خبر حكومة لتكريس الانقسام أم خطوة لإنهائه؟.. هاني المصري

الساعة 03:57 م|17 مايو 2009

مضت المهلة التي حددها الرئيس لإعادة تشكيل الحكومة ولم تتشكل. ولم يكن عدم تشكيلها بسبب زيارة البابا وانتظار عودة الرئيس من زيارته الى سورية، بل بسبب تصاعد الأزمة في حركة فتح بشكل خطير على خلفية الخلاف على موعد ومكان عقد المؤتمر السادس، وعلى مكانة "فتح" ودورها في الحكومة القادمة، وبسبب اعتذار "الشعبية" وحزب الشعب و"المبادرة" وشخصيات وطنية مستقلة عن المشاركة، الأمر الذي يجعل الإصرار على تشكيلها في هذا الوضع إعادة إنتاج للحكومة القائمة، وتكريساً للانقسام ما بين الضفة وغزة، ونقل بذور الانقسام الى الضفة.

 

إذا كان الهدف من إعادة تشكيل الحكومة تقويتها بالحصول على دعم "م.ت.ف" بكل فصائلها، والتسلح بها عشية لقاء القمة الفلسطينية - الأميركية، فإن التسرع بتشكيلها، وكيفية النظر إليها، أدى الى إضعاف الحكومة القادمة قبل أن ترى النور.

 

الحكومة الحالية لم تملك المقومات الكفيلة بالنجاح. فهي ولدت من رحم الانقسام. كما أنها حصلت على دعم خارجي أكبر بكثير من الدعم الداخلي. فحركة فتح في معظمها، وهي التي يمكن أن تعطيها الدعم الداخلي، ناصبت الحكومة الخصام. فـ "فتح" كانت في صدمة بعد هزيمتها في غزة، وكانت تتصور أن الحكومة ستكون مؤقتة، شهراً أو شهرين أو ثلاثة، فاستمرت حتى الآن حوالي عامين. فـ "فتح" التي حكمت السلطة منذ تأسيسها وجدت نفسها خارج الحكم، وذلك بعد الانقلاب في غزة، وبعد إبعادها عن الحكومة في الضفة، وهذا وضع بحاجة الى تصحيح. فبدون دعم "فتح" أولا و"م.ت.ف" ثانياً لا تملك الحكومة الشرعية. فهي فقدت الشرعية القانونية عندما لم تحصل على الثقة من المجلس التشريعي، ولم يتبق لها سوى الشرعية السياسية التي يمكن أن تمنحها إياها المنظمة وفصائلها، وإن بقيت شرعية منقوصة جراء الانقسام..

 

كان رأيي عند تشكيل الحكومة بعيد الانقلاب، ولا يزال، أن الانتصار على الانقسام والانقلاب لا يمكن بدون إعادة الاعتبار للبرنامج الوطني الفلسطيني أولاً وتقديم نموذج ايجابي للحكم ثانياً بعيداً عن القمع والتسلط والاستبداد والتخلف.

 

وإذا لم يكن محور الاهتمام إعادة الاعتبار للبرنامج الوطني ولا تقديم نموذج للحكم، سيطغى مثلما حدث فعلاً، على المشهد الفلسطيني الصراع على السلطة والمكاسب والنفوذ والمناصب، وتعميق الانقسام، والتنافس بين السلطتين على القمع، في هذا السياق طغى الصراع على شكل وكيف يمكن تعديل الحكومة أو إعادة تشكيلها قبل أيام قليلة من الجولة الخامسة من الحوار بحجة أن الدعم الدولي متعذر لحكومة مستقيلة؟ رغم أن الحكومة مستقيلة منذ البداية فهي كانت ولا تزال حكومة تسيير أعمال. والحكومة القوية هي حكومة توافقية أو حكومة تضع الوصول الى التوافق الوطني، فعلا وقولا، هدفَها الناظم.

 

كيف يمكن القول ان تشكيل حكومة أو ضم وزير لحكومة غزة لا يؤثر على الحوار، إنه يشكل في أحسن الحالات ضربة للحوار ومحاولة استباقية لضمان إفشاله.

