خبر فراغ الحوار الفلسطيني! ..عبد الستار قاسم

الساعة 05:53 م|20 مايو 2009

الحوار الفلسطيني الفلسطيني مستمرٌّ منذ عام 1996، ولم يوصل الشعب الفلسطيني حتى الآن إلى حالةِ استقرارٍ داخِلِيٍّ، على الرغم من أنه أنتج اتفاقين؛ اتفاق القاهرة عام 2005، واتفاق مكة عام 2007. ولكن الحوار يدور في فراغ، وكأنه حوار طرشان! ويكتفي المتحاورون بإسماع شعبهم والأمةِ العربية عباراتٍ جميلةً تدعو إلى تفاؤلٍ لا يَلْبَثُ أن يتحول إلى إحباط. وتستمر وسائل الإعلام ببثِّ التقارير، ويستمر استنزاف الشعبِ الفلسطينِيِّ على كافة المستويات.

 

من الناحية العلمية والمنطقية، يدعو الفشل صاحِبَهُ إلى إعادة التفكير فيما يقوم به من نشاطاتٍ، سواءٌ على المستوى الفكريِّ أو المنهجي. قد يكون سَبَبُ الفشل فكريًّا، أو عائدًأ إلى المنطلقات الأساسية للنشاط، وقد يكون ناجمًا عن أسلوب العمل ووسائله.

 

وغير العاقل هو الذي يرى الفشل أمام عينيه، ويُصِرُّ على الاستمرار، دون مراجعةٍ للمضمون والشكل، ومَنْ يُصِرُّ على الاستمرار في الطريق الموصلةِ إلى الفشل إنما يُصِرُّ على الفشل. والخشية على الساحة الفلسطينية أن تستمر الفصائل في الحوار، ليس بهدف الوصولِ إلى نتيجةٍ إيجابية، وإنما لِئَلَّا يُقَالَ عنها إنها لا تريد الحوار.

 

من المهم الانتباه إلى نقطتين هامتين في هذا الشأن، إذا أرادت الفصائل التَّوَصُّل إلى نتيجةٍ، وهما تتعلقان بأسباب محنة الشعب الفلسطيني الآن:

 

الاتفاقيات مع إسرائيل، والمشاحنات الفصائلية التي انتهت إلى اقتتال دموي.

 

فالشعب الفلسطيني يعاني بصورة متصاعدة داخليًّا وخارجيًّا منذ تم توقيع الاتفاقيات مع إسرائيل، وهو يعاني أيضا من الخلافات الفصائلية؛ حيث تدهورت الأوضاع المعيشية والاجتماعية والاقتصادية والأخلاقية في الضفة الغربية وغزة، وتصاعدتْ إجراءاتُ الاحتلال الهادفةُ إلى تهويد الأرض، وتصفيةِ القَضِيَّةِ الفلسطينية. أما الصراعات الفصائلية فرفعتْ من منسوب الأحقاد الداخلية، والبغضاء، والكراهية، ومزَّقَتِ الشَّعْبَ وأَضْعَفَتْهُ أمام نفسه وأمام الآخرين.

 

السؤال الآن هو: هل يمكن إقامة حوار فلسطيني يعزل الحياةَ المدنيةَ واليومِيَّةَ للشعب الفلسطيني عن مآسي الخلافات الفصائلية، وعن الاتفاقيات مع إسرائيل؟ إذا كان حل الخلافات الفصائلية غيرَ ممكنٍ الآن، فعلى الأقل، هل بالمقدور تجنيبُ الشعب كُلَّ هذه المصائب التي ما زالت تَحُلُّ به وتُلَاحِقُهُ في حياته اليومية؟

 

أرى أن ذلك ممكنٌ فقط من خلال البحث عن معادَلَةٍ تعود بالشعب إلى الوراء، فيعود انسجامه الداخلي إلى مستوياته السابقة، وتعودُ مُقَارَعَتُه للاحتلال على أُسُسٍ من الوَحْدَةِ الوطنية الشعبية. هذا يمكن أن يتأَتَّى من خلال مداولاتٍ بين مُثَقَّفِين وأكاديميين ومُفَكِّرين فلسطينيين بتفويضٍ من الفصائل الفلسطينية. الفصائل ليستْ مُؤَهَّلَةً للبحث في هذه المعادلة؛ لأنها لا تستطيع عَزْلَ نفْسِهَا عنها، أمّا مَنْ هم من خارج الفصائل، فيملكون هذه القدرة بصورةٍ موضوعية؛ لأنهم ليسوا فصائليين. لكن المشكلة تبقى في الإرادة الفصائلية التي ما زالتْ تَفْرِضُ نفْسَهَا على الشعب، وتَجْبُرُه على دفْعِ أثمان الصراع والاقتتالِ.

