خبر أيها الإسلاميون ... ما هي وعودكم لإنجاز تطلعات الأمة والإنسانية؟! ..مازن النجار

الساعة 09:10 ص|22 مايو 2009

أسفرت الانتخابات النيابية الكويتية الأخيرة عن تراجع حضور النواب الإسلاميين من مختلف الاتجاهات بعد عقود من نجاحهم في الفوز بثقة قطاع كبير من الشعب الكويتي، والاحتفاظ بعدد مُقدّر من المقاعد في عضوية مجلس الأمة هناك، وما كان يترتب على ذلك من نفوذ ودور في تشكيل الحالة السياسية والاجتماعية والثقافية.

 

وبصرف النظر عن خصوصيات الواقع الكويتي وملابسات الحملة الانتخابية الأخيرة، والعوامل المرجحة أو المثبطة فيها، والتي يمكن الاجتهاد في تفسيرها وتبيان تأثيراتها الجزئية أو الظرفية على المزاج العام للناخبين وتوجهاتهم وردود أفعالهم، سلباً أو إيجاباً، في لحظة الاقتراع، بحيث أفضت إلى تلك النتائج، لا بد من طرح المسألة في سياقها الأشمل، وصولاً إلى قراءة دلالات الحدث.

 

وهنا ينبغي طرح بعض الأسئلة المشروعة: لماذا يقبل الناس على الثقة بأي قوة سياسية أو تيار اجتماعي أو اتجاه فكري دون غيره؟ وما هي العوامل أو السمات أو الفروق التي تجعل من ذلك التيار والفكر الذي يتبناه مطلوباً لدى الناس بشكل خاص، مجيباً على احتياجاتهم ومعبراً عن تطلعاتهم أو محققاً لما يمنح حياتهم الغاية والمعنى؟

 

الإجابة على هذه الأسئلة تقود بالضرورة إلى تحديد مصادر شرعية التمثيل الطبيعي الفعلي قبل التمثيل النيابي، وملامح الصورة التي ينبغي تشكيلها واستكمال عناصرها لأجل الوصول إلى تحقيق إجماع أو توافق وأغلبية. ولكي لا نطيل مسار التحليل، نستدعي الأسباب التي تؤدي إلى ظهور الأفكار الكبرى في سياق التجربة الإنسانية الممتدة، خاصة التجربة التاريخية للأمة العربية الإسلامية.

 

شهد العالم، في القرن السابع الميلادي، مولد الحضارة العربية الإسلامية على يد خاتم النبيين والمرسلين، صلوات الله وسلامه عليه وعلى إخوانه النبيين جميعاً. جسدت تلك الحضارة معاني وقيم رسالة الله الخاتمة إلى الناس كافة، وأصبح شخص النبي (ص) المثال الأعلى والقدوة الأسمى في تاريخ البشرية. جاء الوحي الكريم ليقود حركة التاريخ ويقيم على الأرض مثال العدل والإحسان الإلهي، وكان الوحي الإلهي مصدر الطاقة الهائلة لحركة الهدى ودين الحق، الذي وعد الله سبحانه بإظهاره على الدين كله، ولو كره الكافرون. ومنه نبتت وأينعت وأثمرت وعود الإسلام التي تلقتها إنسانية كانت تعيش جاهلية العصور الوسطى من ظلام وظلم وعنت وفساد واستعباد، كما تتلقى الأرض العطشى قطرات الغيث النازل من السماء.

 

ورغم كافة محدوديات وقدرات الواقع العربي اجتماعياً واقتصادياً وثقافياً ومادياً، آنذاك، فقد تمكن جند الإسلام الذين حملوا معاني الرسالة وروحها ومقاصدها العظيمة من تغيير الواقع العالمي في بضع عقود من الزمان، وأنجزوا تحولات تاريخية وحضارية وإنسانية مذهلة في اتساعها وعمقها ومساحة فعلها. هذا المشروع الضخم لم تنجزه جيوش إمبراطورية كاسحة، بل جند يجدون بالكاد ما يقيم أودهم، وبقليل تيسر لهم من عدة وعتاد. لكن وعيهم برسالتهم والوعود التي يحملونها للإنسانية كانت أجلى من ضياء الشمس. وقد عبر أحدهم عن مهمته الاستراتيجية الحضارية فقال: جئنا نخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة ومن ظلم الأديان إلى عدل الإسلام.

