خبر أُم علي حارسة ذاكرة اللجوء: تهون المآسي اذا كانت فلسطين حسن الختام

الساعة 04:38 م|17 مايو 2009

فلسطين اليوم : سليمان قبيلات

تتأبط مريم عودة "كوشان ارض" تعتبره هوية تمدها بالصمود امام عاديات الزمان، و "كرت مؤن" يذكرها دوما بترحيل قسري عن بلدة لم تبرح ذاكرتها مذ هجرت مع الاف الفلسطينيين في العام 1948.

تدرك "أُم علي" ذات الثمانين عاما أن خططاً دولية فشلت وأُخرى تجري مسلسلاتها وثالثة على الطريق تستهدف "اقناعنا بالامتثال"، "لتستدرك جازمة "كرت المؤن لعين" اعطونا اياه "ليعطوا البلاد" لليهود.

ولمريم عودة ذاكرة حية بصور تسرد تفاصيل تواليها وكأنها للتو وقعت، مضيفة "كنت في العشرين حين اطبق غراب البين على فلسطين, كنت تزوجت قبلها بأربع سنوات من ابن عمي الذي لم يقبل فكرة التشريد اصلا فانضم الى جماعات مقاومة كانت تشاغل ب"البواريد" جيش المحتل وعصاباته".

تضيف ام علي "انقطعت أخبارُه قبيل هجوم اليهود على قريتنا بيوم"، مستذكرةً " كان فجراً حزيناً ليوم أظنه ثلاثاء حين جاءتني جارتي تستعجلني توضيب ما خف حمله من متاع لان اليهود دخلوا القرية من الشمال".

ويعد احتلال فلسطين واستيطان ارضها ركيزة اساسية في العقيدة الصهيونية التي فُرضت بها اسرائيل، وهو ما يؤكده عضو الكنيست الإسرائيلي السابق يشعياهو بن فورت في صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية في 14/7/1972، مؤكدا في مقال تحت عنوان "الخطأ والسذاجة والتلون" "إن الحقيقة هي لا صهيونية من دون استيطان، ولا دولة يهودية من دون إخلاء العرب ومصادرة أراض وتسييجها".

ووفقا لهذا المبدأ فان الاستيطان الإسرائيلي هو التطبيق العملي للفكر الاستراتيجي الصهيوني الذي انتهج فلسفة أساسها الاستيلاء على الأرض الفلسطينية، بعد طرد سكانها بحجج ودعاوى دينية وتاريخية باطلة، وترويج مقولة "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض"، وجلب أعداد كبيرة من شتات يهود العالم، وإحلالهم بدلاً من العرب الفلسطينيين بهدف إقامة كيان لهم في المنطقة العربية.

تتابع ام علي مستعيدة مشهدا قاسيا "لم نذق طعم النوم لليال طويلة قبل تلك الليلة التي قضيتها استطلع الاخبار عن رجالنا الغائبين وفزعة عربية اتخمونا بأحاديثها، وحتى اللحظة لم تر النور الى ان غلبني النعاس وانا جوار صغيري". ومضت تستذكر "خلت أني نمت طويلا حين ايقظني طرق جارتي على باب "الحوش"، كنا عشرات العائلات المخبولة بصاعقة الترحيل التي نزلت على رؤوسنا، يسيطر علينا البكاء والعويل، توجهنا شرقا الى ان بلغنا "الشريعة"، وتقصد النهر "فاجتزناه".

وبحسب سجلات وكالة الغوث الدولية للاجئين الفلسطينيين (الأونروا) فإن عدد اللاجئين في مناطق عملياتها الخمس (الأردن وسورية ولبنان والضفة الغربية وقطاع غزة ) يزيد على 5 ملايين لاجئ، منهم حوالي مليون و 800 ألف لاجئ في الأردن, يشكلون حوالي 42% من المجموع الإجمالي للمسجلين لدى الوكالة.

ويقدر عدد اللاجئين غير المسجلين في العالم بحوالي المليون وربع المليون لاجئ.

مضت ام علي تقول وهي تجلس في فناء منزل أُسرتها في مخيم مادبا "قضينا اياما طويلة ننام في العراء، نُنسي الصغار جوعهم ببعض خبز وتمر وزيت وزيتون حملناه معنا، استقر بنا الحال جوار احدى الترع في الغور، كانت اعيننا لا تنقطع عن النظر الى الغرب". وبعد آهات عميقة اضافت "ما نزال يا ابني ننظر الى الغرب بأمل، فهناك ثمة ما يعتمل".

تساءلت ام علي بحرقة "كيف انسى صور التشريد الاولى التي لا تبارح مخيلتي؟". وزادت "انا ادرك انهم طردونا بالنار لننسى اننا بشر، ولكن هيهات، عشنا الكثير وسنرى منه المزيد رغم عقود مضت من عمر الرحيل".

وام علي التي لا تستهويها "كثرة الكلام" تقول "أُجيد الصمت فهو فضيلة اقلها ان تعيش عالمك الخاص من دون منغصات تشكل مشهد حياة اللاجئ"، لتستدرك بأمل" اتمنى ان تكون فلسطين حسن الختام فمن دونها تهون كل المآسي".

وتفضل ام علي التي تسميها اسرتها "بركة الدار وحارسة الذاكرة" الموت على ان تقبل ولو لفظيا بما يسمى تنازلاً عن حق العودة الى قريتها، مضيفة "الموت يا ابني اسهل علي من أن اسمح لسموم النسيان التي يصرون على ترديدها ان تتسلل الى اعماقي وعقلي". وتتساءل بأسى "هل انسى اسمي وذاكرتي ومكانا ولدت فيه؟.

وتمضي متسائلة "انا العجوز لا استسلم لمثل هذه السموم فكيف بالملايين؟. واردفت "رهانهم بائس وسيخسرون امام تشبثنا بوطن يتملك حياتنا"، مؤكدة بعزم "سنهزم مخططي التهجير، وسأموت على صورة قريتي، وفي ذلك اعظم نصر للاجئة على مشاريع دولية تقتل الفلسطينيين وتهجرهم".

استدركت ام علي تقول متوترة "ليس للضعيف مكان في الدنيا، وحدهم الاغبياء الذين لا يعرفون مكامن قوتهم، ونحن لسنا اغبياء ولن نكون".

واستأنفت "أول الكلام وآخره واختصاره" عودتنا الى قبية لانها تساوي وجودنا، اتحدى كل التدجين والسائد الذي يصوب ناره علينا طوال العقود". قالت مختتمة "كلنا نرفض التدجين وكلنا تعهدنا ان نورث فلسطين لاجيالنا حتى وان لم تطأ ارضها اقدامهم".