خبر أوباما ونتانياهو.. صراع الإرادات ..جاكسون ديل

الساعة 10:28 ص|20 مايو 2009

 

ـ الاتحاد 19/5/2009

يدشن أوباما اليوم علاقة دبلوماسية من المرجح أنها ستكون على قدر من الحساسية والتعقيد، والإزعاج، والاضطراب، ربما أكثر مما ستكون عليه أية مسألة أخرى يواجهها خلال السنوات الأولى من ولايته كرئيس. ومع ذلك، فإن اجتماعه برئيس الوزراء الإسرائيلي اليميني "نتانياهو" في البيت الأبيض لن ينتج على الأرجح ذلك الانفجار في العلاقة بين أميركا وإسرائيل الذي يتوقعه البعض، إذ إن الاحتمال الأكثر ترجيحاً هو أن يدخل مجرد تعديل طفيف فحسب على درجة تناغم تلك العلاقة.

غير أن المؤكد، مع ذلك، هو أنه سيفتتح بهدوء صراعات إرادات بين سياسيين مختلفين جد الاختلاف (أوباما ونتانياهو)، وهو صراع يمكن أن يساعد على تحديد ما إذا كان الشرق الأوسط سيتحول نحو عهد من دبلوماسية المفاوضات والوفاق، أم نحو تفاقم الصراع والمواجهات.

ولا شك في أن أوباما يسعى إلى الخيار الأول: فهو يأمل في جر إيران إلى طاولة المفاوضات حول برنامجها النووي، في الوقت الذي يريد فيه نزع فتيل الاستقطاب بين محور إيران وسوريا، و"حماس"، و"حزب الله"، من جهة، ومحور الدول العربية السنية، من جهة أخرى.

ويحتل إحياء مباحثات السلام العربية- الإسرائيلية أهمية مركزية في هذه الرؤية. فمن خلال التحرك نحو التوصل إلى تسوية مع سوريا، ولبنان، والفلسطينيين، يمكن عزل المتطرفين الأكثر تصلباً.

أما نتانياهو، فعلى النقيض من ذلك، حيث ينظر إلى إيران على أنها نسخة حديثة من ألمانيا النازية، بمعنى أن الدخول في أية مفاوضات معها سيكون نوعاً من الحمق، والسعي إلى التوصل إلى تسوية معها أمر غير قابل للتفكير فيه من الأساس.

غير أن هناك فرصة اليوم لتجسير الفجوة بين موقفي الرجلين، حيث يمكن لنتانياهو أن يعد ببحث آفاق المفاوضات مع الفلسطينيين والعرب، كما يمكن لأوباما أن يتجاوز مسألة صمت نتانياهو عن موضوع الدولة الفلسطينية. كما يمكن لإسرائيل القبول بالمنطق الذي يعتمد عليه أوباما في التواصل مع طهران، وهو أنه سيتم البدء في حملة جديدة لفرض عقوبات أشد صرامة عليها، إذا لم تتحقق نتيجة لبوادر التقارب معها من جانب الولايات المتحدة بحلول الخريف القادم.

عقبة لا حليف

وفي كافة الأحوال، ستبقى هذه الحقائق: بالنسبة لأوباما، سيظل نتانياهو عقبة لا حليفاً في إطار الجهود التي سيبذلها من أجل تنشيط عملية السلام. وبالنسبة لنتانياهو، سيظل أوباما عقبة في وجه القيام بأي عمل قوي يعتقد أنه عاجل للغاية من أجل الحيلولة بين إيران وبين إنتاج القنبلة النووية.

والعمل القوي الذي يقصده نتانياهو، يعني استخدام القوة العسكرية. وعلى النقيض مما تريد إسرائيل من إيران وباقي العالم أن يعتقدوه، فإن اعتقادي أنا الشخصي هو أنها لن تقدم على مهاجمة منشآت إيران النووية بدون الحصول على ضوء أخضر من الولايات المتحدة. وإذا ما تم القيام بعمل مسلح ضد طهران خلال السنوات القليلة القادمة، فإن ذلك سيعني أن نتانياهو قد تمكن على نحو ما من إقناع أوباما، أو إجباره على التخلي عن التقدير السائد لدى الحكومة الأميركية، وهو أن أي هجوم عسكري على إيران لن يكون خياراً قابلاً للتطبيق، وأن الأفضل هو إتباع بديل الدخول في مفاوضات معها.

وعلى المنوال نفسه، لن يحدث تقدم ملموس نحو تحقيق السلام في الشرق الأوسط، إذا لم يتمكن أوباما من إقناع نتانياهو بالتخلي عن بعض مفاهيمه المتشددة، ومنها أن الفلسطينيين يمكن أن يقبلوا بما هو دون الدولة كاملة السيادة، وأن التسوية يمكن أن تؤجل إلى ما لا نهاية مع استمرار فرض الحصار على "حماس" في قطاع غزة، وتوسيع المستعمرات اليهودية في الضفة الغربية. وفي هذا السياق، سيذهب البعض إلى توجيه النصيحة للإدارة الأميركية بأنها لن تكسب شيئاً إذا ما واصلت الضغط على نتانياهو طالما أن الفلسطينيين أنفسهم لا يزالون منقسمين وغير راغبين في القبول بعروض معقولة كما كان دأبهم خلال السنوات الماضية.

وفي وقت ما خلال الأشهر القليلة القادمة، سيتنازل رجل من هذين الرجلين عن موقفه. فأوباما يمكن أن يتوصل إلى أن المواجهة المباشرة مع إيران هي الخيار الوحيد، وأن موضوع سلام الشرق الأوسط يمكن تأجيله ووضعه على الرف مؤقتاً كي يحتل مكانة ثانوية. أما نتانياهو، فيمكن أن يتخلى عن وعوده الانتخابية ويعرض إعادة الجولان على سوريا، أو قد تبرز مبادرة أولية لتوسيع عملية السلام في الشرق الأوسط، بحيث تكتسب مفاوضات إسرائيل، على كافة المسارات، بغرض الوصول لتسوية شاملة، زخماً يمكنها من الاستمرار.

وهناك سيناريو على الدرجة نفسها من الاحتمالية، وهو أن يحبط كل منهما -أوباما ونتانياهو- جهود الآخر، بما يبعث السرور في قلوب أعدائهما المشتركين. والاحتكاك الذي يمكن أن ينشأ في هذه الحالة، سيكون أكثر خطورة على نتانياهو، الذي تعلم منذ عقد من الزمان أن رئيس الوزراء الإسرائيلي الذي يتنازع مع واشنطن قد لا يستطيع الاستمرار في منصبه. لذلك أقول إن أوباما إذا ما أراد أن ينجح في جهوده الشرق أوسطية، فعليه أن يستخدم قوة الضغط الأميركية هذه. وهو يستطيع أن يبدأ الآن، وذلك من خلال تأكيد دعم الولايات المتحدة لإسرائيل، مع ترك مسافة للتمييز بين تلك الدولة ورئيس وزرائها.

--------------

محرر بصحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، متخصص في الشئون الخارجية.

*نقلا عن صحيفة الاتحاد الإماراتية، الثلاثاء 19 مايو 2009.