 

في مواجهة هذه الرؤية، لم يكن هناك مناص من سقوط منظومات القهر وإمبراطوريات الظلم وأوضاع الفساد المستشرية في العالم آنذاك. جاءت وعود الرسالة واضحة قوية، فقوضت ما اعترضها من عوائق مادية وعروش وجيوش وأوضاع، نخرها سوس الفساد والظام والشرك، لتفسح المجال لرسالة العدل والرفق والإحسان والتسامح. كانت نقطة البدء والمآل في تلك الرسالة هي الإنسان الذي اصطفاه وكرمه الله، وأنطقه بالبيان، وعلمه الأسماء كلها، واستخلفه في الأرض، وأوحى إليه آياته وبيناته، وقدسه بالشرائع والشعائر، وكرس حرمته وحقوقه، وحرم ظلمه واضطهاده، وحرره بالتوحيد من كل طاغوت، وسخر له الكون. بذلك، يتميز الإنسان عن باقي مخلوقات الله، فهو يفكر ويتأمل، ويتلقى من الله، ويتعرف عليه ويتواصل معه، ويتقرب إليه، ويمتثل له، ويتفاعل معه.

 

العودة إلى هذه المنطلقات ضرورة قصوى في هذه الحقبة الرازحة تحت سيطرة منظومة حداثة إمبريالية عالمية قائمة على الصراع والنفي، فأغرقت الإنسانية بقرونها الأخيرة في الاستعمار والدمار وحروب الفناء والإبادة العالمية والعنصرية والطغيان والنهب، واستلبت منظومة فكرها وقيمها وجدان ومخيلة جزء كبير من البشرية، وهيمنت على أرزاقها وسبل عيشها. وبقدراتها العنفية الهائلة استأثرت بالثروة والقوة بشكل غير مسبوق تاريخياً.

 

يمر العالم اليوم بمرحلة تمثل مفترق طرق في التاريخ البشري، كيوم نزول الوحي برسالة الله الخاتمة، حيث الإنسانية غرقى في دياجير الظلم والظلام والجهل وانعدام الأفق وفقدان المعنى والغاية، وحيث أمة التوحيد الخالدة المصطفاة لإبلاغ كلمة الله الخاتمة وإقامة العدل والإحسان، واقعة بدورها تحت نير هيمنة إمبريالية تصد عن سبيل الله، وتعادي كل خير وعدل ومقدس.

 

كيف السبيل إلى تحرير أمة التوحيد لتستأنف دورها العظيم في مسيرة وهداية الإنسانية نحو وجه ربها الكريم.

 

في غزوة بدر الكبرى، وقف خير خلق الله طراً سيد البشر النبي الأمي الطيب الطاهر الزكي (ص) مبتهلاً داعياً راجياً متضرعاً: اللهم إن تهلك هذه العُصبة فلن تُعبد في الأرض أبداً. وكانت بدر نصراً مؤزراً غيّر التاريخ.

 

واليوم أقول لكل مخلص: إن لم تتحرر هذه الأمة من هيمنة إمبريالية الصراع والنفي، لتحمل الهدى ودين الحق إلى البشر كافة، فكيف يتسنى للإنسانية الانعتاق من ربقة الطاغوت والمسير نحو وجه الله الكريم. في هذه اللحظة من الزمن، الإنسانية أحوج ما تكون إلى أمة التوحيد، ودورها في إقامة الهدى ودين الحق، وإظهاره على الدين كله، وهو وعد إلهي لم يتحقق بعد تمامه في أربعة عشر قرناً، لكنه قادم لا محالة بإذن الله.

 

في ضوء كل ذلك، ليس مهماً "جداً" ربما إن زادت أو نقصت المقاعد النيابية لهذا الاتجاه أو ذاك، في الكويت أو في غيرها، إن هي إلا وسائل وتفاصيل؛ لكن غاية الأهمية في استحضار وإحياء معنى ووعود الرسالة الخاتمة للإنسان والإنسانية، وتحتاجها الإنسانية اليوم أشد الحاجة. هنا ينبغي العودة إلى الإنسان المستخلف في الأرض.

 

هل يعقل أن تترك قضية الإنسان والانتصار لكرامته فريسة وحكراً لحداثة الصراع والنفي، وأن لا تنهض بها أمة التوحيد؟! كيف يقف المخلصون ضد تمكين ضعفاء الأمة والشرائح الاجتماعية الأقل حظاً؟! وكيف يتأخر موقفهم حتى عن مواكبة فتات وعود المنظومة الحداثية الإمبريالية؟!

 

أيها الإسلاميون ما هي وعودكم للأمة والإنسانية؟!