حكومة الفاشية الدينية وعسكرة التجمع الاستعماري

الساعة 06:38 ص|01 فبراير 2023

فلسطين اليوم | محمد العبدالله

-  "إن هذه الأرض لنا، ولن يكون توقيع هزيل مسوغا أو فرمانا لتغيير حقائق التاريخ الثابتة ". 

    الشهيد " فتحي الشقاقي ".

 -  "وأنا الآن أسير إلى حتفي راضيًا مقتنعًا وجدت أجوبتي، يا ويلي ما أحمقني وهل هناك أبلغ وأفصح من فعل الشهيد".

  الشهيد " باسل الأعرج “.

 عام قديم مضى...

في الوطن الفلسطيني المنكوب باحتلالي عام 1948 وعام 1967، كان حصاد العام المنتهي، دمويا بامتياز. لكن جرعات الألم المستمرة منذ قرن ونيف، كانت في أيام العام المنصرم، مؤلمة ودامية على الغزاة المستعمرين أيضا، كما جاء في تصريحات صادرة عن جيش الاحتلال الصهيوني كما نقلها موقع " والا " يوم الخميس 29 كانون أول / ديسمبر  2022.

" شهدت منطقة الضفة الغربية 285 عملية إطلاق نار من قبل مقاومين فلسطينيين خلال 2022، مقابل 61 خلال 2021، و31 خلال 2020 و19 فقط خلال 2019. وقد قفزعدد قتلى العمليات في عام 2022 إلى مستوى لم تعرفه السنوات الأخيرة، حيث قُتل 31 مستعمرا في عدة عمليات مسلحة، مقارنة بـ 4 في عام 2021 ، 3 في عام 2020 و5 في عام 2019.

في عام 2022 كان هناك 7589 عملية رشق حجارة، مقارنة بـ 3805 في عام 2021، كما حدثت زيادة في عمليات إلقاء الزجاجات الحارقة، والتي بلغت 1,268 خلال 2022، مقارنة بـ 1022 في عام "2021.

وتحدثت عدة مصادر موثوقة عن أبرز ماشهدته الأراضي المحتلة من تغول الإجراءات والممارسات الوحشية الصهيونية ضد أصحاب الأرض، فقد أكدت وزارة الصحة الفلسطينية على ارتقاء 230 شهيدا وشهيدة ، وجرح أكثر من 9300 مواطن ومواطنة، كما تم رصد أكثر من 1525هجوما لميليشيات المستعمرين التي استهدفت السكان والممتلكات والمزروعات والحيوانات ، وتعرض مايقارب 900 مرفقا / ممتلكات للمواطنين للهدم، من ضمنها 302 منزلا في الضفة الغربية والقدس المحتلتين، كما تم اقتلاع وقطع أكثر من 12000شجرة – المصدر " أريج ". أما التوسع الاستعماري/ الاستيطاني في البناء، فقد تم وضع 116 خطة استيطان لبناء 13000 وحدة سكنية حتى شهر تشرين الأول / أكتوبر من العام 2022 . كما شهدت حملات المداهمة والمطاردة والاعتقال إزديادا ملحوظا في العام الفائت. في إحصائيات منشورة لنادي الأسير الفلسطيني نقرأ عن "اعتقال أكثر من 6500 مواطن ومواطنة، 153 امرأة و 811 طفل ، كما يخضع 600 طفل  للحبس المنزلي، بالإضافة لتعرض أكثر من 2135 مواطن ومواطنة للاعتقال الإداري" في عام 2022.

 تنطق لغة الأرقام التي وردت في التقارير السابقة، بعدد من الوقائع التي تظهرها في ميادين الاشتباك ، أبرزها :

 - التطور الكمي والنوعي في أساليب المقاومة – خاصة المسلحة – بدأت ملامحه تتضح بعد عمليات " سيف القدس – مايو / أيار 2021" .

 - العملية البطولية النوعية " كسر القيد " في التحرر من "سجن جلبوع " والتي كانت من أهم نتائجها الإعلان عن تشكيل " كتيبة جنين " المقاتلة.

- كشفت العمليات الهجومية، الواسعة والنوعية، في معركة "وحدة الساحات " بُعدا جديدا في المدايات الصاروخية، وشمولية الضربات في توقيت  واحد لعدد من الأهداف، في تأكيد جديد على الإنجازات التصنيعية والتسليحية للكتائب والسرايا.

