خبر التلاعب في ميراث المرأة .. ظلم قد يسببه حياؤها

الساعة 05:39 ص|18 مايو 2009

فلسطين اليوم : غزة

"نحن ثلاثة أشقاء، ذكران وأنثى بعد وفاة والدي، توجهنا للمحكمة لحصر إرثه وكانت لنا قطعة أرض تقع وسط المدينة وأخرى قرب مستوطنة يمنع فيها البناء أو الزراعة بسبب الاحتلال، وعندما تم توزيع "الحصص" وفق الشرع، حصلت أنا على حصتي بإعطائي الأرض المقابلة للمستوطنة وحصل إخوتي الاثنان على الأرض التي تقع وسط المدينة ومع مرور الزمن استولى المستوطنون على الأرض وأقاموا فيها مستوطنة وخسرت كل شيء"، هذا الحادثة وقعت مع المواطنة (أ.ن) من إحدى مدن الضفة الغربية.

 

المواطنة أرسلت شكواها لمراسلنا، متسائلة عن مشروعية تقسيم الميراث مع إخوتها، خاصة وأنهم أعطوها أرضا بلا منفعة وأجبروها على ذلك بحجة أنها لن تحسن التصرف بالأرض التي تقع وسط المدينة.

 

وبدونا تابعنا موضوع ميراث المرأة وقضاياه مع د. حسن الجوجو، رئيس المحاكم الشرعية في قطاع غزة، سيّما ما يتعلق بالخلل الذي قد يحدث بسبب ظلم المرأة فيه، وإجبارها على التنازل عن حقها فيه.

 

قسمة واضحة

 

وأوضح د. الجوجو أن قضية الميراث لم يتركها المولى عز وجل لحكم حاكم أو قضاء قاض ولا لاجتهاد مجتهد وإنما حكم بها هو من فوق سبع سماوات، وقال :"لا مجال فيها للتلاعب لأنها محددة الأنصبة ولابد أن يعطى كل ذي حق حقه وأي تلاعب فيها يكون اعتداء على حرمات الله".

 

وشدد على أن الآيات الواردة في توزيع الميراث قطعية لا تقبل التأويل أو التفسير أو الاجتهاد، وما سكت عنه القرآن تناولته السنة وما سكتت عنه السنة خاضع لاجتهاد الصحابة رضوان الله عليهم.

 

وعن مسألة أن نصيب الرجل في بعض المرات يكون أكثر من المرأة، قال الجوجو :" هذه حالات قليلة وهي تعود لقوامة الرجل، كونه مطالبا بالإنفاق على الأسرة وله مصاريف أكبر ولكن هناك حالات أيضا للمرأة يكون لها أكثر من الرجل، مثل لو مات رجل عنده بنت وأخوة أشقاء، فالبنت تستأثر بالنصف والأخوة الأشقاء يأخدون النصف مهما كان عددهم رغم أن لهم قرابة بدرجة متقدمة، لكن البنت لها أكثر و الميراث يتناسب مع درجة قربهم من الميت ".

 

وتطرق إلى مسألة خاطئة شائعة في المجتمع، وهي أن المرأة إن مات زوجها ولم يكن قد أتم خلال حياته مهرها الذي هو في ذمته، فلابد أن تعطى مهرها المؤجل وتابع المهر المعجل (عفش البيت) قبل توزيع الميراث، لأنه دين والدّين يقدم على الميراث، لقوله تعالى: (من بعد وصيّة يوصى بها أو دَيْن) .

 

أساليب ملتوية

 

وعلق د.الجوجو على أساليب التلاعب المتبعة من بعض ضعاف النفوس لحرمان المرأة من حقها في الميراث؛ بأن ما يجري هو من جانبين وهما: قضية الظلم الواقع على الإناث وعلى أبناء المتوفى الذي مات قبل أبيه.

 

واستعرض حالة قيام بعض الأشقاء باستخراج حُجة حصر إرث، ويستثنون بعض شقيقاتهم منها وكذلك يحصل إن توفيت امرأة قبل أبيها ولها أبناء هم بذلك لهم الحق، وعندها الأولى بهم التوجه للمحاكم المختصة وعرض ذلك على القضاء فيأمر القاضي بإلغاء الحُجة السابقة وتعتبر باطلة وما ترتب عليها باطل، ويعاد توزيع الإرث من جديد ليكون قسمة عدل.