 

لقد أصاب حزب الشعب عندما رفض المشاركة بالحكومة لأن هذه الخطوة يجب أن تكون في سياق بلورة استراتيجية فلسطينية قادرة على التعامل مع المتغيرات.

 

هل يمكن تشكيل الحكومة بمعزل عن السياسة الفلسطينية المطلوبة إزاء حكومة بنيامين نتنياهو، الحكومة الأكثر تطرفاً وعدوانية وتوسعية وعنصرية منذ تأسيس إسرائيل.

 

هل يمكن تشكيل حكومة بمعزل عن السياسة الفلسطينية المطلوبة إزاء سعي الإدارة الأميركية لبلورة مبادرة سياسية جديدة؟ مبادرة تقوم على تجزئة الحل والمفاوضات، مرة أخرى، على عدة مراحل بحيث تكون المرحلة الأولى خطوات تطبيع عربية وإسلامية مع إسرائيل مقابل تجميد الاستيطان والموافقة على مبدأ حل الدولتين، وتأجيل التفاوض، على القضايا الأساسية خصوصاً القدس واللاجئين بشكل صريح أو ضمني، ما يضعنا أمام التفاوض على قيام "دولة" فلسطينية ذات حدود مؤقتة، منصوص عليها في خارطة الطريق في المرحلة الثانية، بحيث بدت كخيار وليس التزاماً، وستتحول على يد الإدارة الأميركية الجديدة، وفي ظل الانقسام الفلسطيني والعربي، إذا لم تتخذ موقفاً مناسباً، الى خيار وحيد ممكن!

 

هل يمكن تشكيل حكومة مهما كان اسمها أو شكلها أو المشاركون بها بمعزل عن وضع سياسة فلسطينية جادة قادرة على مواجهة التحديات والمخاطر الناجمة عن استمرار سياسة إسرائيل بمعدلات أكبر لفرض أمر واقع يكرس فصل القدس وتهويدها وتهجير سكانها، وتقطيع أوصال الضفة بالاستيطان والطرق الالتفافية والحواجز والجدار، ومواصلة الحصار الخانق على قطاع غزة، وتعميق الانقسام ما بين الضفة والقطاع. هل يكفي أن نقول وقف الاستيطان تارة وتجميده تارة أخرى، وأن نطالب بموافقة إسرائيل على حل الدولتين حتى ندحر هذه السياسة الإسرائيلية. إن الاكتفاء بذلك سيقود الى التراجع عن الشروط الفلسطينية مقابل موافقة إسرائيل على مبدأ حل الدولتين. نحن نريد، أو من المفترض أننا نريد أولاً وأساساً موافقة إسرائيل على إنهاء الاحتلال عن جميع الأراضي المحتلة عام 1967، فحكومة نتنياهو لا تعترف بأن إسرائيل دولة محتلة، كما صرح رئيسها مؤخراً، ومعظم الإسرائيليين يعتبرون الضفة والقطاع أراضيَ محررة لا يجب إعادتها أو إعادة معظمها.

 

لا يمكن الاستمرار في ظل السلطة، وكأن الاحتلال غير موجود لأن هذا يؤدي في أحسن الأحوال الى تحسين شروط الحياة تحت الاحتلال بينما المطلوب الكفاح لإنهاء الاحتلال. إن الاستمرار بهذه السياسة يؤدي الى تحويل السلطة أكثر وأكثر الى "إدارة مدنية" تحت الاحتلال.

 

لا يمكن الاستمرار بسياسة الالتزام بالاتفاقيات المعقودة مع إسرائيل من جانب واحد، وتطبيق الالتزامات بخارطة الطريق من جانب واحد، والاستمرار بالتنسيق الأمني، ولو تحت شعار محاربة الانقسام والانقلاب، وعلى أساس الوهم بأن هذا هو الطريق الوحيد لتحقيق إنجازات سياسية. لقد طبقت السلطة ما عليها من التزامات، وسارت في طريق المفاوضات حتى النهاية، ماذا حققت؟ لم تحقق شيئاً وإسرائيل كانت مثل المقبرة، التي تلتهم المزيد من الأموات باستمرار. لقد فتحت التنازلات الفلسطينية الشهية الإسرائيلية على مزيد من التنازلات.

