خبر «سيد قراره» الوحيد ..فهمي هويدي

الساعة 08:27 ص|18 مايو 2009

ـ الشرق القطرية 18/5/2009

حين يجد المرء أن جهاز المخابرات العامة في مصر هو الذي يرعى الحوار مع الفصائل الفلسطينية يصبر لا يكل، في حين أن مباحث أمن الدولة تخوض معركتها «المقدسة» ضد الإخوان المسلمين بشراسة لا حدود لها، فمن حقه أن يتساءل: أين السياسة إذن؟ ـ ذلك أنه رغم أن في البلد حزبا حاكما، ولجنة عليا للسياسات، و23 حزبا شرعيا، ومجلسا للشؤون الخارجية، وجيشا من الدبلوماسيين المحترفين ومجلسا تشريعيا له لجانه المختصة بالشؤون العربية والأمن القومى، وعددا لا يحصى من مراكز الدراسات السياسية والاستراتيجية.

رغم ذلك كله، فنحن لا نكاد نجد مشاركة لتلك العقول جميعها في رسم سياسات الداخل أو الخارج. بل إن دور هذه الجهات جميعا لا يتجاوز حدود الصدى للقرارات، التي تتخذها الأجهزة الأمنية في مختلف الملفات، حتى تبدو وكأنها «جوقة» ما إن تتلقى الإشارة حتى تطلق المعزوفة في الاتجاه المطلوب، تأييدا أو تنديدا أو تهدئة، الأمر الذي يعني أن في مصر مؤسسة واحدة هي المؤسسة الأمنية، وكل تلك الكيانات الأخرى لا تؤدي أبعد من دور «الكومبارس»، الذي يتواجد على المسرح ليملأ «الكادر» ويحسن الصورة.

عبّر لي أحد قادة الفصائل الفلسطينية، التي تشارك في حوارات القاهرة عن دهشته ذات مرة لعقد جولات الحوار في داخل مبنى المخابرات العامة، وفي حضور ضباط الجهاز الذين يتولون سكرتارية لجان الحوار وتسجيل ما يدور فيها، وقال لي إنهم في جولاتهم الخارجية، التي يزورون فيها مختلف العواصم، يصادفون سياسيين ويتحاورون معهم ولا يظهر الأمن في الصورة، باستثناء مصر التي لا يخاطبون فيها سوى ضباط الجهاز الأمني، ومما ذكره أن دهشته تبددت حين التقى في جلسة غير رسمية مسؤولا أمنيا كبيرا ارتبط معه بعلاقة مصارحة وتفاهم، وأراد صاحبنا أن يبوح ببعض ما في صدره من أسباب للحيرة، فسأله عن الجهة التي تعطى الإشارة لأجهزة الإعلام لكي تتحدث بهدوء وموضوعية ذات يوم عن مسار الحوار الفلسطيني، ثم تضغط على «زر» في اليوم التالي لكي تشن الأبواق ذاتها حملة عنيفة ضد بعض الفصائل فتجرِّحها، وتنهال عليها بمختلف الاتهامات والشتائم والسخائم، حينئذ قال له المسؤول الكبير إن ذلك «الزر» موجود في داخل الجهاز الأمني وليس خارجه.

ذلك ينطبق أيضا على الحملات المستمرة لإلقاء القبض على عناصر الإخوان وتلفيق التهم لهم، وفتح الباب واسعا للتنكيل بشبابهم، الذين يحرمون من دخول الامتحانات رغم صدور أحكام قضائية تسمح لهم بذلك، ويطردون من المدن الجامعية، و«يستضافون» في أقسام الشرطة والمعتقلات بين الحين والآخر. وهو التنكيل الذي تتعرض له أعداد غفيرة من المهنيين والأكاديميين وغيرهم من الأبرياء الذين أصبح الإعلام الأمني يصفهم بالمحظورين، وما يتعرض له الإخوان يسري بذات القدر على غيرهم من الناشطين سواء كانوا مدونين أو ناقدين ومعارضين.

خطورة هذه الممارسات أنها مفتوحة وبلا أفق مستقبلي، ثم إنها غير قابلة للمراجعة أو الترشيد، فالجهاز الأمني في مصر هو الوحيد«سيد قراره»، الذي يستعلي فوق الحساب، وقراراته لا تقبل النقض أو الإبرام. ورغم أن أحدا لا يستطيع أن يدعو إلى إلغاء دور الأجهزة الأمنية، إلا أنه من المفيد أن يخضع أداؤها للمراجعة، بحيث تسأل عن الأهداف التي حققتها في ظل استمرار احتكارها لبعض الملفات المهمة في البلد، والتعامل مع تلك الملفات بالأساليب المعروفة.

لا أستبعد أن يكون التمدد الأمني تم استجابة لحاجة اقتضتها حالة الفراغ السياسي القائمة في البلد، الأمر الذي يدفع الأجهزة الأمنية للقيام بما يتعين على غيرها القيام به، ولكنهم إما عجزوا عن ذلك أو غابوا من الأساس، وهو وضع لا يخلو من خطر، لأن من شأن استمرار هذه الحالة أن تتحول المهام الإضافية، التي تلقى على عاتق الأمن بمضي الوقت إلى واجبات أساسية يتعين على الأجهزة الأمنية القيام بها لأنه طالما ماتت السياسة، فينبغي أن تظل أعين أجهزة الأمن مفتوحة على آخرها.

ليس صحيحا أن ممارسات الأجهزة الأمنية تحمي الاستقرار في البلد، لأنني أزعم أن ما تشيعه تلك الممارسات من توتر وغضب يهدد الاستقرار ولا يحميه.