خبر في الذكرى الحادية والستين للنكبة المتواصلة وحق العودة

الساعة 05:29 ص|17 مايو 2009

                            د. أسعد أبو شرخ

                            أكاديمي وكاتب فلسطيني - جامعة الأزهر بغزة

                            عضو مؤتمر حق العودة - لندن

 

"يا منداري بترجع لبلاد ونعود لفلسطين" قالت العجوز السبعينية التي مازالت مسكونة بحب فلسطين، فالذكرى لا تفارقها وألم الواقع وقسوته يجعلها أكثر تثبتاً وإصراراً بقريتها في فلسطين، التي تقول عنها هذه العجوز إنها أرض البرتقال الحزين، وحين سألتها لماذا "الحزين" تقول لأن أهله بعيدين عنه ولن تعود له الفرحة إلا بعد عودة الغائبين، أي اللاجئين الفلسطينيين له" قلت لها وأنا انظر إلى ملامح الزمن المرسوم على وجهها، كيف كانت حياتكم في فلسطين قبل النكبة؟

 

انتفضت ووقفت تنظر إلى البحر من نافذة البيت في مخيم الشاطئ للاجئين الفلسطينيين ، كانت حياتنا كلها هنا ومحبة وكنا مبسوطين "الله يرحم أيام زمان" آه يا ولدي، تنهدت وغرقت في لحظة تأمل مع واندماج مع الماضي وقالت إحنا في مدينة المجدل هذه المدينة الوديعة الهانئة كنا نأكل مما نزرع ونلبس مما نصنع، فمدينة المجدل كانت من المدن الصناعية المشهورة وكانت حياتنا ديمقراطية بما تعني هذه الكلمة على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي، لأن مدينة المجدل لم يكن بها إقطاع أو فقراء، فالجميع كانوا متساويين وكانت المجدل كعائلة واحدة، لأن صلات النسب ربطت كل أبناء البلدة في علاقات اجتماعية قوية، وكانت الدواوين العائلية التي تتمتع بالكرم هي المنتديات الاجتماعية لجميع الناس، وكانت تزدهر في المجدل زراعة الحمضيات وصناعة النسيج، وانخرط سكان المجدل في جميع الحركات والأحزاب السياسية منذ بداية نشأتها.

 

وكانت المجدل جزءاً أصيلا من الحركة الوطنية الفلسطينية ومناهضة الصهيونية، ولم تتمكن الحركة الصهيونية من شراء أو الحصول على أي سنتمتر واحد من أراضي المجدل وهذا ما يفخر به المجدليون! كانت المجدل وجميع القرى المحيطة بها أشبه بعائلة كبيرة من المودة والمحبة والتقارب والأقارب والتصاهر والزواج والتعاون والعمل والعلاقات الاجتماعية وهذا كان حال جميع مدن وقرى فلسطين.

 

"نظرت العجوز السبعينية نظرة عميقة إلى البحر، كأنها تسبر غور البحر والزمن وهي تردد "يا منداري بترجع هديك الأيام"!

 

وحين سألتها، أمازلت تحنين إلى الأيام الخوالي في فلسطين قالت "مجدلية أنا والهوى مجدل!" هذه هي حدوتي اليومية إلى أبنائي وأحفادي، وهذه هي أنشودتي من الصباح إلى المساء الممزوجة بالدعاء لله أن يجمعنا بأوطاننا، ألم يقل الشاعر،

 

      وقد يجمع الله الشتيتين  بعدما يظنان كل الظن ألا تلاقيا 

 

 

 

- وحق العودة؟

 

دونه حز الحلاقيم أما العودة وأما الشهادة ، فلا تنازل عن الأوطان فهي ليست للتفاوض ولا للتنازل، وكل ذرة تراب غالية، اتدري إنني احتفظ بحفنة من تراب الوطن أضعها تحت وسادتي، واشمها كل يوم قبل أن اخلد للراحة، لا بديل عن فلسطين إلا فلسطين ولا فلسطين إلا في فلسطين، وأخذت تنشد على مسامعي وهي تتنهد وتتحسر بين كل بيت وآخر،

 

      اللي مضيع ذهب   بسوق الذهب يلقاه

 

      واللي مضيع محب  يمكن سنه ويلقاه

 

      بس إللي مضيع وطن  وين الوطن يلقاه؟!!

