خبر بأدوات مختلفة.. مشروعان ثابتان وفراغ عربي ..د. عبد الله الأشعل

الساعة 11:09 ص|17 مايو 2009

ـ إسلام أون لاين 16/5/2009

يستطيع المراقب للحراك المكثف والمتسارع في المنطقة أن يرصد عدداً من المؤشرات بعد قراءة مختلف الخطوط التى تتشابك وتوشك أن ترسم خريطة سياسية جديدة في المنطقة. يشترك في هذا الحراك بدرجات وبتصريحات متفاوتة معظم دول المنطقة والولايات المتحدة، وتكاد القراءة الأولى للمشهد تميل إلى أنه يمكن أن نلمح الاتجاه الأغلب، وهو الذى يشيع التفاؤل في نقطة اللقاء الإقليمية والعالمية على الرغبة في السلام الإقليمى والتهدئة والتوصل إلى تسويات بصرف النظر عن حظوظ الأطراف في هذه التسويات، تقوم كلها على الصراع العربي الإسرائيلي.

ولذلك فإنه يمكن تقديم هذه القراءة من خلال استقراء مختلف المحاور في الملاحظات الآتية:

أولاً: تشير الرسائل الإيرانية والسورية وحماس صوب الولايات المتحدة وإسرائيل، إلى أنهم جميعاً يريدون حلاً للصراع، وقد أكدت طهران لأول مرة بشكل قاطع أنها لا تعارض أي تسوية تقوم على حل الدولتين بما يعني التخلي عن فكرة زوال إسرائيل ودعم المقاومة، والاستعداد للاعتراف بإسرائيل في إطار هذا التطور، وربما الرغبة في المشاركة في كل جهود التسوية السياسية. ودون استعراض لتفاصيل المواقف والتصريحات، فإنها جميعاً تميل إلى الهدنة والتهدئة وتشجيع التسوية السياسية.

ثانياً: تشير الرسائل المصرية والسعودية بالذات إلى أن السياسة الأمريكية في المنطقة لن تستوي إلا إذا تم تسوية الصراع العربي الإسرائيلي بأي شكل، وأن المنطقة العربية مستعدة لتشجيع إسرائيل وتحفيز الولايات المتحدة للمشاركة في هذا التشجيع للنزول عن البرنامج المعاكس الذي أعلنه نتنياهو الذي لم يعترف بأي أفق سياسي ويكرر أنه يقبل فقط بحكومة حكم ذاتي إداري وليس دولة لها طابع سياسي، ويمكن بحث مثل هذه الدولة بمواصفات معينة تناسب نظرية الأمن الإسرائيلية.

ثالثاً: على الجانب الآخر، فإن إسرائيل التي تطرح هذه الأفكار تبدو وكأنها في حالة مفاوضات مع الجانبين العربي والفلسطيني والأمريكي إلى حد ما، وكأن نقطة لقاء مشتركة توشك أن تتبلور وأن تسوية شاملة توشك أن تظهر على النحو الذي أعلن عنه أبو مازن خلال زيارته للقاهرة يوم 6 مايو الجاري، وربما ما يتبلور كذلك من تحركات الملك الأردني وزيارته الأخيرة لواشنطن، إضافة إلى اللقاء الذي جمع الرئيس المصري وبنيامين نتنياهو في شرم الشيخ المصرية يوم 11 مايو.

مشروعان متنافسان

وإذا قاربنا بين كل أطراف هذا الحراك، أمكن أن نتصور أننا إزاء مشروعين مختلفين:

المشروع الأول هو المشروع الإسرائيلي الأمريكي في ثوب جديد بنفس الأهداف مع اختلاف في شكل التحالفات والأدوات.

في هذا المشروع يتم إنهاء المقاومة العربية التي أفشلت المشروع في البداية وإعداد العالم العربي لدور بارز يقوم بموجبه بعدد من الجهود إذا أراد لواشنطن أن تضغط على إسرائيل لكي تقبل حل الدولتين دون أن تضمن تنفيذ هذا الحل على الأرض، لأن واشنطن ترى أن الموافقة على هذه الصيغة هي أهم تنازل يقدمه نتنياهو من الناحية النظرية حتى يمكن بعد ذلك إجباره على التخلي عن مشروعه فى المنطقة، والعمل تجاه تنفيذ هذه الصيغة التي لن تتحقق على الأرض.