 - أشارت العمليات البطولية الفردية، الممتدة من الشمال " مستعمرة تل أبيب / يافا " وحتى " النقب / بئر السبع " ومن " الأغوار" شرقا إلى " الساحل " غربا، مرورا بمدن وبلدات الوسط، أن الجيل الجديد الذي حمل السلاح وقاتل المحتلين، بإرادة فولاذية  وثبات، قل نظيره في مقاومة الشعوب، يرسم بدمائه وتضحياته، طريق الخلاص من الاستعمار الإستيطاني، في تأكيد جديد على أن إرادة التحرر وديمومة الاشتباك، كما جسدتها الأشكال الجماعية من أدوات المقاومة في الكتائب والعرين، هي خطوة تراكمية على نقل المجتمع الفلسطيني الحاضن والحامي للفدائيين ، كما ظهر الالتفاف حول الشهداء وعائلاتهم، إلى وضع متقدم للوصول إلى " المجتمع المشتبك ".

 عام جديد مع حكومة الفاشيين القتلة

   خلال الشهر الأول من عام 2023، أصبح عدد الشهداء الذين ارتقوا نتيجة المجازر التي قام بها جيش الكيان الصهيوني، وميليشيات المستعمرين في الضفة الفلسطينية " 35 شهيدا، بينهم 8 أطفال وسيدة مسنة – بيان وزارة الصحة الفلسطينية"، في مناطق عديدة من الضفة المحتلة، خاصة، في محافظة جنين ؛ المخيم والمدينة والبلدات "20 شهيدا "، وأيضا، الشهداء الأبطال الذين نفذوا العمليات الفدائية في القدس " مستعمرة النبي يعقوب "، و حي سلوان ، وكذلك التي تمت تصفيتهم في أكثر من مكان، تحت دعاوى"محاولة " طعن أو دهس.

على الجانب الآخر، نشرت صحيفة " يديعوت أحرنوت " إحصائية الخسائر لذات الشهر، يناير / كانون الثاني ، نقرأ فيها " الأوضاع منذ مطلع العام الحالي  تشير إلى سنة دامية، فقد حصلت 32 عملية أدت لـ 7 قتلى ، 3 جرحى في حالة الخطر، 2 جرحى بجروح متوسطة". هذه التطورات الميدانية ماهي إلا ّ انعكاس لانفلات التوحش والقتل كتعبير عن نهج  قديم مارسته حكومات الكيان منذ تأسيسه على جماجم ودماء أصحاب الأرض الأصليين . اللافت في الحكومة الجديدة ، ارتفاع عدد الممثلين لتيار الصهيونية الدينية الفاشية من خلال الحزبيّن؛ "القوة / العَظَمَة اليهودية" بزعامة إيتمار بن غفير وزير الأمن القومي، و حزب " الصهيونية الدينية " بقيادة بتسلائيل سموتريتش، وزير المالية. الوزير الأول ، المجرم " بن غفير، توعَّدَ منفذي الهجمات الفلسطينيين بـ"الإعدام على كرسيٍّ كهربائي"، وذلك خلال اجتماع لحزبه. أما الوزير الثاني، الإرهابي " سموتريتش " فقد دعا ليلة الأحد 29 /1حسب موقع صحيفة هآرتس العبرية، "إلى ترحيل عائلة منفذ عملية حي سلوان، إلى قطاع غزة، ومصادرة ممتلكاتهم من أجل نقلها إلى عوائل قتلى الهجمات"، مضيفا " سأعمل على نقل الممتلكات الخاصة بمنازل منفذي العمليات التي سيتم إغلاقها وهدمها لاحقًا، إلى عوائل القتلى "الإسرائيليين"" .

ميادين الاشتباك مابين جنين و القدس

  ساعات قليلة هي الفارق الزمني بين الهجوم الواسع الذي شنه جيش الاحتلال على مخيم جنين فجر يوم الخميس 26 / 1، والعمليتين الفدائيتين في مدينة القدس ومحيطها. في مخيم جنين وحارة / جورة الذهب، ارتقى عشرة شهداء بين زخات الرصاص، وطلقات القناصة – إحداها استهدفت إحدى السيدات وهي داخل منزلها - ، وانفجار الصاروخ بالشقة التي حوصر فيها بعض الفدائيين.

