقل ونحصل على علامات مرتفعة".

 

وبعد تنهيدة أضافت: "أخشى المستقبل.. ربما لن أنجح هذا العام ولن ألتحق بالجامعة.. ستبقى هذه الخيمة جاثمة على قلوبنا..", وتصمت مرام لبرهة من الوقت ثم ما تلبث أن تباغتنا بسؤالٍ دامع وجهته لأصحاب الضمائر الحية في العالم: "لو كنتم مكاني في هذه الخيمة هل ستدرسون؟؟".

 

وكانت وزارة التربية والتعليم في حكومة غـزة قد بدأت بعد الحرب الإسرائيلية الأخيرة على القطاع بعدة إجراءات تراعي من خلالها الطلبة، كالتخفيف من المنهاج في جميع المباحث وتمديد فترة أيام الامتحان بين المبحث والذي يليه، حتى يتمكن الطالب من المذاكرة بهدوء ودونما قلق.

 

وسينتهي طلبـة غزة نهاية الشهـر الجاري من أداء الامتحانات النهائية لهذا العام فيما سيتقدم طلبة الثانوية العامة في محافظات الوطن لأداء امتحان "التوجيهي" في الثامن من حزيران/يونيو المقبل والأمل يحدوهم بغدٍ أفضـل وأهدأ.

- إسلام اون لاين