مقابل هذا التنازل النظري، مطلوب من العالم العربي أن يشاطر إسرائيل فزعها من الملف النووي الإيراني، وأن يصطف العالم العربي معها ضد العدو المشترك الجديد، مثلما كانت واشنطن تدعو العالم العربي في بداية الثمانينات من القرن الماضي إلى اعتبار موسكو وليس إسرائيل هي العدو المشترك "لنا جميعاً"، حسب مقولة هيج وزير الخارجية عام 1981 بعد الغزو السوفيتى لأفغانستان، والذي كان نقطة تحول حاسمة في تاريخ العلاقات الدولية حتى الآن.

مطلوب من العالم العربي أن يوجه جهده السياسي والإعلامي وإعداده العسكري لمساندة أي هجوم أمريكي أو إسرائيلي مدعوم أمريكياً على إيران لإخراجها من المعادلة الإقليمية تماماً وفق المنظور الإسرائيلي. وإذا تحقق ذلك، جف مصدر دعم المقاومة واستقرت قواعد التسوية بالمفهوم الإسرائيلي، وأصبح بعد ذلك سهلاً على الدول العربية أن تحل محل القوات الأمريكية في العراق وأن تحل القوات الإسلامية محلها في أفغانستان.

لقد حاول المشروع الأمريكي الإسرائيلي أن يفعل ذلك مع إيران والمقاومة والعراق ولبنان منذ وقت طويل لكنه عجز في المواجهة العسكرية، ثم يلتف الآن لإخماد مصدر الفتنة والمعارضة للمشروع وهو إيران، بعد أن قدر أن التكاليف السياسية للحوار مع إيران سوف تكون باهظة وأنها سوف تثير قلق الحلفاء العرب وإسرائيل تجاه نوايا الولايات المتحدة.

المشروع الثاني، هو المشروع الإيراني، الذي يحاول أن يقلل مخاوف إسرائيل ويأمل أن يمضي بالملف النووي رغم كل الأنواء وأن يحتوي كل الضغوط. ويظهر في هذا المشروع تصميم إيراني نهائي يقابله تصميم إسرائيلى نهائي، لأنه إذا تم إنهاء المشروع الإيراني النووي بالهجوم فلا حاجة بعد ذلك للحوار مع إيران، أما أمل إسرائيل في إنهائه بالحوار فيبدو مستحيلاً.

في سياق هذا المشروع لابد أن تكون طهران قد فكرت في المكان الذي تقف فيه إسرائيل ومدى استعداد طهران للاعتراف بإسرائيل ووقف المقاومة في لبنان وفلسطين وتطبيع العلاقات مع إسرائيل مادام دعم المقاومة هدفه تعظيم الأوراق السياسية، أما الملف النووي فهو الورقة الإستراتيجية الحاسمة.

مما تقدم يتضح أن المنطقة مقبلة على مواجهة واضحة بين المشروعين، المشروع الأمريكي الإسرائيلي الذي يحتوي غضب العالم العربي ويرضيه بوعود نظرية أملاً في ضمه إلى قافلة العداء للمعسكر الإيرانى، والمشروع الإيرانى الهادف إلى الفوز بملفه النووي وبحوار يضمن لإيران دوراً ومكانة في الإقليم بما في ذلك تسهيل خروج القوات الأمريكية من العراق، واستخدام الأوراق الأخرى في صيغة للتعاون مع الولايات المتحدة.

سماوات المنطقة لا تزال مزدحمة بكل هذه الاتجاهات، وأظن أن العالم العربي سيكون الخاسر الوحيد في هذه الملحمة بسبب عجزه عن خلق منصة مستقلة، وتهافته على استجداء التسوية بشكل معقول من إسرائيل التي تعيش هاجس استمرار المشروع الصهيوني بأي ثمن.

إذا ضربت إيران وأسكت صوتها، فازت الحكومات العربية بالرهان ولكنها تخسر كل شيء أمام المشروع الصهيوني. أما إذا تمكنت إيران من الرد كانت الدول العربية هي أحد أهم أهداف هذا الرد، وتكون قد حاربت معركة عدوها التاريخي دون أن تدري، أما إذا نشطت المفاوضات الإيرانية الأمريكية؛ فسوف تكون التنازلات المتبادلة في منطقة الفراغ العربي!.