 

 

لعل هذه السيدة السبعينية تعبر عما يجيش في صدر كل طفل ورجل وامرأة من جوى وشوق وإلى تراب الوطن الغالي المحتل فلسطين، هذا هو شعور ملايين اللاجئين الفلسطينيين الذي يرون في تحرير فلسطين وعودتهم، حق مقدس وطبيعي وقانوني وشرعي ولا تفاوض عليه أو تنازل عنه ففلسطين هي هاجسهم وبوصلتهم وهدفهم وأنشودتهم وحاديهم وموعدهم ولحظة فرحهم!

 

إن رسالة الأجداد إلى الأبناء والأبناء إلى الأحفاد المرسومة في عقول وقلوب جميع الفلسطينيين في منافيهم ومخيماتهم وحيثما يقيمون هو ألا تنازل عن ذرة واحدة من التراب، وإننا سنعود حتماً إلى فلسطين، وإن احتلالها حالة طارئة في التاريخ، فالتاريخ لا يسير بخط مستقيم بل هو خط متعرج أو دائري، والقوة مهما كانت باطشة أو دموية لا تؤسس لحق حتى لو فرضت الباطل الزهوق لبعض الوقت!!

 

إن أول من يدرك هذه الحقيقة هم الصهاينة المحتلون الذين مازالوا يمارسون جرائمهم ومذابحهم ضد الشعب الفلسطيني حتى يومنا هذا.

 

ففي الكتاب المقدس نقرأ " أن من يعيش بالسيف سيموت بالسيف" وهذا هو مصير إسرائيل المحتوم.

 

لقد أنشأت إسرائيل "بالقوة والعنف والإرهاب والمجازر إذ أن الإيديولوجية الصهيونية، وبالتالي الحركات الإرهابية الصهيونية المؤسسة عليها أيديولوجية إرهابية في الفكرة والوسيلة والهدف، ولهذا خططت لاحتلال فلسطين وطرد أهلها وممارسة التطهير العرقي بالقوة المسلحة وعبر المجازر والمذابح ما نقرأه في مذكرات ويوميات قادة الحركة الصهيونية منذ بداية القرن الماضي، إذ يقول هرتزل في يومياته "سنطرد العرب الفلسطينيين" خارج حدود فلسطين بالقوة، ومن يتبقى منهم سوف نستخدمهم في تنظيف الأرض من الزواحف " أو نستخدمهم كسقاءين وحطابين! أما يوسف فايتز رئيس دائرة الاستيطان في الوكالة اليهودية فيقون عام 1940!

 

" يجب أن يكون واضحاً فيما بيننا بأنه لا يوجد مكان لشعبين - الفلسطينيين والإسرائيليين - في هذه الأرض .

 

ومن هنا لابد من طرد الفلسطينيين العرب إلى الدول المجاورة، بل يجب طرد جميع الفلسطينيين بلا استثناء ولا يجب أن تبقى قرية أو قبيلة فلسطينية واحدة هنا "أي فلسطين".

 

 

أما بن جوريون فيقول 1937 :

 

" يجب طرد العرب وأخذ مكانهم ويجب أن نفعل قصارى جهدنا على ألا نسمح لهم بالعودة أبداً أبداً فالكبار سيموتون والصغار سينسون". إن الخريطة الحالية لفلسطين قد رسمها الانتداب البريطاني، أما بالنسبة لليهود فلهم خريطة أخرى التي يتوجب على الكبار والصغار منا العمل على تحقيقها أن خريطتنا من الفرات إلى النيل".

 

وبعد حرب 1948 قال بن جوريون " إن ما ربحناه بالحرب لن نتنازل عنه على طاولة المفاوضات".

 

 

أما أولمرت فيقول " إن أجزاء عزيزة وغالية من وطننا الذي هو مهد التاريخ، بقيت وراء حدودنا، لكننا ضمّنا أغلبية يهودية قوية في دولة إسرائيل، ويقول بعد حرب 1967 كان هناك الكثيرون الذين مازالو يطالبون بأرض إسرائيل الكبرى".

