خبر سيناريو الهرب من « حل الدولتين » ..مصطفى البرغوثي

الساعة 10:30 ص|20 مايو 2009

ـ الاتحاد 20/5/2009

لا أستطيع أن أتذكر لقاءً أكثر أهمية جمع بين رئيس أميركي ورئيس وزراء إسرائيلي كذلك الذي جمع يوم أمس أوباما و نتانياهو، فهل ستتحلى الإدارة الأميركية بالشجاعة الكافية لتحدي نتانياهو، أم أن كل ذلك الحديث عن التغيير سينهار أمام الضربات المتتالية لرئيس الوزراء الإسرائيلي ولجنة العلاقات العامة الأميركية الإسرائيلية المعروفة باسم "إيباك"؟ الحقيقة أني بتُ مقتنعاً أنه إذا فشل أوباما في التحدث بصراحة الآن، فإن حل الدولتين سيكون قد وُئد إلى الأبد، فاستمرار واشنطن في التهاون كما حدث طيلة الثماني سنوات الماضية وتقاعسها عن لعب دور محايد ومنصف سيعهد بالقدس والضفة الغربية وحل الدولتين إلى حركة التوسع الإسرائيلية التي ستقضي لاحقاً على أي قدرة لواضعي الخرائط في ترسيم حدود دولة فلسطينية قابلة للحياة. فإما اليوم أو نسيان الموضوع نهائياً، لأنه إذا افتقد أوباما الإرادة السياسية للوقوف في وجه نتانياهو اليوم، فهو لن يكون قادراً على مواجهته في المستقبل، وبوصول موعد مغادرة أوباما للبيت الأبيض سيكون الوقت قد تأخر لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، أو الوصول إلى دولة حقيقية عدا أرخبيل متفرق من البلدات الفلسطينية المنعزلة عن بعضها بعضا، والحال أننا نحن الفلسطينيين نسعى إلى الحرية وليس إلى نظام للأبرتايد، أو ذلك النموذج من القرى الفلسطينية في الضفة الغربية التي يسعى نتانياهو للترويج لها باعتبارها مكانا للازدهار الاقتصادي، فنحن وإن كنا نتطلع لتحسين أوضاعنا الاقتصادية، إلا أننا نرى بأن أفضل طريقة لتحقيق ذلك ستكون عبر تولي أمور حياتنا بأنفسنا وإدارة مواردنا وحدودنا دون تدخل من أحد.

وقد سمعت وزير الخارجية الجديد في إسرائيل، "أفيجدور ليبرمان" يقول خلال لقاء صحفي في شهر أبريل المنصرم إن "أميركا ستقبل جميع قراراتنا"، لكني زرت واشنطن في شهر فبراير الماضي ولم ألمس شخصياً ما تحدث عنه "ليبرمان"، بل سُررت لسماع أن إدارة أوباما لا تنوي الانحياز لأي طرف من الطرفين، وهو كل ما كنا نطالب به نحن الفلسطينيين طيلة السنوات الماضية. بيد أن نتانياهو، وعلى غرار سنوات حكمه خلال التسعينيات، يعتقد أنه القوة الأولى التي تدفع العالم وبأنه على الرئيس الأميركي السير على هديه، هذا الشعور وثقه كبير المفاوضين الأميركيين في الشرق الأوسط "دينيس روس" في مذكراته حيث سجل إحباط الرئيس كلينتون واستياءه من الطريقة التي يتعامل بها نتانياهو، وكأن بلاده هي القوى العالمية الأولى وليست الولايات المتحدة. ومع الأسف لا يبدو أن ذلك تغير كثيراً اليوم، إذ كيف يمكن تفسير تصريحات المسؤولين الإسرائيليين في الآونة الأخيرة التي تشترط قبل معالجة القضية الفلسطينية والدخول في صلب المواضيع الأساسية في المفاوضات أن تتعامل واشنطن مع الملف النووي الإيراني؟ والواقع أن المحاولات الجارية حالياً على قدم وساق للربط بين الموضوع الفلسطيني وإيران يثير قلقي لأنه يعني أن مروجيه الإسرائيليين يضعون إيران في صدارة انشغالاتهم بينما يعتزمون تجميد الموضوع الفلسطيني مرة أخرى والقفز عليه، وهو ما عبر عنه بصراحة "داني أيالون"، نائب وزير الخارجية الإسرائيلية وممثل حزب "إسرائيل بيتنا" المتطرف عندما قال في شهر أبريل الماضي إن "الساعة الإيرانية تقاس بالشهور" في حين أن الساعة الفلسطينية "مفتوحة إلى ما لا نهاية".

