خبر إمسكه اذا كان بوسعك .. هآرتس

الساعة 09:24 ص|22 مايو 2009

بقلم: الوف بن

ما ميز لقاء براك اوباما وبنيامين نتنياهو في البيت الابيض يوم الاثنين من هذا الاسبوع، كان غياب المفاجآت. اللقاء اعد بجذرية من الجانبين، وكل زعيم كان يعرف ما ينتظره من نظيره. اوباما خصص وقتا للحوار مع ايران، حتى نهاية السنة ونتنياهو وافق على البحث مع الادارة الامريكية في تجميد الاستيطان. هذه هي المواضيع التي ستقف في بؤرة الحديث السياسي في الاشهر القادمة. كل الباقي كان زينة، مثل الطلب من الدول العربية اتخاذ خطوات تطبيع مع اسرائيل او البحث النظري في مسائل مثل "حل الدولتين" او "الاعتراف باسرائيل كدولة يهودية".

ولكن المسألة الحقيقة التي حامت في خلفية النقاش لم تكن سياسية، او استراتيجية، بل سياسية داخلية: "كم زمن سيصمد نتنياهو؟" وقد عادت هذا الاسبوع على لسان الامريكيين المقربين من الادارة، وامريكيين آخرين، اقتبسوا مسؤولين في البيت الابيض، اهتموا بمدى حياة الحكومة الحالية في اسرائيل اكثر مما بالمواقف التي عرضها نتنياهو على محادثيه في واشنطن.

الجواب منوط بالطبع باوباما ايضا: كلما ضغط اكثر على نتنياهو "بوقف المستوطنات"، على حد قوله في الغرفة البيضاوية، هكذا ستتعاظم المشاكل الائتلافية لرئيس الوزراء. هذا هو الشرط الذي يعلق فيه نتنياهو: بقدر ما يرغب في اقناع اوباما بقدرته على توفير البضاعة السياسية سيضعف اساس الدعم له في الداخل ويقصر ايام ائتلافه.

المساعدون بدل الزوجات

نتنياهو أخذ انطباعا قويا من القدرات الشخصية والسياسية للرئيس. فقد وجده يسيطر على نحو لا بأس به على التفاصيل، رغم أن عليه أن يسيطر على تفاصيل عالم كامل، اكثر بكثير من رئيس وزراء اسرائيلي يركز على محيطه القريب. هو لم يظهر انقطاعا وانا لم اظهر عدم اكتراث، روى نتنياهو لاحد مرافقيه بعد اللقاء.

اوباما ليس جورج بوش الذي اكتفى بالحفظ عن ظهر قلب عدة نقاط اساسية للحديث، ورأى العالم ببساطة غطت على انعدام الثقة الثقافية. ولكن اوباما ليس بل كلينتون الذي استطاب ترك الانطباع على محادثيه الاسرائيليين بمعرفة تفاصيل تفاصيل الازقة في القدس، ودرج حتى اليوم على مفاجأة الناس بذاكرته التصويرية وتذكيرهم متى واين التقوا قبل عشرين سنة وماذا كانوا يلبسون في حينه. اوباما يدرس المادة ويمكنه أن يدير حديث عمل ينزل فيه الى التفاصيل ولكنه يتخذ صورة رجل الغابة، وليس رجل الاشجار. فهو يسعى الى الهدف الذي يرسم بخطوط عريضة. وقد دعا الى وقف الاستيطان، فيما ابقى البحث في اغلاق الشرفات لمساعديه.

اوباما يتمتع بعبادة شخصية مثلها لم تكن في امريكا منذ جون كنيدي ان لم يكن قبل ذلك. توجد قمصان اوباما وكتب اوباما وخطابات اوباما والعاب اوباما. الناس الذين يعرفونه يصفونه كشخص واثق من نفسه، مغرور، لا يحاول سحر محادثيه، وترك الانطباع عليهم بقدراته او اغرائهم بان يحبوه.

لقاؤه مع نتنياهو كان موضوعيا جدا. وهذا كان يلائم رئيس الوزراء ايضا الذي ليس رجل الاحاديث الصغيرة عن الرياضة، ويفضل الحديث عن السياسة وعن التاريخ. اوباما اراد أن يأتي نتنياهو لسفرية عمل صرفة، وفي الجدول الزمني لم تظهر بادرات ود شخصية. لا عشاءات حميمة مع الزوجات، بل وجبات غداء مع المساعدين، اختصرت بالكاد لنصف ساعة، بسبب طول الحديث الثنائي. ولا لقاء بين سارة نتنياهو وميشيل اوباما.