فاجأت العمليتان في مدينة القدس وضواحيها، العدو وأصابته في مقتل، خلال 15 ساعة. وقد فتح مسدس الفدائي الشهيد "خيري علقم" إبن 21 عاما مساء يوم الجمعة 27 / 1 باب جهنم في مستعمرة النبي يعقوب، ليدخل إليها 7 قتلى ، مضافا لهم عدد من الجرحى.أما الفتى/ الشبل " محمد عليوات " الذي يبلغ من العمر ثلاثة عشر عاما، فقد أصابت طلقات مسدسه إثنين من المستعمرين / المستوطنين / الميليشيات المسلحة، إصابة أحدهما خطيرة جدا .راهنا، تفرض وقائع الميدان في كلٍ من جنين والقدس، قراءة الحدثين بكل أبعادهما، من أجل التوصل للدروس المستفادة مما حصل ، منها على سبيل المثال لا الحصر:

- أظهر العدوان الجديد على مخيم جنين، امتلاك المؤسسة العسكرية / الأمنية التي يمتلكها المحتل، معلومات واسعة ودقيقة عن المقاتلين،عددا وعدة، من خلال الاستعراضات والمهرجانات وكاميرات التصوير والمقابلات التي كشفت الوجوه ونوعية السلاح،  أومراكز تجمعهم، ودروب تحركهم ، حصلوا عليها من خلال التفوق التكنولوجي/ التقني، والمستعربين، والجواسيس المحليين ، إضافة لما يوفره الولاء " التنسيق " الأمني من رصد ومتابعة للمقاتلين وأماكنهم ، يتم تقديمها للعدو. كل هذا وأكثر، جعل المخيم ، و " البلدة القديمة " في نابلس، مناطق مكشوفة، ضعيفة، يتم بين فترة أخرى، اقتحامها، وقتل واعتقال بعض المقاتلين، بدون أن يتكبد جيش العدو أية خسائر بالأرواح !. 

- استطاع مسدس " خيري علقم " أن يردي عددا كبيرا من الغزاة المستعمرين مابين قتيل وجريح في حوالي عشرين دقيقة، ليس بسبب امتلاكه الشجاعة والبطولة - التي يمتلكها أيضا أبطال الكتائب والعرين – بل لأنه استطاع تنفيذ العملية بسرية وحرفية واقتدار عاليين، والأهم ، لأنه ضرب في مركز تواجد واستقرار الغزاة المحتلين، أي في قلب مايعتبره العدو " المنطقة الأكثر أمنا "، كما فعل الأبطال الشهداء " محمد أبو القيعان " في بئر السبع، و" ضياء حمارشة " في بني براك، و " رعد خازم " في شارع دوزينكوف، و" رعد التميمي " على حاجز شعفاط ومدخل مستعمرة معالية أدوميم.

 خاتمة

  يمضي الشهر الأول من هذا العام، وكيان العدو، كأحد تجليات المشروع الاستعماري في المنطقة، يعيش أزمة داخلية حادة لم يمر بها منذ اغتيال "رابين" في شهر تشرين ثاني / نوفمبر 1995، وما المظاهرات الأسبوعية المتكررة كل يوم سبت من كل أسبوع، التي تشهدها مدينة تل أبيب " مابين 100 و130 ألف متظاهر"، وداخل عدد آخر من المدن، منذ تأليف الحكومة الجديدة بقيادة بنيامين نتيناهو، إلا لدليل واضح على الانقسام الحاد حول قضايا داخلية تتركز حول " مؤسسة القضاء ، وتأثير الصهيونية الدينية التوراتية في التوجهات العامة للحكومة وبرنامجها".

  إن سياسة الإيغال بالدم الفلسطيني التي تقودها مجموعة من المجرمين، ستكون لها نتائج سلبية على الكيان؛ دوليا وإقليميا ، باستثناء حكومات السقوط الوطني والقومي والأخلاقي " دول التطبيع العربية والإقليمية " التي أدانت عمليتي القدس البطوليتين. لكن الأهم هنا، ماظهر داخل التجمعات

الفلسطينية داخل الوطن وخارجه، من تأييد كاسح للعمليات الفدائية، وفخر بأبطالها، واحتضان كبير لعائلات الشهداء، بما يدلل على أن قطاعات واسعة جدا من الشعب الفلسطيني قد بدأت تدخل ميادين الاشتباك الجمعي بأشكاله المختلفة، مما يوفر للفدائيين الجدد، البيئة الحامية، الحاضنة والآمنة، ويُشجع الشباب على تنفيذ وصايا الشهداء : لاتتركوا البارودة واستمروا بالمقاومة.

 

 

كلمات دلالية