خبر هناك خطة لإضاعة الوقت .. معاريف

الساعة 09:26 ص|22 مايو 2009

بقلم: بن كاسبيت

في البداية هو خشي من السفر لامريكا. التقاليد مديدة السنوات التي يأتي في اطارها رئيس وزراء اسرائيلي جديد دائما في المقدمة لزيارة رئيس الولايات المتحدة، ويطرح امامه خططه ويحصل على مباركته، انكسرت. بنيامين نتنياهو ارسل امامه عامود الدخان الصاعد امام المعسكر الا وهو شمعون بيرس. الرئيس هذا الرجل الرومانسي الذي لا يوجد له مثيل، كان داعية وعد الرئيس اوباما بأن بيبي الجديد ليس ما كان عليه ذات مرة وانه يريد ان يصنع التاريخ.

بعد ذلك جاء الملك عبدالله الى واشنطن وغرس عند اوباما افكار السلام الاقليمي وكذلك التعزيزات والجدول الزمني المتزاحم. بيبي في هذه الاثناء كان يعيد دراسة السياسة الاسرائيلية عموما وعملية السلام على وجه الخصوص. اتباعه وعدوا بان يصل الى واشنطن جاهزا مع خطة سلام اسرائيلية جديدة وافكار شجاعة.

ما الذي تمخض عنه كل ذلك؟ ليس كثيرا. اين الخطة الاسرائيلية الجريئة الجديدة، تلك التي كان من المفترض ان تتبلور اثر سلسلة هامة من المداولات الاستراتيجية بما في ذلك اجراء استعراض معمق لكل قادة الاذرع الامنية؟ هم جلسوا مرات كثيرة. بجدية واهتمام كبير. باراك، ليبرمان، يعلون، مريدور وبيغن. كل واحد جلس قبالتهم بدوره مع استعراض معمق. رئيس هيئة الاركان، رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية، رئيس الشاباك، رئيس الموساد، ومن بعدهم مستويات العمل والاستخبارات الاخرى. اذا اين النتيجة؟ ماذا عن الخطة؟ انه لسؤال جيد بالفعل.

ما سنحصل عليه بدلا من ذلك قريبا – خطة سلام امريكية جديدة، مشروع اوباما المعدل الذي سيرتكز على خطة السلام العربية (بالاضافة لحق العودة) – لا تختلف كثيرا عن اتفاق جنيف الذي طرحه يوسي بيلين والذي سيتم تبنيه من قبل اغلبية الدول العربية المعتدلة. هذه القنبلة الزمنية ستتكتك على طاولة نتنياهو.

ان طالب اوباما بـ "نعم" او "لا" كرد على المشروع مثل جيمس بيكر في السابق (الذي طلب من اسحق شامير القدوم الى مدريد)، سيجد بنيامين نتنياهو نفسه في طريق مسدود. "نعم" تعني سقوط الحكومة. "لا" تعني احداث تغير دراماتيكي في مكانة اسرائيل في الولايات المتحدة. لم تعد اسرائيل الابن الوحيد الاوحد. ولا حتى الابن المفضل. ابن ضال ومارق ومتمرد تم تدليله طوال سنوات كثيرة من قبل والديه السابقين وتحول الى شخصية لا تطاق يتوجب الان اعادة تربيتها.

اسرائيل التي كانت "من يقوم بادخال الامور واخراجها" في واشنطن منذ ان بدأنا نتذكر انفسنا، ستفقد هذه المكانة بسرعة. العلاقات الخاصة ستبرد. التحالف لن يكون وحيدا. السؤال الذي يتوجب على نتنياهو ان يسأله لنفسه سيكون، ما هو الامر الهام لامن اسرائيل اكثر من الاخر: المستوطنات ام العلاقات مع الولايات المتحدة. نتنياهو يعرف الرد. السؤال هو ان كانت لديه قوة داخلية لمواجهة هذا السؤال.

ايران اولا

الخطة الاسرائيلية الجديدة تلك التي شكل من اجلها طاقم صياغة خاص كثير المشاركين، تنفض الغبار الان في جوارير منسية في القدس وفي تل ابيب ايضا. ما تبقى منها هو "نقاط للنقاش". هي مكتوبة بالانجليزية على اربع صفحات (ثلاث صفحات بالاضافة لفقرة اضافية في الصفحة الرابعة). العنوان: "سياسة الحكومة الاسرائيلية الجديدة في المجال السياسي والامن القومي. نقاط للنقاش".

الفصل الاول يدور طبععا حول ايران (ثلاث فقرات: "التهديد الايراني لعملية السلام"، "كل الخيارات على الطاوفة"، و "الجدول الزمني").

