خبر عقوق الوالدين « لعنة » تطارد الأبناء وبداية لتفكك الأسرة المسلمة

الساعة 05:29 ص|18 مايو 2009

فلسطين اليوم : غزة

"حدثني أحدهم أن جاره الملتزم والمعروف عنه بالورع، قام بضرب والدته المسنّة لأنها تلح عليه بالطلبات والأسئلة وتتدخل في شئونه الخاصة -كما يدعي-، بعد أن عزلها في مكان غير صحي ولا يناسب امرأة مسنّة، ولكنني شككت في صحة كلامه، متسائلة:وهل يعقل أن يضرب المرء والدته أو أن ينتقص من كرامتها؟، إلا أن الجواب جاء بعد فترة بسيطة، حينما شاهدت ذلك بأمّ عيني.." هذا نص رسالة وصلت إلى القسم الديني في صحيفة "فلسطين" من أحد المواطنين الذي روى فيها حادثة، مثّلت أبشع صور عقوق الوالدين، الذي نهى عنه الشرع، وحذّر منه مراراً، وهو ما سنثيره في تقريرنا.

أسباب مجتمعية ملموسة

المواطن "عبد الله صبح" تذمّر من هذه الظاهرة التي باتت تتفشى في المجتمعات الإسلامية,  وهو يرى أن الحقد والكراهية بين أفراد الأسرة الناتج عن سوء التربية  من أهم الأسباب التي تؤدي إلى عقوق الأبناء لوالديهم ومعصيتهم لهم، وكذلك عدم تحمّل الأبناء متطلبات والديهما عند كبرهما، مما يزيد نسبة الوقوع في الخطأ وعقوقهما، وقال:" لا أدري كيف لبعض الأبناء أن يهملوا والديهم خاصة عند كبرهما وحاجتهما لمن يساعدهما، فعليهم رعايتهم  في شيخوختهم كما رعوهم في طفولتهم وذاقوا الويلات، وسهروا الليالي من أجلهم".

وأضاف:"بلا شك فإن الأمة الإسلامية في هذا القرن تتعرض لغزو الثقافات المشوهة ليصبح إكرام الوالدين أمرا بعيد عن أولويات الأبناء, ويعمل الواحد منهم على إرضاء زوجته دون والديه، فكثير من الأبناء وصل بهم الحال لضرب آبائهم و شتمهم، والتخلص منهم بوضعهم في دار المسنين، وهو ما أرى فيه خطوة لتفكيك الأسرة الإسلامية".

خطأ في حق نفسه

رأي مشابه كان للطالبة "زكية حرز" التي ترى في عقوق الأبناء لآبائهم أكبر خطأ يرتكبه الإنسان في حق نفسه, وأن التربية السليمة هي أساس نجاح الأسرة المسلمة التي تسير وفق القواعد الشرعية المذكورة في السنة والقرآن الذي دعا الأبناء للعمل من أجل إرضاء الوالدين لأنه من رضا الله ورسوله.

وتحدثت عن انتشار هذه الظاهرة في قطاع غزة، وأنها ازدادت بعد تضييق الحصار على الشعب الفلسطيني، وتردي الأوضاع النفسية للمواطنين, مشيرة إلى أن الزوجة في كثير من الأحيان تلعب دوراً سلبياً في مسألة عقوق الوالدين فيصبح الرجل ما بين نار إرضاء زوجته أو أهله.

وقالت:" لتجنب ذلك يجب على الأهل ترشيد أبنائهم وتعويدهم منذ الصغر على احترام الكبير والعطف عليه لتكون هذه القيم مغروسة لديهم عندما يكبرون, كما أن للمدارس دوراً في ترشيد الطلاب وتوجيههم تجاه طاعة والديهم والعطف عليهم، من خلال طرح الأمثلة المشجعة أمامهم.

كبيرة

د.ماهر السوسي أستاذ الفقه المقارن في كلية الشريعة والقانون بالجامعة الإسلامية، أكد أن هذا العقوق كبيرة من الكبائر، وأن الله سبحانه وتعالى ربط طاعة الوالدين بعبادته وسوّاهما في الأجر، مستشهداً بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم :"ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ثلاث، قالوا: بلى يا رسول الله، قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وجلس وكان متكئا، فقال: ألا وقول الزور, قال: فما زال يكررها حتى قلنا: ليته يسكت.

