خبر الكل مقابل واحد ..علي عقلة عرسان

الساعة 04:26 م|22 مايو 2009

 

 

علي عقلة عرسان

من لُمَع الأفكار في مفاوضات اليهود مع الأغيار، وعبقرية المتفاوضين، الصهاينة والفلسطينيين، الذين يقدمون جهودهم " الخيرة" ويقدحون زناد أدمغتهم " النيرة" لتنتج ما ينفع في تذليل كل عقبة وحل كل صعب في مسار قضية فلسطين.. من ذلك.. ما يُطرح اليوم ليوحَى به مدخلاً لنجاح الرئيس أوباما في زحلقة العالم الإسلامي كله نحو شراكة جديدة عنوانها " الكل مقابل واحد"، وهي تتلخص في جر العالم الإسلامي إلى " الاعتراف بالكيان الصهيوني وتطبيع العلاقات معه، وتحميله مسؤولية التصفية التاريخية لحق العودة وقضية القدس"، في رزمة سياسية جاء الحديث عنها على لسان ناطق فلسطيني يتوافق كلامه وموقفه مع رأي صهيوني أو هما يجتمعان على لفظ ومعنى. والرزمة الكبيرة قد تكون أحد أهم عناوين خطاب الرئيس أوباما في الرابع من شهر حزيران القادم في القاهرة الذي يوجهه للعالم الإسلامي في توجه " مصالحة ومصارحة وشراكة جديدة"، من بين مشاريعها الكبرى حل قضية العصر، قضية فلسطين، يكون فيها: "اعتراف سبعة وخمسين دولة إسلامية بالكيان الصهيوني وتطبيع العلاقات معه"، في مقابل دخول العالم الإسلامي في دور ومسؤولية عن إدارة الحرم القدسي الشريف، على أن يكون حائط البراق إلى سطحه الأعلى مسؤولية إسرائيلية، وموافقته على أن " لا يحرج " المفاوض الفلسطيني الذي يقبل بوقف بؤر استيطانية صهيونية عشوائية قليلة، وإلغاء حق عودة الفلسطينيين إلى وطنهم التاريخي وقبول التعويض والتوطين، والرضا مع الامتنان بـ "دولة فلسطينية" بلا جيش لا سيادة ولا سيطرة لها على أمن أو حدود، ولا يقوم بينها وبين أي من أشقائها وجيرانها العرب أي تعاون أمني، ستقام خلال أربع سنوات، على 20% فقط من فلسطين التاريخية.. وعاصمة تلك الدولة أحياء من القدس الشرقية، يجري الاتفاق عليها في مفاوضات ثنائية مباشرة بينهم وبين الصهاينة، وما زل يُختلف على أن يكون من بينها الحي الأرمني أو لا يكون. وعلى التوازي مع المسار الفلسطيني سيكون هناك مساران سوري ولبناني لإنجاز تسوية شاملة للصراع العربي الصهيوني. وفي إطار هذه الرزمة تتحسن صورة الولايات المتحدة الأميركية إسلامياً، ويرضى الأميركيون عن المسلمين، لا سيما عمن يدخل منهم في تحالف معهم ومع حلفائهم لمحاربة "الإرهاب"، أي قوى المقاومة للاحتلال والتدخل والهيمنة على الخصوص، تلك القوى التي ستتعرض بموجب هذا الاتفاق الشامل "الرزمة" إلى الاجتثاث إن لم تخضع كلياً لما يطلب منها الخضوع له وتتنازل عن كل مطالبها، وعلى رأس تلك القوى حماس والجهاد الإسلامي في فلسطين وحزب الله في لبنان والمقاومة للاحتلال في العراق..إلخ، لكي تبقى في الساحتين العربية الإسلامية، من بعد ذلك، الأنظمة الموالية للأميركيين والمتحالفة معهم ومع  الصهاينة، حيث تزداد رسوخاً وقوة وديمومة وحاكمية.