الثناء العلني من الرئيس على رئيس الوزراء، امام الصحافيين، كان موجها اساس للمستقبل: "لديه شباب وحكمة (نتنياهو "لا يتفق معه بشأن الشباب")، وهو في موقف نحو تحقيق الاهداف الامنية لاسرائيل وكذا تحقيق السلام التاريخي. وان واثق بانه سيمسك باللحظة". وبترجمة الاداب الامريكية: يجدر به أن يسير في الطريق الذي اخطه. اوباما يريد سلاما اقليميا. مع ايران مكبوحة الجماح ودولة فلسطينية مستقلة. هذا ما سيعرضه في خطابه في القاهرة في 4 حزيران.

نتنياهو أجمل الزيارة على هذا النحو: اتفق مع الرئيس على وضع منع قدرة نووية عسكرية عن ايران كهدف، اتفق على التحريك الفوري للمفاوضات مع الفلسطينيين، وتوسيع دائرة السلام الاقليمي بحيث تبدأ الدول العربية على الفور خطوات التطبيع. لم يكن هناك اتفاق في موضوع المستوطنات او عنوان "الدولتين للشعبين". وتقرر مواصلة المداولات على مستوى التنفيذ، في كل المسائل، سواء تلك التي اتفق عليها ام التي لا تزال موضع خلاف.

نتنياهو تلقى من اوباما التزاما قويا بامن اسرائيل، بأقواله العلنية وكذا بالاتفاقات في الغرفة المغلقة، والتي وعدت بالحفاظ على "الغموض النووي" لاسرائيل وعدم تعريضها للخطر بمبادرات جديدة لنزع السلاح العالمي. يوجد منطق في مثل هذا الموقف: اوباما يطلب من اسرائيل أخذ مخاطر على عاتقها، حيال ايران وحيال الفلسطينيين، وليس له مصلحة في ضعضعة امنها الذاتي. يريد ان يخرج عن سياسة اسلافه، ولكن ليس في موضوع حساس مثل ديمونا.

الاجمال الامريكي، الذي وصفه كاتب الرأي دافيد ايغنشيوس في "واشنطن بوست" كان ان اوباما ثنى نتنياهو. رئيس الوزراء اراد اشتراط التقدم مع الفلسطينيين بتقدم المعالجة لايران. واضطر الى قبول التقدم المتوازي في القناتين، بل واعطاء فرصة للحوار الذي يخطط له اوباما مع الايرانيين. رئيس الـ سي.اي.ايه ليئون بانتا روى في مقابلة صحفية عن زيارته الى اسرائيل قبل بضعة اسابيع حين حذر من عملية عسكرية ضد ايران. وقال بانتا: "نتنياهو يفهم بانه اذا عملت اسرائيل بنفسها فستكون هذه مشكلة كبرى". نتنياهو، حسب مصدر اسرائيلي كبير، لم يعد اوباما الا تعمل اسرائيل، وفقط قال له انه لم يتخذ قرار بهذا الشأن وان اسرائيل "تحافظ على حقها في الدفاع عن نفسها". وهو يتوقع ان يؤدي الحوار الامريكي مع ايران على الاقل الى تجميد البرنامج النووي.

مخاوف غير متشابهة

اوباما لا يزال ينتظر الرد من الايرانيين على اقتراحه الحوار. في هذه الاثناء المؤشرات غير مشجعة: ايران اجرت هذا الاسبوع تجربة على صاروخ بعيد المدى يمكن ان يصل الى جنوب ايطاليا. الاطلاق يمكن أن يفسر كمناورة انتخابية من الرئيس محمود احمدي نجاد ولكن ايضا كاستعراض للقوى ردا على التفاهمات بين نتنياهو واوباما. مصادر امريكية تصر على ان الخطوة الدبلوماسية من اوباما ليست غطاء لتسليم هادىء بقنبلة نووية ايرانية بل محاولة حقيقية لمنعها.

اوباما كرس وقتا كي يشرح لنتنياهو لماذا وعلى ماذا يريد ان يتحدث مع الايرانيين. وحسب نهجه حاول بوش العزل والمقاطعة ولم يحقق شيئا، والحوار سيتيح تعزيز الجبهة الدولية ضد ايران. ليس واضحا ما سمع منه نتنياهو عن "الخيارات الاخرى" التي ستدرسها امريكا في حالة فشل الحوار، او الا يقلع على الاطلاق.