وبيّن أن التوبة من هذه الكبيرة تتطلب الاستغفار، وندم الإنسان على عقوقه وأن يعقد العزم على الإقلاع عنه، عازياً أسباب الظاهرة إلى تراجع الوازع الديني، والجهل بالحقوق المشروعة التي تحدث عنها سبحانه وتعالى في القرآن, بالإضافة إلى أسباب اجتماعية أهمها سوء التربية وعدم قيام الآباء بواجباتهم تجاه أبنائهم.

وأشار إلى بعض الواجبات التي يجب أن يوفرها الآباء لأبنائهم كالنفقة على القاصرين منهم، وكذلك التربية والتعليم واختيار الأم الصالحة والمناسبة وحسن معاملتهم, ويقابل تلك الواجبات وفقاً للدكتور السوسي البر بوالديهم وإطاعتهم.

فلسطينياً ليست ظاهرة

ونفى أن يكون عقوق الوالدين والإساءة في فلسطين والبلاد الإسلامية ظاهرة، وأضاف:" رغم وجود العديد من الحالات، إلا أنه يبقى هناك رابط ما بين الأبناء والآباء، فلا نستطيع أن نقول إنها ظاهرة أدت لآثار سلبية في المجتمع إنما هي مجرد حالات", لافتاً إلى مظاهرها وأهمها سوء العلاقة بين الآباء والأبناء أو انقطاعها، وإغفال الحقوق المطلوبة للطرفين.

وبين أن امتناع الآباء عن أداء حقوق أبنائهم ينعكس على البيئة المحيطة ويشكّل انفعالات سلبية منها الانقسام في العائلة, مردفاً:"فنجد أن بعض أفراد العائلة يقفون إلى جانب الآباء والبعض الآخر إلى جانب الأبناء".

وعما إذا كانت بيوت المسنين عقوقاً للوالدين أو أنها حلاً عملياً, أوضح بأنها حل عملي للمتقدمين في السن ممن لا يجدون من يعولونهم, مضيفاً:"أما إذا كان لهم أبناء فهي غير جائزة، لأن صلة الوالدين والبر والعطف والحنان مفروض عليهم".

ويرى د.السوسي بأن إدخال الوالدين في دار المسنين  تكثر في حالة الأبناء المتزوجين الذين لا يملكون قرارهم بأنفسهم ويدخلون في صراع بين إرضاء زوجاتهم وآبائهم، مشدداً على ضرورة تقوى الله تعالى وطاعته فيما أمر من بر الآباء لأنه من إرضاء الله، "فلا  يُرضي الله من عق والديه".

مرفوضة

بدوره، أكد د.وائل الزرد الداعية الإسلامي أن عقوق الوالدين غير مقبول  شرعاً وعرفاً، ومجرد وجوده يُعد معصية, وأن الشعب الفلسطيني فيه من الترابط ما يكفل عدم انتشاره فيه، موضحاً أن الدعاة تحدثوا عن الموضوع بشكل كاف مما شكل وعياً كافياً لدى المواطنين.

وشدد على أنه يجب على الأبناء احترام حقوق آبائهم، فلا يضعونهم في دار المسنين إلا إذا شكلوا عبئاً لا يمكن تحمله، "ولكن بعض الأحيان يتطلب الآباء رعاية صحية وجسدية دائمة قد لا تتوفر عند أبنائهم".

وأوضح بأن عدم وجود علاقة يتوجها الاحترام بين الآباء والأبناء، أهم أسباب العقوق، كما الخلل الإيماني لديهم، لافتاً إلى أن حالات العقوق الشديدة لا تكاد تكون موجودة في المجتمع الغزي بفضل الله تعالى، ولواقع الالتزام بالنصوص الشرعية واستقامة النفوس.

ونوه إلى ضرورة عدم ترديد الإشاعات حول عقوق الوالدين والحديث عنه, قائلاً:" إذا سمعنا إنساناً ارتكب معصية الأصل ألا نشهّر به، بل نذهب إليه وننصحه مع السؤال عن السبب ومعرفة الدوافع لنتمكن من حل هذه المشكلة".