الفصل القادم يدور حول "عملية السلام". الفقرة الاولى "التوجه الواقعي: تسليم قدر اكبر من الارض للفلسطينيين ليس الحل بكل بساطة. كلنا رأينا ما حدث عندما انسحبت اسرائيل من غزة حيث نشأت هناك دولة ارهابية مدعومة من قبل ايران، على حدودنا الجنوبية. من يريد السلام والمصالحة لن يرغب بتكرار هذا الفشل بالضفة الغربية ايضا نحن بحاجة لنهج واقعي لا يتجاهل اخفاقات الماضي. علينا ان نجد افكارا جديدة وخلاقة تضع الاساس خطوة تلو خطوة للسلام الراسخ القابل للوجود".

الامر يتواصل في نفس الاسلوب بعد ذلك. فقرة حول "عملية ثلاثية المسارات: سياسي امني واقتصادي" فقرة حول "المجتمع في اسرائيل كدولة يهودية" وفقرة حول "التسوية الدائمة". ما الذي كتب هناك؟ "نحن نتطلع لتسوية دائمة تكون للفلسطينيين في اطارها كل الصلاحيات من اجل السيطرة وادارة حياتهم باستثناء عدد قليل من الصلاحيات التي قد تشكل خطرا على المصالح القومية والامنية الحساسة لاسرائيل".

الصفحة الثالثة من الخطة تدور حول "المستوطنات"، "القدس"، "انابوليس"، و "مبادرة السلام العربية". هنا يبدأ الامر باثارة الاهتمام. "حكومة اسرائيل ستحترم كل الالتزامات السابقة بعدم بناء مستوطنات جديدة وتفكيك البؤر الاستيطانية غير القانونية" كتب هناك "قضية المستوطنات ستبحث في التسوية الدائمة ، في هذه الاثناء لا يفترض ان يغير البناء داخل المستوطنات القائمة ما يتفق عليه في المستقبل بصدد مستقبل هذه المستوطنات ضمن اتفاق السلام. فكرة اعتبار المستوطنات العقبة الكبرى في طريق السلام هي فكرة غير منطقية. قبل اربع سنوات فقط قامت اسرائيل بتفكيك 21 مستوطنة. الاف الاشخاص اقتلعوا من منازلهم على امل ان يؤدي ذلك الى دفع السلام للامام بطريقة ما. ما حدث هو عكس ذلك بالضبط: المزيد من المتطرفين والمزيد من الارهاب والاف الصواريخ التي تنزل على رأس المواطنين في اسرائيل".

هناك فقرة مثيرة حول انابولسي: "انابوليس كان عملية تهدف الى الوصول الى اتفاق سلام في اخر 2008. هذا لم يحدث رغم مساعي حكومة اسرائيل السابقة الكبيرة خصوصا لان الفلسطينيين رفضوا ابداء المرونة في اغلبية المسائل.

كعملية كانت في انابوليس عدة عناصر ايجابية، ولكن لسوء الحظ عملية انابوليس لم تتمحور بدرجة كافية حول تغيير الواقع على الارض او انشاء الظروف الصحيحة التي يمكن لعملية السلام في اطارها ان تنجح. نحن عازمون على تبني مثل هذا النهج".

فقرة منفصلة مكرسة لمبادرة السلام العربية تنهي هذه الوثيقة الغربية: "في الماضي قال العالم العربي لا للسلام ولا للاعتراف باسرائيل ولا للمفاوضات. المبادرة العربية من هذه الناحية هي خطوة في الاتجاه الصحيح. ولكن اسرائيل تواجه عدة مشاكل جدية مع عدد من افكار المبادرة بصدد المصالح القومية والامنية الحساسة جدا لاسرائيل. وهكذا في الوقت الذي نرحب فيه بالدعوة للسلام والمصالحة بين اسرائيل والعالم العربي، نعتقد ان تفاصيل الاتفاق يجب ان تبحث بين الجانبين انفسهما. نحن نعتقد ان احتمالات التعاون الحقيقي بين اسرائيل والعالم العربي اكبر من اي وقت مضى. للمرة الاولى منذ مائة عام يواجه العرب واسرائيل خطرا وتهديدا مشتركا. هذا الخطر هو ايران. ان كان بامكاننا ان نعمل معا من اجل مواجهة هذا الخطر المشترك فنحن مستعدون بالتاكيد ايضا للعمل معا وايجاد طريق لدفع السلام للامام".