 

لقد قامت العصابات الصهيونية بارتكاب سلسلة من المجازر، والحروب العسكرية والحروب النفسية وحروب الإشاعة حول مجازر حصلت أو مجازر سوف تحصل لمن لا يغادر من المواطنين، ولقد كان المثال الأشهر والأكثر دموية لذلك مجزرة دير ياسين بقيادة المجرم مناحم بيجن الذي يقول في كتابه "The Revolt " "إن القوات اليهودية كانت تتقدم تجاه حيفا مثل السكين في الزبدة، وبدأ العرب يهربون في ذعر وهم يصرخون دير ياسين، دير ياسين .. وكذلك الحال في صفد التي بلغ تعداد سكانها 14 ألف نسمة"

 

ومن أمثلة الحرب النفسية التي قامت به العصابات الصهيونية في مايو 1948 ما ورد في منشور للجيش الصهيوني النظامي في ذلك الوقت إذ يقول:

 

" إنني أعلن في هذا البيان على الجميع أن يغادروا مع نساءهم وأطفالهم لكي يحقنوا دماءهم ستكون هذه الحرب قاسية وبلا رحمة أو شفقة لا يوجد سبب للمخاطرة بحياتكم والبقاء".

 

ونفس الشيء حدث في منطقة يافا ومنطقة القدس والمناطق الأخرى إذ كانت عربات مكبر الصوت تجول في الشوارع الرئيسية معلنة " أشفقوا على نساءكم وأطفالكم واهربوا من حمام الدم عبر طريق أريحا قبل أن يغلق، إن لم تهربوا بجلودكم ستحل بكم الكارثة".

 

ونفس الشيء فعلته هذه الحركات الصهيونية عن طريق المنشورات وبث الجواسيس الذين يروجون للهروب وإلا فالموت قادم .

 

يعلق المؤرخ البريطاني الشهير أرنولد توبينبي في كتابه دراسة التاريخ "A study of history " على مجزرة دير ياسين بالقول " إن الأعمال الشريرة التي ارتكبها اليهود الصهاينة ضد العرب الفلسطينيين هي تماماً كالجرائم التي ارتكبها النازيون ضد اليهود".

 

ويروي أحد شهود العيان اليهود جون قمحي في كتابه الأعمدة السبعة الساقعة "The seven fallen Pillars " كيفية احتلال مدينة يافا الذي هو مثال آخر للاجرام بل والسلب والنهب.

 

يقول " إن القصف المدمر والعنيف أوجد حالة من الذعر بين السكان العرب الذين بدأوا بالهرب من شدة وضراوة هذا القصف، وفي الوقت نفسه قامت قوات الاراجون بسرقة الأثاث والسجاد والصور وأدوات المطبخ والذهب والمقتنيات خفيفة الحمل وما لم يتمكنوا من أخذه دمروه مثل النوافذ والآلات البيانو الكبيرة والأضواء والنجف وغيره.

 

أما لماذا تعتبر مجزرة دير ياسين ذروة حرب الإبادة والحرب النفسية ضد الفلسطينيين فيقول شاهد عيان " لأن العصابات الصهيونية قامت بتطويق المدينة وسكانها الـ 600 ومن ثم ذبحوا بدم بارد 250 إنسان بريء بينهم 52 امرأة مرضعة ثم ذبحوا أيضاً 60 امرأة كبيرة وشابه وبقروا بطون 25 امرأة حامل، وقطعوا الأطفال إرباً إرباً أمام مرأى ومسمع من أمهاتهم وألقوا بـ 150 جثة من جثث النساء والأطفال المقطعة والمشوهة في بئر في القرية، ولم يسمح لممثل الصليب الأحمر جاك ريجنر "Jack Regner "بدخول المدينة إلا بعد أربع وعشرين ساعة من ارتكاب المجزرة أي بعد تنظيف القرية وإخفاء معالم الجريمة !!!

