خبر أدب المخاصمة في الإسلام

الساعة 07:59 ص|20 مايو 2009

فلسطين اليوم : د. زياد مقداد

الإسلام دين الحياة، يضع المنهج القويم للوصول إلى سلوك سليم بعيد عن الانحراف والأنانية حتى عندما يختلف الأفراد في وجهات نظرهم، أو عندما يتقلد البعض منصباً يخوله بأن يأمر أو ينهي أو يحكم أو ينفذ ويقع اختلاف ومخاصمة بينه وبين غيره ممن يعملون في حقله أو يقعون تحت وطأة أمره أو نهيه أو تطالهم سلطته فإن من واجب هؤلاء الأفراد أن يتقوا الله في معاملاتهم مع إخوانهم أو زملائهم أو رعاياهم في مختلف الميادين وأن لا يكون للمخاصمة والاختلاف أثر يؤدي إلى ظلم في التعامل أو أنانية وإيثار للنفس على الغير بدون وجه حق.

 

ولقد نبهت الشريعة الإسلامية الغراء على هذا المرض النفسي اللعين الذي يقع فيه كثير من الأفراد نهتنا عن أن يكون لهذه المخاصمة أو ذلك الخلاف أثر في موضوعية التعامل والشفافية فيه، ذلك أن انعكاس أثر الخصومة والخلاف على المعاملة يتسبب عنه تفاقم الخلاف وزيادة حدة الخصومة إنبات بذور الأحقاد، وكل هذه المعاني مما حذر منه الإسلام ومما يتسبب عنه فشل وضعف في بناء المجتمع المسلم وتفتيت للعلاقات بين أفراده.

 

إن الإسلام يقر بوجود الاختلاف في وجهات النظر، بل يعتبر ذلك ظاهرة صحية، كما أنه يعترف بوجود خصومات ونزاعات أحياناً بين الأفراد وحتى بين الجماعات والمجتمعات.. ولكن الإسلام يسعى دائماً إلى إطفاء لظى هذه الخصومات والإصلاح بين المتخاصمين يقول تعالى: (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما..).

 

ويقول أيضاً (إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون).

 

كما وينكر الإسلام أشد الإنكار على أن يتسبب الخصومات والخلافات في الظلم والجور فقال سبحانه وتعالى: (ولا يجرمنكم شنآن قوم على أن لا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى).

 

كما أن الإسلام جعل الشطط في الخصومة والفجور فيها من علامات النفاق -أعادنا الله من النفاق والرياء وسوء الأخلاق- حيث بين رسول الله( صلى الله عليه وسلم )أن من علامات المنافق "إذا خاصم فجر"، وفي حديث آخر قال( صلى الله عليه وسلم) "إن أبغض الرجال إلى الله الألدَ الخصم".

 

ولعل من المفيد هنا أن ننبه إلى بعض المعالجات التي تمنع من تفاقم الخصومات وتأثيرها على المعاملات:

 

أولاً: إذا حصلت خصومة حول موضوع معين ألا تتجاوز هذه الخصومة حدود موضوعها وأن تبقى في إطارها، فالله عز وجل يقول (ولا تزر وازرة  وزر أخرى).

 

ثانياً: ينبغي على المتخاصمين أن يكبح كل واحد منهما جماح نفسه، بحيث لا يجعل هذه الخصومة تؤثر عليه في معاملاته مع خصمه، وبالطبع فإن هذا يحتاج إلى علو في الهمة وشفافية في التعامل وقهر للنفس التي تأمر بالسوء، وفي ذلك إرشاد قرآني كريم (والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين).

 

ثالثاً: وهو ما أشارت إليه الآية السابقة من العفو والإحسان، فتعفو عمن ظلمك وتحسن لمن أساء إليك كلما استطعت إلى ذلك سبيلاً، وخاصة إن لم تكن الخصومة معتادة للخصم، وخلق مستقر في نفسه، فربما في هذه الحالة لا يصلح معها العفو والإحسان وتحتاج إلى معالجة بطريقة أخرى.

 

رابعاً: المبادرة في حل الخصومة ومحاولة علاجها، وهي في مهدها قبل أن تضرب بجذورها في القلوب فتنبت نزاعا وشقاقاً لا تحمد عواقبه، وفي ذلك يقول رسول الله (صلى الله عليه وسلم):" لا يحل لرجل أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال، يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام".

 

وأخيراً أقول: إن من يفجر في خصومته هو إنسان ضعيف النفس سيئ الأخلاق.

 

وإن من تؤثر الخصومة في معاملاته مع خصمه بما يتسبب عن ذلك هضم للحقوق وإهانة للخصوم فهو إنسان ظالم وأناني.

 

وإن القوي الأبي هو الذي يتعالى فوق الخصومات ويتعامل بالعدل والحق بل بالإحسان والرفق.