ويجري هذا الأمر مع تبشير في ظله نذير، وبوعود تواكبها ضغوط، تتحدث عن ازدهار وعن تشكيل تحالف واسع، تحدثت عنه الوزيرة كلنتون، وهو تحالف يتابع فيما يبدو أهداف رباعية رايس ويطورها ويوسعها كماً وكيفاً، ويضم كما ذكرت:" إسرائيل ومعتدلين عرباً والأميركيين والغربيين" ودولاً أخرى، وهو موجه ضد "من لا يقبل ولا يذعن، وضد من يعرقل الحل أو يعيقه، أي تلك الوصفة السحرية للخروج بحل للقضية المزمن.. قضية فلسطين. وسيكون لمن لا يقبل أو يعترض أو يفعل ما لا يرضي.. أوصاف وأسماء تؤهله "للفوز بغضب" المتحالفين الجدد وعقوبتهم وملاحقاتهم.. من مثل المتطرفين والإرهابيين ورعاة الإرهاب والممانعين..إلخ.. على ما يشبه اسطوانة السيئ الذكر جورج W بوش؟!

فهل تستجيب الدول الإسلامية إلى هذا المطلب الأميركي ـ الصهيوني يا ترى، أم أنها ستقف موقفاً مؤيداً لحق العودة، وترفض استمرار تشريد الشعب الفلسطيني في أرجاء الأرض، وتعترض على عروض سقيمة تنطوي على نفي للقيم وبيع للوطن لقاء تعويض، والأوطان لا تباع، وتوطين للفلسطينيين في الشتات، أياً كان ذلك الشتات، لأن الأوطان لا تُعوَّض!؟. وتؤكد سيادة تامة للفلسطينيين على عاصمتهم القدس، بكل ما تشتمل عليه القدس من مقدسات، وما تعنيه من مكانة وطنية وقوية وتاريخية وحضارية وروحية.؟ إن الموقف من عروض أميركية غير متوازنة، ومن قضية عادلة مثل قضية فلسطين هو اختبار للدول الإسلامية يجلو مدى استيعابها للتغيير الذي ينبغي أن يتحقق في المواقف الأميركية والغربية لكي يكون هناك عهد جديد وعلاقات تقوم على الاحترام والثقة والفهم والاعتماد المتبادلين، لمصالح المشركة في عالم للجميع.       

من المؤكد أن متغيرات في الموقف الأميركي قد حدثت وهي تعبر عن نفسها بصور مختلفة، وهدفها أو همها الأول هو إخراج الولايات المتحدة الأميركية من مآزقها التي أحكمها السيد بوش وزجها فيها. وتتراجع وتيرة تلك المتغيرات حيناً وتتقدم حيناً آخر، وفق الرؤى والمصالح والممارسات التي يمليها جلوس الرجال في سدة الحكم ورؤيتهم للأمور من مواقع جديدة، وإطلاعهم على معطيات لم تكن بين أيديهم من قبل، وتفشي غشاوة على عيونهم وعقولهم وضمائرهم يصنعها المحيطون بهم.

لقد كشفت زيارة نتنياهو لأوباما في البيت الأبيض يوم 18/5/2009 عن بعض تلك المتغيرات ولكنها متغيرات لم تطل التحالف العضوي العميق، والالتزام الأميركي المطلق بأمن إسرائيل وازدهارها وتفوقها العسكري على جميع العرب والمسلمين، وإبقاء هالة الغموض حول قدراتها النووية. وبدت المتغيرات على الخصوص في صلابة بعض جوانب الموقف الأميركي من الخدع الإسرائيلية التي يتقنها نتنياهو ومن سقوفه المرتفعة وأولياته التي أراد أن يفرضها، لا سيما إعطاء أولوية لملف إيران النووي، وربما شن عدوان عليها قبل التحرك باتجاه الفلسطينيين، كما بدت بعض الصلابة في عدم التسليم الشامل لإسرائيل بكل ما تريد، ومن ذلك التمسك بحل "الدولتين" الذي يناور عليه نتنياهو وحكومته، والمطالبة بوقف ولو جزئي جداً للاستيطان يستخدم لذر الرماد في العيون قبيل زيارة أوباما للقاهرة، حيث يصنع منه فلسطينيون وعرب قبة كبيرة في فضاء إنجازات إدارة أوباما "غير المنحازة"؟!. ولكن مما لا يقبل التغيير ولا يبشر به في مواقف استراتيجية، أميركية ـ صهيونية، ويقع في صلب قضية فلسطين، هو الموقف من حق العودة، فهو مما سوف تمحوه إدارة أوباما التي تتوجه نحو الأخذ بوجهة النظر الصهيونية الرامية إلى تعديل المبادرة العربية لشطب حق العودة والأخذ بالتوطين والتعويض.. ما عدا جمع شمل بعض العائلات في فلسطين المحتلة وبما لا يزيد بأي حال من الأحوال عن عودة مئة ألف نسمة كما تشير تقديرات المسربين للأخبار.. في مقابل .. لا شيء للفلسطينيين. وقد لمسنا محاولات بعض الحكام العرب الترويج للاستجابة لهذا المطلب الذي ووجه من الأكثرية الرسمية العربية برفض حازم، وهو يتسلل الآن من نافذة خطاب أوباما من موقع عربي إلى مستوى إسلامي أشمل.

