خبر خلفيات شبكات التجسس الإسرائيلية في لبنان .. صالح النعامي

الساعة 08:41 ص|21 مايو 2009

صالح النعامي

من الطبيعي والمألوف أن تتجنب الدوائر الرسمية في إسرائيل التعليقَ على إعلانات قوى الأمن اللبنانية المتتالية عن كشف شبكات الجواسيس الذين اعترفوا بأنه قد تَمَّ تجنيدهم من قبل جهاز " الموساد " منذ سنوات؛ ليقوموا بتقديم معلومات حول حزب الله وحركاتِ المقاومة الفلسطينية وسوريا.

 

لكنّ مَنْ رَصَدَ جملة العِبَرِ التي استخلصتها إسرائيل من حرب لبنان الثانية، عليه ألَّا يُفَاجَأَ بالمطلق، من كثرة الخلايا التي يتم اكتشافها، والتي هي بالتأكيد جزءٌ يسيرٌ من الخلايا التي يُفْتَرَضُ أن الموساد زَرَعَهَا ولم يتم كشفها بعد.

 

فقد توصلت إسرائيل في أعقاب الحرب الأخيرة إلى استنتاجٍ هامٍّ، مفادُهُ أنّ تكثيف العمل الاستخباري الإسرائيلي في لبنان، هو أحد عِبَرِ حرب لبنان الثانية، حيث إن جميع اللجان العسكرية التي شُكِّلَتْ في أعقاب الحرب لتفسير فشل الكيان الصهيوني في الحرب قد أجمعتْ على أن هذه الحرب أبرزتِ العديدَ من مظاهر القصور في مجال جمع المعلومات الاستخبارية، وهو ما أدى في النهاية إلى عجز إسرائيل عن حسم المعركة لصالحها، رغم تفوقها بشكل هائل على حزب الله.

 

ويقول اليكس فيشمان، المعلق العسكري لصحيفة يديعوت احرنوت: إن الاستخباراتِ الإسرائيليَّةَ فَشِلَتْ في التنبؤ بإمكانية أن يقوم حزب الله بِأَسْرِ الجنديين، كما أنه عندما أعلنت تل أبيب الحرب، تبيَّنَ أنه لم يكن لدى هذه الاستخبارات معلوماتٌ دقيقةٌ عن أماكن تخزين ونصب صواريخ حزب الله، الأمر الذي أتاح للحزب مواصلة إطلاق الصواريخ حتى آخرِ يومٍ في الحرب، الأمر الذي أدَّى لأول مرة إلى نزوح عشرات الآلاف من الإسرائيليين عن مستوطنات الشمال، مما ترك آثارًا مُدَمِّرَةً على المزاج العام للجمهور الإسرائيلي.

 

ولم يَفُتِ الكثيرين من كبار قادة الاستخبارات والمفكرين الاستراتيجيين في إسرائيل أنْ يُؤَكِّدُوا على أن المعلومة الاستخبارية تُمَثِّلُ في الحقيقة جزءًا أساسيًّا من النظرية الأمنية الإسرائيلية.

 

ويقول رئيس شعبة الاستخبارات الإسرائيلي الأسبق شلومو غازيت: إنّ تَوَفُّرَ المعلومات الاستخبارية الدقيقة مَنَحَ الجيش الإسرائيلي دائمًا القدرةَ على توجيه ضرباتٍ قاصِمَةٍ وخاطفة للجيوش العربية وحركات المقاومة الفلسطينية، وهذا ما أدى إلى تقليص فترات الحروب مع الدول العربية، الأمر الذي سمح بعودة الحياة الطبيعية إلى مسارها في إسرائيل بسرعة كبيرة.

 

من ناحيته يقول الخبير الأمني الإسرائيلي أمير أورن: إن قُدْرَةَ إسرائيل على الحصول على استخبارات " ممتازة " مكَّنَتْهَا من الاحتفاظ بجيش نظامي صغير، بحيث إنه لا يتم استدعاءُ قوات الاحتياط إلا في حالةِ تَمَّ شَنُّ حَرْبٍ هجومية على الدولة.