 

وأشار إلى" التنازل " أو "التخارج"، وهو أن تتنازل المرأة لإخوتها عن حقها عن طيب خاطر ورضى كامل وأهلية دون ضغط أو إكره مقابل مال أو دون، مستنكرا الموروث الاجتماعي السلبي الذي يستولي من خلاله الأخ على حصة أخته في الميراث بالخجل والعتب معتبرا ذلك " أمية قانونية " لدى المرأة، منوها إلى أن أي بيع وقع تحت إكراه ولم يتحقق فيه شرط الإيجاب والقبول هو باطل مهما كان حجمه أو قيمته.

 

وفي رده على حالة المواطنة (أ.ن) ، قال د.الجوجو :" موضوع فرز الأراضي هو نوع من أنواع الحقوق فلا بد أن يكون فرز الأراضي بشكل متساو بين الورثة فإن تم الاتفاق بين الجميع فلهم ذلك، وإن اختلفوا فالتوجه للقضاء لحسم ذلك ".

 

وأكمل بالقول: "ما حصل أمر مناف للمبادئ العامة في استيفاء الحقوق فالأصل أن تستوفي حقها كأي وارث آخر، والقاعدة الشرعية تقول (الغُرم بالغُنم) فكما يغنم الورثة من مورثهم فالأصل أنهم جميعا يغنمون وأن تكون نسبة الضرر متساوية بين الجميع، أما أن تتوزع الأراضي الجيدة والثمينة لورثة والآخرين من الأراضي أو الممتلكات قليلة الثمن والفائدة فهذا ليس من الدين ولا الشرع ".

 

كقاتل النفس

 

رئيس المحاكم الشرعية نوَّه إلى أن الإسلام حرص على وحدة النسيج الاجتماعي والتراحم بقول المولى عزوجل: (ولا تنسوا الفضل بينكم )، وأي وسيلة لزيادة اللحمة والتراحم تكون واجبة وأي وسيلة تضعف ذلك تكون محرمة من ذات الغاية، فمثلا إن كان توزيع الميراث يترتب عليه تقطيع الأرحام والاقتتال بين الناس فهذا منكر من القول وزور وحرام ولابد من أهل العقد والحل أن يأخذوا مكانهم في هذه القضية والناس أن يتقوا الله عزو وجل حتى لا يأكلوا أموالا سُحتا.

 

وذكّر بالحديث النبوي الشريف:" أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: أتدرون من المفلس؟، قالوا المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، قال: إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة ويأتي وقد شتم هذا وقذف هذا واكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا فيعطي هذا من حسناته وهذا من حسناته فان فنيت حسناته قبل انقضاء ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار".

 

وبيّن أن أكل المال بالحرام بأي طريقة كانت، " هو مظلمة كبيرة فمن أكل مال أخيه بالباطل فهو كمن قتل نفسه أو قتل غيره، لأن المال شقيق الروح ومهما جمع الإنسان من مال بالطرق المحرمة فهذا لن يغني عند الله عز وجل شيئا ".

 

ولفت إلى أنه لكل مسلم ذمة مالية مستقلة وله الحق في التصرف بالبيع والشراء ما دام يتمتع بالأهلية الكاملة ويحسن التصرف وليس مسرفا، لكنه أكد على أن هناك بعض القيود، وهي أن لا يتصرف ولي المرء بتصرف يعود بالضرر على الصغار.

 

وتطرق د. الجوجو إلى ظاهرة الخلافات المنتشرة في قطاع غزة بعد العدوان الأخير بشكل خاص بين زوجة الشهيد وأهله حول من يرعى أبناءه ويتولى أمورهم المالية، معتبرا ذلك أكلاً لأموال اليتامى، داعيا إلى أن يبري الإنسان ذمته من أموال الآخرين وليتقوا الله في الناس وأموالهم .