 إن التغير في السياسة الأميركية موجود، ولكنه تغير لا يشمل الأبعاد الاستراتيجية والمصالح الحيوية والحلفاء الرئيسين، وهو يتجه باتجاه حماية المصالح القومية الأميركية وتوسيع دائرتها وتعزيزها، بثمن بخس تدفعه هي لقاء ثمن باهظ يدفعه العرب والمسلمون ـ مثال ذلك أنها دفعت " مئة أو مئتي مليون دولار أميركي لباكستان كي يذبح الباكستانيون بعضهم بعضاً، تحقيقاً للأهداف وتعزيزاً للمصالح الأميركية" ـ  كما يتجه إلى " كسب العالم الإسلامي وتحسين صورة الولايات المتحدة الأميركية فيه، مقابل حل لقضية فلسطين على حساب الفلسطينيين والعرب" و "إقامة تحالف أميركي ـ صهيوني ـ غربي مع مسلمين ضد كل من يتقدم منهم في أي مجال علمي وتقني وحيوي يمكِّنه من استقلال القرار والإرادة والرؤية والسلاح والنهوض بقوى ذاتية.. وكل ذلك لا يمس بالهيمنة الصهيونية ـ الأميركية، هيمنة أمنية واقتصادية على المنطقة كلها التي "ينبغي" أن تبقى، من وجهة نظرهم، قيد التقسيم والشرذمة والأزمات والصراعات والحروب والاستنزاف والجهل والتجهيل.

من المؤكد أن إدارة أوباما أفضل من إدارة بوش، ومن المؤكد أيضاً أن أوباما لا يملك من القرار الأميركي ما تملكه المؤسسات الأميركية التي يسيطر عليها ويحركها نفوذ يهودي كبير يعرفه هو أكثر من سواه، ومن المؤكد أنه يمضي باتجاه تعزيز المصالح والعلاقات والقدرات الأميركية، القتالية وغير القتالية، في مواقع كثيرة من العالم وعلى رأسها مواقع في الوطن العربي والعالم الإسلامي.. وهذا كله لا يلام عليه بل يقدره شعبه له، ولكنا نلام نحن إذا ما فرطنا بحقوقنا وقضايانا ومصالحنا وعلاقاتنا ومقدساتنا ومقومات هويتنا وديننا وثقافتنا وقيمنا.. فهل يقوم أي تنسيق عربي ـ عربي، أو عربي ـ إسلامي، أو إسلامي ـ أشمل وأقوى، ليكون هناك حوار ندي مع الأميركي خاصة والغربي عامة، وموقف يحمي الحد الأدنى من الحقوق والمصالح والكرامة للعرب والمسلمين في مواجهة من يستهين بهم وبحقوقهم أياً كان، وردع من أي نوع وعلى أية درجة للصهيوني العنصري المتغطرس المحتل الذي يستبيح دمنا وأرضنا ومقدساتنا، ويستهين بكل شيء لنا، من دون أن يدفع الثمن أو يخشى الرد عليه؟.

إنهم يضعوننا " الكل، مقابل واحد"، ونحن نتطلع إلى ما هو حق لنا وواجب علينا.. ونطلب من المعنيين والقادرين، حماية الحق والقيام بالواجب، وقد نكون أقرب إلى ذلك إذا كان للكل موقف واحد.

 والله ولي التوفيق.

دمشق في 22/5/2009