 

وهذا ضمن المخطط الصهيوني كما جاء في الخطة " دالت" التي تقوم على الهجوم والاحتلال والقتل وترهيب وترعيب السكان للفرار، إذا ورد على لسان أحد كبار رجال العصابات الصهيونية في ذلك الوقت " أن طرد العرب لن يكلفنا أكثر من عدة مجازر محسوبة " a few calculated massacres will soon get rid of them" .

 

ويعلق الكونت برنادوت، الوسيط الأممي في ذلك الوقت في تقرير قدمه للأمم المتحدة على ما جرى بالقول " إن الدولة اليهودية لم تولد بسلام كما كان يؤمل حسب قرار التقسيم، ولكنها ولدت بالعنف وسفك الدماء.

 

أما رجل الدين الكاثوليكي الأمريكي رالف جورمان "Ralph Goreman " فيكتب في مجلة The sign الكاثوليكية " معلقاً على جرائم العصابات الصهيونية أن الصهاينة استخدموا الإرهاب بدم بارد في مجزرة قبيبة بأكثر مما كان بفعل النازيون".

 

 

حرب الإبادة على قطاع غزة 2009 جزء من النكبة المتواصلة :

 

إن العقلية الصهيونية التي ارتكبت مجازر دير ياسين وقبيبة وصفد وتل الزعتر، والطنطوره وخانيونس وجنين والخليل ونابلس هي نفسها التي قامت بحرب الإبادة على قطاع غزة في ديسمبر - يناير 2009 ونفس الأوامر بالقتل والتدمير والإبادة كانت تصدر عن نفس العقلية - المؤسسة على الإيديولوجية الصهيونية، سواء كان ذلك على المستوى السياسي أم العسكري أم الديني، فالنكبة مازالت متواصلة حتى يومنا هذا، يمارسها الصهاينة النازيون الفاشيون دون حساب أو عقاب من ضمير إنساني وكأن المعادلة أصبحت كما قيل ذات يوم "أن صاحب الضمير لا يقدر، والقادر مجرد من الضمير" فالقادة الإسرائيليون الصهاينة الممثلون بتالوث الشر، نتنياهو - باراك - ليبرمان- ينكرون حقوق الشعب الفلسطيني تماماً، بل الأكثر من ذلك، يطالبوننا بإلغاء أنفسنا وحقنا من الوجود في وطننا وذلك حين يريدون منا أن نعترف "بفلسطين وطناً للشعب اليهودي" نفس مقولات بن جوريون وفاتيز وغيرهم.

 

في حرب الإبادة على غزة في 2009 التي هي استمرار لما يسمونه الصهاينة " حرب الاستقلال" أي أن نكبة فلسطين وُزعت على الجنود الصهاينة كتيبات تحث وتحض على القتل والتدمير بلا شفقة أو رحمة وبطريقة عشوائية، يقول الجنود " لقد تم توزيع كتيب علينا يحثنا على القتل، قتل جميع الفلسطينيين. "إن كل المواد في الكتيب، يقول أحد الجنود لها رسالة واحدة " إننا نحن شعب إسرائيل وصلنا إلى هذا البلد بالمعجزة تقريباً والآن يتوجب علينا القتال لاقتلاع "الأغيار" "العرب الفلسطينيين" الذين يقفون في وجه إعادة غزونا للأرض المقدسة، إننا نشعر إنها حرب دينية".

 

ويقول جندي آخر من الذين شاركوا في الهجوم على غزة "أن المناخ العام كان يرى بأن حياة الفلسطينيين أرخص وأقل أهمية بكثير من حياة الجنود الإسرائيليين" ويقول قائد أحد الوحدات الإسرائيلية أثناء العدوان " لقد أمرت الوحدة بإطلاق النار على المناطق المأهولة بالسكان بدون تحذير".

 

وقال آخر "لقد أمرنا أن نقتحم بدباباتنا بيوت الفلسطينيين بإطلاق الرصاص في كل مكان في الأدوار السفلي والعليا طابقاً طابق، وطلب منا أن نطلق الرصاص على أي شخص" وحين سأل أحد الجنود قائد وحدته ما الحكمة من فعل ذلك أجاب" إن كل من في مدينة غزة هم من الإرهابيين لأنهم لم يهربوا !!! ...، رغم أنه لا يوجد لديهم مكان للهروب إليه !!!