        على الملف الايراني مسؤول في الادارة دنيس روس، رئيس "فريق السلام" في عهد كلينتون. لديه فريق من تسعة اشخاص بينهم جمال هلال، المترجم الاسطوري لمحادثات السلام من مدريد وحتى كامب ديفيد وبضعة خبراء في الشؤون الايرانية. روس زار دول الخليج ومصر وسمع هناك عن القلق المتزايد من تعاظم ايران. التهديد الايراني، وليس حقوق الفلسطينيين، يقف اليوم في رأس جدول الاعمال السياسي لـ "الدول العربية المعتدلة".

هذه الموسيقى لطيفة على نتنياهو، اذ يدور الحديث عن "الفرصة التاريخية" التي تخلق التخوف المشترك لاسرائيل والدول العربية من الايرانيين. ولكن يجدر الانتباه الى أن المخاوف ليست متشابهة. اسرائيل قلقة من البرنامج النووي الايراني والعرب من القوة الاقليمية لايران ومن تآمرها على الانظمة في القاهرة، في الرياض وفي امارات الخليج. السعوديون والمصريون لا يحصون اجهزة الطرد المركزي وغرامات اليورانيوم المخصب في ايران، مثلما يفعل الاسرائيليون. وهم يكتفون بالتحذير من أنه اذا تحقق للشيعة في ايران سلاح نووي، فان السنة سيحققونه ايضا، ويقلقون بقدر اكبر من الارهاب ومن التآمر. اما الامريكيون فيحاولون تهدئة روعهم بتعزيز قوات الجيش والاسطول في الخليج. ولكن هذا لا يكفي. الحكومات العربية، مثل اسرائيل، تريد أن تعرف ماذا ستفعل امريكا في اليوم الذي يفشل فيه الحوار مع ايران.

من أنصت لاوباما في ظهوره المشترك مع نتنياهو لاحظ ان الحديث لا يدور عن شخص مسيحاني يتغذى بايمان ديني عميق، مثل جورج بوش او جيمي كارتر. حديثه واقعي: فقد كرر 13 مرة كلمة "مصالح". مصالح اسرائيل، مصالح امريكا، مصالح المنطقة بل ومصالح ايران. هكذا اوباما يرى العالم كملعب كبير يتنافسون فيه على القوة. وهو لم يذكر "الاحتلال" او "حقوق الفلسطينيين" او تقدم الديمقراطية والحرية في الشرق الاوسط. من ناحيته، حل الدولتين هو جواب على مصلحة قومية امريكية واسرائيل مطالبة بان تستجيب لها، مثلما تتوقع هي الدعم من امريكا لمصالحها الامنية. مشكوك فيه أن يسمع منه احد، مثلما من بوش، بان الله بعثه كي يحل السلام في الشرق الاوسط.

نتنياهو بدا متوترا وقصير النفس، في لقائه مع الصحافيين الاسرائيليين، بعد أن خرج من البيت الابيض. لم يكن هذا بسبب اوباما: فقد تحدث بهدوء مع رجال الحاشية في بلير هاوس وقال لهم انه كان لقاء طيب مع الرئيس، ولكن في اللحظة التي جلس فيها امام الصحافيين تغيرت لغة الجسد لديه وكأنها تقول: "خذوني من هنا". فقد اجاب بجمل قصيرة، وبعد نصف ساعة تقريبا اهتم اذا كان هذا هو السؤال الاخير. مساعدوه تدخلوا في حديثه بين الحين والاخر. يبدو أن نتنياهو لم ينسَ المعاملة التي تلقاها من وسائل الاعلام الاسرائيلية في ولايته السابقة ومن سنواته في المعارضة؛ ودخل في حالة دفاع امام المراسلين الاسرائيليين. بعد ساعتين من ذلك، امام كبار المحللين من الصحافة الامريكية، كان نتنياهو اكثر تحررا بكثير، يشعر وكأنه في البيت بالانجليزية الدبلوماسية. ولكن هناك ايضا، حسب احد المشاركين، لم يجدد كثيرا لمن عرفه من قبل. فقد كان هذا نتنياهو نفسه مع ذات الرسائل.

زيارة نتنياهو الى واشنطن يجب النظر اليها كسفرية جس نبض، كمعركة اولى: اراد أن يفهم كم اوباما قاطع في ضغوطه لتقدم السلام والتصدي لايران، واوباما اراد أن يفهم الى أين يريد نتنياهو ويستطيع السير في القناتين. الاجوبة لن تتضح الا في المعارك القادمة. في هذه الاثناء اوباما سيحاول مد يد للايرانيين، ونتنياهو سيفكر ما العمل بمجلس "يشع".