 

إن المسؤولية الوطنية تقتضي مراجعة السياسة المدمرة والإقرار بأننا وصلنا بسببها الى وضع أسوأ مما كنا فيه. فالاحتلال مستمر، ويجري تعميقه باستمرار من خلال الاستيطان والجدار والحصار والعدوان. وأصبحت السلطة المؤقتة، هدفاً وليس وسيلة، ومطلوب منها أن تقوم "بواجباتها" لتوفير الأمن للاحتلال، وتأجيل التفاوض حول القضايا الأساسية تارة، أو التفاوض حولها مفاوضات عميقة تارة أخرى، مقابل أن تعترف إسرائيل بها، وتضمن لها الولايات المتحدة الحصول على الدعم والرواتب لموظفيها.

 

إن ما يمكن أن يؤدي إليه الاستمرار في السير في الطريق الذي سرنا فيه منذ أوسلو وحتى الآن، التنازل المبطن عن القدس والحدود واللاجئين وعن المطالبة بإزالة الاستيطان مقابل دولة على البقايا، دولة لا تملك من مقومات الدول سوى الاسم.

 

وأخيراً، لا يمكن الحكم باسم فتح والمنظمة، وإبقاء فتح بعيدة والمنظمة بعيدة، سواء من خلال عدم المشاركة بالحكومة أو بعرض رمزي عليهما للمشاركة.

 

إن المنظمة تشارك بقوة بالحكومة أو لا تشارك. و"فتح" تشارك بقوة أو لا تشارك. والشخصيات الوطنية تشارك بقوة أو لا تشارك. والمقصود بالمشاركة القوية ليست التمثيل والحصة في كعكة الحكومة فقط، وإنما في برنامجها وخطتها وموازنتها وكيفية قيامها بعملها وجعلها أداة للمنظمة وليست فوق المنظمة.

 

وحتى تشارك "فتح" كـ "فتح" لا يجب أن يتم اختيار فتحاويين بصفتهم الفردية والمهنية. وهذا ينطبق أيضا على بقية الفصائل.. التحديات كبيرة وخطيرة وبحاجة الى جهد وطاقة الجميع.

 

إذا أردنا حكومة يجب أن تكون قوية، وحتى تكون قوية يجب أن تتوفر لها الشروط التالية:

 

أولا: استراتيجية قادرة على التعامل مع المتغيرات والتأثير بالواقع من خلال اعتماد برنامج وطني يقوم على قناعة بأنه لا يوجد حل وطني على الأبواب، وإن مثل هذا الحل بحاجة الى كفاح لتغيير موازين القوى والحقائق الماثلة حالياً على الأرض.

 

ثانياً: الوحدة الوطنية ضرورة وليست خياراً من الخيارات، لذا لا بد من العمل الجاد من أجل إنجاح الحوار الوطني ووصوله الى اتفاق قادر على إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة.

 

ثالثاً: إذا وصل الحوار الى طريق مسدود لا يكون الحل بالموافقة على صيغ تتعايش مع الانقسام انتظاراً لما سيكون، وإنما بتشكيل حكومة قوية، حكومة "م.ت.ف" على أساس برنامج وطني يخضع للمصلحة الوطنية ويحظى بثقة الشعب الفلسطيني أولاً وأساساً وقبل أي شيء آخر. برنامج يرتكز على توفير مقومات الصمود في وجه الاحتلال ومقاومة الاحتلال مقاومة مثمرة، ويمد اليد لمفاوضات مثمرة قادرة على إنهاء الاحتلال.

 

برنامج يجعل السلطة جزءاً من المشروع الوطني وأداة من أدوات المنظمة، وقادرة على تقديم نموذج وطني ديمقراطي يستطيع هزيمة الانقسام والانقلاب.

 

أما إذا تركز الجهد على شكل الحكومة ومن سيشارك بها، ومن سيقرر هذه المشاركة بعيدا عن البرنامج الوطني والأهداف الوطنية.

فعلى القضية السلام، وألف رحمة على المشروع الوطني!!