الوثيقة استهلت اذا بايران وانتهت فيها. ايران هي فصل المقال. هذا عالم بنيامين نتنياهو 2009 هذا الامر الوحيد الذي يهمنا. السؤال هو ما هو الامر الذي يوجد لديه استعداد للتضحية به والى اي مدى يمكنه ان يكون مرنا حتى يعالج هذا التهديد ويمنع "محرقة ثانية". ان كان هو الاخر قد ادرك الامر: وفهم ان الجدل القديم حول عدة جبال في يهودا والسامرة بيننا وبين الفلسطينيين يفقد مغزاه في عهد الصواريخ النووية الايرانية والحرب العالمية الداخلية في الاسلام وخطر الارهاب غير التقليدي.

هل اقتنع ان اسرائيل قادرة على شراء مكان تاريخي لنفسها في المعسكر العربي المعتدل، ان اختارت "حل الـ 23 دولة" وفقا لصيغة الملك عبدالله؟ استمرار الجدل حول كل بؤرة استيطانية والتشبث بكل تلة سيبقينا مع مزيد من الارض ولكن مع قدر اقل من الامن.

شمعون بيرس مثلا على قناعة ان نتنياهو هناك. وان كل ما نراه الان هو زائف وخداع. بيبي سيفعل ذلك كما يقول بيرس لاوباما ولنفسه ايضا. ولكن ما الذي يقوله بيبي في هذه الاثناء؟ هو حتى لا يقول بصوت مسموع "حل الدولتين". بيرس سيضطر عما قريب لسؤال نفسه من الذي يخدع من هنا. واوباما ايضا سيطرح نفس السؤال.

اضداد متواصل

في داخل الغرفة كانت لنتنياهو واوباما محادثة طيبة. الامريكيون ايضا يعترفون بذلك. من الناحية الاخرى بنيامين نتنياهو وبراك اوباما هما ضدان مطلقان. نتنياهو شكاك ولاعب بوكر خداع وغماز لماز ومضلل ويطلق حيلا متناقضة. اما اوباما فصريح مباشر وجريء وقد ادخل للسياسة الامريكية روحا جديدة تماما. هو منفتح ولا يتردد في وضع اوراقه على الطاولة مكشوفة تماما. من الصعب على نتنياهو ان يمارس الخداع في مواجهة مثل هذا النهج.

لا يروق له ابقاء الاوراق سرية. مأساتنا هي ان اوباما قد حصل على نتنياهو تحديدا وبالعكس. فلتتصورا كيف كان من الملائم مثلا ان يستقبل جورج بوش نتنياهو. واية روعة كانت ستنتج من هذا اللقاء. بدل من ذلك حصل بوش على شارون واولمرت. الا ان اوباما كان سيفرح باولمرت وسيتمتع به او بكلمات اخرى: عندما انعطفت امريكا يسارا بعد ثماني سنوات من اليمين المحافظ، استدارت اسرائيل لليمين والان يتوجب على القطبين المتعارضين هذين ان يعملا معا.

من الناحية الاخرى مبدأ المغناطيس يعمل بصورة عكسية. الاضداد تنجذب لبعضها البعض. ربما يحدث ذلك وفقا لقاعدة المغناطيس.

في داخل الغرفة وجد اوباما بيبي مختلفا تماما لا شك ان نتنياهو قال له ان من الواضح ان الدولتين ستقومان في اخر المطاف. فصل مصاعبه السياسية واوضح ان الوقت سيفعل فعله وان من المهم له قبل كل شيء ان يرسخ القيود والاحتياجات الامنية.

بعد ذلك قبالة الصحافيين خرج شيء ما من كل ذلك نحو الخارج. اوباما اثنى على قدرات نتنياهو السياسية وقال انه يثق به في هذه القضية ويعرف انه لن يفوت هذه الساعة المصيرية. تحدث عن انه في الاسابيع والاشهر القريبة سنضطر لدفع عملية السلام. بكلمات اخرى: لا مزيد من التسويف والمماطلة. ايام، اسابيع، اشهر وليس سنوات.

نتنياهو من ناحيته تحدث عن الاسرائيليين والفلسطينيين الذين يعيشون بجانب بعضهما البعض في سلام وأمن . وعندما سئل عن مصطلح الدولتين رد بان الامور ستجري على الارض وان المصطلحات ستبلور نفسها في اخر الطريق.

ما الذي سيحدث الان؟ كما تبدو عليه الامور لن يكون الامر جيدا. الامريكيون يتوقعون الاعلان عن تجميد المستوطنات. جورج ميتشل سيجلس مع الطاقم الاسرائيلي في واشنطن فور اللقاء مع الرئيس وقد عبر عن الاستعجال في هذا الامر . سيأتي الى هنا عما قريب. نتنياهو يعتقد ان بامكانه تأجيل النهاية اخلاء بؤرة او اثنتين. هو مخطىء. في اخر المطاف ستصل خطة اوباما الجديدة والمصائب ستأتي تباعا. لمواجهة كل ذلك يتوجب على نتنياهو ان يعزز ائتلافه مع البيت اليهودي.

