خبر عودة الضربة المرتدة .. هآرتس

الساعة 09:29 ص|22 مايو 2009

بقلم: دورون روزنبلوم

من المحتمل ان يكون ساحرا بروح دعابة سوداء بصورة استثنائية قد القى باللعنة على كل رؤساء الوزراء في اسرائيل منذ دافيد بن غوريون: حكم عليهم بأن يتصادموا وجها لوجه ان عاجلا او آجلا، بالتحديد مع كوابيسهم الاكثر  اثارة للفزع. وان يواجهوا في فترة حكمهم كل ما رغبوا بكبته وابعاده وطيه طي النسيان كنوع من اختبار النار الذي يحسم مصيرهم السياسي للحياة او الموت.

هكذا القيت حرب يوم الغفران في وجه غولدا مئير بينما كانت تستحم في حمامها المريح، وهكذا سحب اسحاق شامير من نفس الحمام الى مؤتمر سلام دولي، وهكذا نزلت العمليات الارهابية على رأس قادة اوسلو والضرورات الدولية – الوحيدون الذين تسببوا بانسحاب حقيقي من المناطق – دفعت قادة الليكود تحديدا وانبياء الاستيطان الى القيام بالانسحابات الحقيقية.

فما الذي يخبئه القدر اذا لبنيامين نتنياهو في ولايته الثانية هذه؟ من الافضل ان لا يطرح السؤال ان كان يريد ان ينام في الليل.

ولكن في هذا الاسبوع بعد لقاء نتنياهو مع الرئيس الامريكي حصلنا رغم ذلك على بعض التلميحات بشأن الاتجاه الذي ستسير عليه المهزلة التاريخية مع ابن المؤرخ بنيامين نتنياهو: كل ما خاف منه تحديدا – اقامة الدولة الفلسطينية وقضية المستوطنات – موضوع الان في مركز الطاولة. هذا يحدث بسببه هو ايضا بدرجة كبيرة. كل ما كان ضريبة كلامية او وعدا غامضا من قبل رؤساء الوزراء السابقين تحول بصورة مأساوية الى اختبار النار لبنيامين نتنياهو. وكل هذا من قبل ان يمر حتى نصف المائة يوم على حكمه.

فجأة نسيت حقيقة انه طوال سنوات كثيرة واغلبيتها في عهد حزب العمل كانت "الدولة الفلسطينية" نوعا من الطابو المحرم المطلق. كبتت حقيقة انه في سنوات نشوة التنازلات لدى اولمرت وكاديما وتسيبي لفني وحايم رامون وشركائه تواصلت المستوطنات ولم يتم دفع قضية الدولة الفلسطينية للامام ولو ملمترا واحدا. نسي تفاخر ايهود باراك ان اية مستوطنة لم تزل في عهده. ونسي ان فك الارتباط اريئيل شارون ايضا لم يرتبط بأي شيء مع اقامة الدولة الفلسطينية بل بالعكس.

اضف الى ذلك ان الجدل حتى حول نضج الفلسطينيين عموما لاقامة دولة حقيقية – القضية التي اصبحت قضية حرجة اكثر فاكثر بعد سيطرة حماس على قطاع غزة – قد تبددت هي الاخرى. فجأة وبالتحديد بسبب معارضة نتنياهو المعلنة تحولت "اقامة الدولة الفلسطينية" الى مطرقة سياسية وامرا بديهيا وحقيقة شبه راسخة.

من المحتمل ان هذا الامر لم يكن ليحدث بمثل هذه الكثافة والسرعة، لو ان نتنياهو اقترح تصورا ايجابيا ما بدلا من التركيز حسب طريقته على بث المخاوف واشعال نار الفزع. ولكن تركيزه الاستحواذي على صد الامر الذي يخشى منه اكثر من اي شيء اخر – هو الذي رد هذا الشيء اليه بصورة ارتجاعية.

السخرية الاخرى هي ان كل ما ولد من خلال خدعة دعاوية ضمن العلاقات العامة، هذا المجال الذي يعكف عليه نتنياهو وفشل فيه مرة تلو الاخرى: رئيسة كاديما تسيبي لفني هي التي طرحت قضية الدولة الفلسطينية في مفاوضاتها الائتلافية مع نتنياهو كنوع من ورقة الحبر السري. من هذه التجربة خرج نتنياهو متجهما. الجهاز السياسي ووسائل الاعلام في البلاد والبيت الابيض ركزوا على هذه القضية وكذلك العالم العربي والعالم كله. ما حدث في هذا الاسبوع ليس الا مقدمة لما سيأتي طوال كل فترة حكم نتنياهو مهما استطالت.

لولا ان نتنياهو اراد كثيرا ان يصبح رئيسا للوزراء حتى عندما اصبح رئيسا للوزراء، لما سعى الى هذا الحد لاحاطة نفسه بضرورات ايديولوجية بعد الانتخابات تحديدا وارضاء شركائه الائتلافيين باطلاق احاديث رهيبة حول المستوطنات. وكذلك طرح معارضته للدولة الفلسطينية ودفع العالم كله للتركيز على ذلك من اجلهم.

ولكن نتنياهو يشبه ذلك الشخص الذي يركب دراجة هوائية ويخشى كثيرا من العامود المزروع فوق الرصيف لدرجة اصطدامه به.

وسأخاطر بالتنبؤ: في اخر المطاف سيكون نتنياهو تحديدا رئيس الوزراء الاسرائيلي الاول الذي سيقيم الدولة الفلسطينية قولا وفعلا – او سيسقط بسبب عدم اقامتها. لم يعد بمقدوره الان ان يفصل مصيره عن مصيرها.

القدماء قالوا ان "آلة الحظ تحب الجريئيين" يبدو ان هذه الآلة لا تحب رؤساء وزرائنا ولا تطيقهم.