 

ويؤكد أورن أن حقيقة اعتماد الجيش الإسرائيلي في 70% من قواه البشرية على قوات الاحتياط، يعني أن قدرة العرب على إطالة أمد أي حرب سيؤدي إلى نتائج كارثية على إسرائيل؛ من هنا كانت هناك دوماً حاجة ماسة إلى معلومات استخبارِيَّةٍ دقيقة عن " العدو العربي ".

 

ومما لا شك فيه أن إسرائيل احتاطت لحربها على غزة عَبْرَ تكثيف الجهد الاستخباري القائِمِ على تجنيد عدد كبير من العملاء، والذي يُدَلِّلُ على الدور الحاسم الذي لعبه العملاء في مساعدة الجيش الإسرائيلي خلال الحرب الأخيرة، ما كشف النقاب عنه قائِدُ لواء المظليين في الجيش الإسرائيلي، والذي شارك في الحرب الجنرال هرتسيل هليفي، الذي أكَّدَ أن المعلومات التي نقلها العملاءُ للمخابرات والجيش الإسرائيلي خلال الحرب كان لها بالِغُ الأَثَرِ في مَنْعِ تَكَبُّدِ الجيش خسائِرَ كبيرةً.

 

وفي مقابلةٍ أجرتها معه القناة الثانية في التليفزيون الإسرائيلي، قال هليفي: " لولا الدَّوُر الذي لعبه العملاء في مساعدتنا لَوَقَعَتْ خسائِرُ فادحة، ولما تَمَكَّنَّا من إنهاء الحرب بخسائِرَ قليلة نسبيًّا، فلو سقط عددٌ كبير من الجنود لثارتْ ثائِرَةُ المجتمع الإسرائيلي، ولما قَبِلَ بمواصلة الحرب "، على حد تعبيره.

 

وأشار إلى أنّ الجيش الإسرائيلي شَرَعَ في شن الْحَرْبِ على القطاع، ولديه الكَثِيرُ من المعلومات الحساسة والهامة عن إمكانيات المقاومة الفلسطينية، وبالتالي لم تكن هناك أمورٌ مفاجئة خلال الحرب.

 

وأضاف: " لقد تَلَقَّيْنَا معلوماتٍ ووصفًا دقيقًا جدًّا، حيث أرْشَدَنَاَ العُمَلَاءُ إلى المنازل المفخخة بالمتفجرات، وأين تم زَرْعُ العبوات الناسفة، بالقرب من أي عامود للكهرباء، وتحت أي شجرة "، على حد تعبيره. واعتبر هليفي أن النجاح في الحرب على قطاع غزة تَمَثَّلَ في نجاح الاستخبارات.

 

ومن ناحية فنية، فإنه لا خلاف بين قادة الأجهزة الاستخبارية الإسرائيلية على أفضلية المعلومات الاستخبارية التي يمكن الحصول عليها حول العالم العربي من مصادِرَ بشرية، أي عن طريقِ زَرْعِ عملاء عربٍ في الدول العربية المستهدفة.

 

ويقول آفي ديختر، وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي، والذي شغل في الماضي مَنْصِبَ رئيس جهاز " الشاباك ": إن المعلومات التي يُحْصَلُ عليها من المصادر البشرية تكون في الغالب موثوقةً أكثرَ من المعلومات التي يمكن الحصول عليها بالوسائل الإليكترونية، مثل التَّنَصُّت، ومتابعة الأقمار الصناعية، التي في كثير من الأحيان يصعب تفسيرها، على حد قوله.

 

ويجزم أن بعض المعلومات الحيوية لا يمكن الحصولُ عليها إلا عَبْرَ المصادر البشرية. ومن هنا، فإن إسرائيل- بالنسبة لديختر وجميع قادة الأجهزة الاستخبارية الإسرائيلية- مُطَالَبَةٌ بمضاعفة الاستثمار في مجال تجنيد المزيد من المصادر البشرية داخل الأراضي الفلسطينية، وفي الدول العربية؛ للحصول على المعلومات الحيوية.