في النقاشات المغلقة الدافئة يطرح اتباعه امالا قد تبددت. خلال ثلاثة اشهر كما يقدر احد المقربين لرئيس الوزراء ستسقط الذرة الايرانية في يد الطالبان. هذا سيغير الصورة تماما. لن يكون بامكان امريكا ان تقبل ذلك وهذا سيؤثر ايضا على النظرة للذرة الايرانية. العالم سيهتز وينسى تفاهاتنا مع الدولة الفلسطينية وكل ما هو حول ذلك. شيئا على غرار عملية ابراج التوائم في ايلول عام 2001. بكلمات اخرى: اتباع نتنياهو ينتظرون اعجوبة. شيئا مذهلا وغير متوقع ليغير مجريات النظام العالمي وكذلك سلم الاولويات الامريكي. شيئا يكرس ويوضح نظرية "الاشرار والاخيار" تماما كما فعلت احداث ايلول مع جورج بوش حيث حولته من رئيس جمهوري شكاك الى كاوبوي يمتطي حصانه لاصلاح العالم.

وان لم يحدث ذلك؟ اذا فلن يحدث. بنيامين نتنياهو سينهض ويسقط حراكا. ان تشبث بالاعتبارات الائتلافية فسيقول رام عمانويل ان عليه ان يتوقف عن البلبلة والالتواءات ومن بعد ذلك سيتوجه لتسيبي لفني ويقول لها الحقيقة ويشكل حكومة كان من الواجب تشكيلها من البداية: ليكود كاديما - عمل – ليبرمان. ان كانت شاس تريد الدخول فاهلا وسهلا. وان كان اعضاء الليكود يريدون التمرد فليفعلوا. مثل هذا المعسكر يستطيع التغلب على التمرد والسير مع اوباما وليس ضده.

على مسافة 6 نقاط

خطة احتياطية اخرى عند نتنياهو تتعلق بالمسألة السورية. اشهار الورقة السورية في اللحظة الصحيحة والتلميح بها. هذا لن يكون كافيا على ما يبدو. الان يتضح ان زيارة دانييل ابرهام لدمشق التي كشف النقاب عنها هنا في الاسبوع الماضي لم تكن يتيمة. مارتن اندك السفير السابق والمقرب من الادارة الامريكية الذي كان هنا في تلك الايام رافقه في زيارته. ابراهام توجه للقاء وليد المعلم بعد ان جلس هنا مع المحامي يتسحاق مولكو وعوزي اراد مستشاروا نتنياهو. واقترح على السوريين ما اقترحه عليهم بيبي في المرة السابقة كاقتراح اولي. الخط الجبلي زائد تبادل للمناطق. السوريون اقترحوا في المقابل ما هو اكثر اثارة للاهتمام: هيا نعود للمفاوضات بالوساطة التركية.

الامريكيون سيدخلون للصورة فقط عندما تتضح الظروف للمفاوضات المباشرة. ما هو مصير هذه الاقتراحات؟ ليس معروفا بعد.

نحن بعيدون جدا حاليا عن "السلام تقريبا" الذي اندفع مرة اخرى بين اسرائيل وسوريا عند اولمرت. تلك الزيارة التي قام  بها اولمرت لانقرة كانت اكثر دراماتيكية مما نشر حتى الان. وفقا لمصادر سياسية اوروبية اولمرت تحدث هناك مع المعلم مباشرة عبر الهاتف. محادثة طويلة جدية بوجود رئيس الوزراء اردوغان.

قبيل هذا اللقاء كان من المفترض ان يقوم الجانبان بتمرير ست نقاط كل واحد منهما للاخر من اجل انجاز السلام. اسرائيل ارسلت من جانبها ست نقاط (سلام كامل، نزع سلاح كامل، محطات انذار مبكر، ابعاد القيادات الارهابية من دمشق، ايقاف تسليح حزب الله، قطع الصلة بايران)، السوريون بدل من ارسال ست نقاط ارسلوا لاسرائيل ست نقاط حدودية. كل هذه النقاط كما قالوا ستكون لنا بما في ذلك طبريا والحمة. المكالمة الهاتفية بين المعلم واولمرت رمت الى ازالة الخلافات. اثر هذه المكالمة ان نجحت،  كان من المفترض ان يصل المعلم الى انقرة فورا لمقابلة اولمرت. الا انها لم تنجح . المعلم أصر على النقاط الست ولم يلتزم بنقاط اسرائيل. اولمرت عاد الى البيت. الان اصبح اولمرت ضمن التاريخ. بامكان نتنياهو ان يصنع التاريخ. في اخر المطاف هذا يعتمد عليه وحده.