 تواجه إسرائيل خيارين: إما الموافقة على حل الدولتين، أو العيش في عزلة دولية لأن العالم غير مستعد لقبول نظام أبرتايد جديد يتستر وراء غطاء التنمية الاقتصادية.

لكن ما يفشل "أيالون" و"ليبرمان" ومعهما نتانياهو في إدراكه أن المجتمع الدولي بات واعياً بمحاولة إسرائيل فرض جدول زمني معين على تطلعات الفلسطينيين للتحرر والاستقلال، وهذا بالطبع لم يعد مقبولا في القرن الحادي والعشرين، ومع ذلك يبدو أن ما يريده نتانياهو لا يخرج عن اثنين: إما جدول زمني طويل الأمد، أو رفض قيام الدولة الفلسطينية من الأساس، ففي شهر مايو من العام 2002 عندما صوتت اللجنة المركزية لحزب "الليكود" على قرار يقضي بأن "لا دولة فلسطينية ستقوم غرب نهر الأردن"، دعا نتانياهو أعضاء الحزب للمصادقة على القرار، ولغاية اليوم لم يتبَن نتانياهو فكرة قيام الدولة الفلسطينية، رغم أن حل الدولتين كان من ثوابت السياسة الإسرائيلية لسنوات متعاقبة، وهو يطمح اليوم إلى تقويض فكرة الدولتين من أساسها من خلال المماطلة، وكسب الوقت، ما يفسح في المجال لمواصلة بناء المستوطنات. ومؤخراً أضاف نتانياهو مطلباً آخر يدعو فيه إلى اعتراف الفلسطينيين بإسرائيل كدولة يهودية بهدف خلق المزيد من الإرباك وتأخير مفاوضات السلام، وهو مطلب لن يقبله الفلسطينيون لأنهم ليسوا في وارد التضحية بحقوق المواطنين الفلسطينيين داخل إسرائيل لإقناع هذه الأخيرة بالجلوس إلى طاولة المفاوضات، وفي هذا السياق لا نؤمن أن إسرائيل قادرة على الجمع بين الديمقراطية ومحاولاتها إقصاء الفلسطينيين.

ويبدو أن إسرائيل تسير في اتجاه يخالف مقتضيات القرن الحادي والعشرين وخطاب أوباما الجديد، فنحن لم نعد نعيش في عالم قائم على الفصل كما كان عليه الحال في عهد الرئيس ترومان وديفيد ين جوريون عندما قامت دولة إسرائيل، لكن اختيار نتانياهو لوزير خارجية مثل "ليبرمان"، الذي قال مرة إن "الأقليات هي أكبر مشكلة في العالم"، يدل على عدم مواكبة إسرائيل للتغيرات العالمية. لذا تواجه إسرائيل خيارين: إما الموافقة على حل الدولتين، أو العيش في عزلة دولية لأن العالم غير مستعد لقبول نظام أبرتايد جديد يتستر وراء غطاء التنمية الاقتصادية، ومع الأسف سيتحمل الفلسطينيون العبء الأكبر للسياسات الإسرائيلية المماطلة سواء تعلق الأمر بالفلسطينيين داخل الأراضي المحتلة، أو بإخوانهم داخل إسرائيل ما دامت هذه الأخيرة تعرف نفسها بطريقة تقصي مواطنيها العرب وتغمط حقوقهم.