 

ربما يَكْمُنُ الحَلُّ في إزاحة الفصائل عن إدارة شئون الشعب الفلسطيني اليومية والمدنية، وتجنيبِ الأطفالِ والنساءِ والمدارسِ والمستشفياتِ والجامعاتِ آثارَ ما يتَرَتَّبُ على خلافات سياسية. من الممكن أن يتم هذا من خلال إنشاءِ مجلسٍ إدارِيٍّ فلسطينِيٍّ يُشْرِفُ على الحياة اليومية والْمَدَنِيَّة للشعب في الضفة وغزة، ودون أن تكون له صلاحياتٌ سياسِيَّةٌ أو أَمْنِيَّةٌ ذاتُ علاقة بإسرائيل. يقوم هذا المجلس بإعادة ترتيبِ مُخْتَلِف الأوضاع الإدارية في الضفة وغزة، ويُوَحِّدُ الناسَ في هذين القطاعَيْنِ، ويكتفي بالإشراف على جهازِ الشرطة الذي من المفروض أن يُحَافِظَ على الأمن المدني الفلسطيني. أما الأجهزة الأمنية الأخرى فيَتِمُّ استيعابُ أفرادِها في مؤسساتٍ أخرى، ويتم تجميدُ كافة نشاطاتها.

 

بالنسبة للأمور السياسية، لا ضير في أن تنتظر حتى يتِمَّ إعادةُ تَشْكِيلِ منظمة التحرير الفلسطينيةِ على أساسِ ميثاقٍ فلسطينيٍّ جديدٍ، وبطريقةٍ يُشَارِكُ فيها الجميع. المنظمة، بعد إعادة تشكيلها، تَتَوَلَّى الإشرافَ على شئون الشعب الفلسطيني في كافة أماكن تواجده، بما في ذلك الضفة وغزة، ويبقى المجلس الإداري أحدَ أدواتها التنفيذية. المنظمة في حينه تَسْتَطِيع أنْ تُقَرِّر كيف ستعمل من الناحية السياسية، ومن ناحية التعامُلِ مع الاحتلال، ربما تُقَرِّرُ أن المقاومة هي الطريقُ الصَّحِيحُ لتحقيقِ آمالِ الشعبِ الفلسطيني، وربما ترى أن الْمَزْجَ بين المقاومةِ والعَمَلِ السياسِيّ هو الطَّرِيقُ الأَسْلَمُ، لكنّ المهم في كل الموضوع أن المنظمة الجديدة ستكون مُعَبِّرَةً عن الإرادة الفلسطينية العامة وتعمل وَفْقَها.

 

هذا حَلٌّ يُحَوِّل الصراعاتِ الفلسطينيَّةَ إلى صراعاتٍ بين الفصائل فقط، وغالبًا يضعها في موقفٍ حرجٍ، بحيث تكتفي بإبقاءِ هذا الصراع صراعًا لفظيًّا خارِجًا عن منطق استعمال السلاح. لكنه حَلٌّ قد يُغْضِبُ إسرائيل؛ لأنها دائما تُصِرُّ على التنسيق الأمني، وتربط أموالَ الدعم بقدرة السُّلْطَةِ الفلسطينية على ملاحقة مَنْ يُسَمَّوْن بالإرهابيين. وبالتأكيد ستعترض الولايات المتحدة، وستَطْلُب من الدول المانِحَةِ عَدَمَ صَرْفِ رواتب الموظفين. لا شك بأنّ الصعوباتِ وارِدَةٌ، لكنْ من المفروض أن نسأل: أيُّهَما أقسى: الإبقاء على حالة التدهور الفلسطيني الداخلي، أم الصبر على قسوةِ القُوَى الخارجية؟ أيهما له الأولوية: إرضاءُ الآخرين، أم التَّوَافُقُ الداخلي الفلسطيني؟

 

تاريخيا،عندما يتوحد  الشعب الفلسطيني تتطور قدرته على مواجهة مختلف التحديات والصعاب. وفي كل الأحوال، لا يُمْكِنُ التَّوَصُّل إلى توافُقٍ فلسطينيٍّ بناءً على تلبية متطلباتٍ خارجيةٍ.