 

وقال قائد وحدة آخر لم نقم بالقتل فحسب، بل بتدمير البيوت وتجريف المزارع أيضا، واعترف جندي آخر بالقول " لقد سمح لنا أن نكتب على جدران البيوت الفلسطينية شعارات مثل " الموت للعرب وأن نبصق على صور العرب ونبول في غرف نومهم "!!!

 

واعترف أحد الجنود بقتل أم وطفليها بدم بارد وهم يسيرون في الطريق، وقتل جندي آخر، عجوز طاعنه لأنها كانت تسير في الشارع !!!

 

ويعترف جندي آخر بالقول " لقد القينا كل شيء من نوافذ البيوت التي دخلناها، مثل الثلاجات، والصحون، والأثاث وأي شيء أردناه، لأن الأوامر كانت تنص على ذلك".

 

أما الحاخامات فقد لعبوا في حرب الإبادة الأخيرة على قطاع غزة دوراً عنصرياً تحريضياً، يحث على القتل والتدمير انطلاقاً من منطلقات توراتية عنصرية حاقدة، فهم مثل الساسة وأكثر مدججون بالحقد والكراهية، ولا يتورعون عن التعبير عن مشاعرهم بكل صفاقة ووقاحة لإبادة الشعب الفلسطيني وسفك دماءه بل وتعطشهم إلى هذه الدماء البريئة الزكية. إنهم يتحدثون عن ذلك بعنصرية مفضوحة وصفيقة يقول الحاخام يتسحاق جنزبرج " إن دماء اليهود ودماء "الاغيار" غير متساوية لدرجة أن قتل غير اليهودي لا يعتبر جريمة قتل".

 

أما رئيس حاخامات الجيش الإسرائيلي العميد افيحاي رونسكي فقد أجاز توزيع كتيبات دينية على الجيش الإسرائيلية تحضهم على قتل كل الفلسطينيين في قطاع غزة".

 

أما الحاخام يسرائيل روزين مدير معهد تسوميت الديني، فقد دعا إلى قتل جميع الفلسطينيين رجالاً ونساءاً وأطفالاً وحتى الحيوانات الفلسطينية يجب أيضاً قتلها " وقد أيد هذه الدعوة وتحمس لها الحاخام مردخاي الياهو الحاخام الأكبر لليهود الشرقيين في إسرائيل وكذلك الحاخام دوف ليور رئيس ما يسمى مجلس الحاخامات في " يهودا والسامرة" وكذلك الحاخام شموئيل الياهو، والحاخام الأكبر لمدينة صفد، وغالبية الحاخامات في إسرائيل يسيرون على نفس هذا النهج .

 

إن إسرائيل لم تكتف بالقتل والإجرام وارتكاب المجازر وإنكار الحقوق بل إنها فرضت نظاماً عنصرياً قمعياً فاشياً، ظناً منها أن القوة هي الحل ويعترف النائب العام الإسرائيلي السابق ميخائل بن بائير 2002 بهذه الحقيقة حين يقول في الواقع "لقد أنشأنا نظام إبادة عنصري في المناطق المحتلة بعيد احتلالها مباشرة ومازال هذا النظام العنصري قائماً حتى يومنا هذا"، هذا النظام العنصري قائم على سطوة القوة التي يمثلها الجيش وجنرالاته، إذ يقول باراك في مقابلة مع صحيفة كوريرا ديلا سيرا الإيطالية 2008 " إن الجيش الإسرائيلي على استعداد للهجوم والنجاح بلا مساومة".

 

بيد أن صمود الشعب الفلسطيني وتمسكه بوطنه التاريخي فلسطين والتمسك بحق العودة ورفض التنازل عن أي ذرة تراب من فلسطين جعل بعض الإسرائيليين يعترف بأن القضية قضية حقوق ,وأن الفلسطينيين متمسكون بحقوقهم في فلسطين وهذا هو لب الصراع إذ يقول نيف جوردون في كتابه "الاحتلال الإسرائيلي "2008.

 

"طالما استمر صناع القرار في إسرائيلي الاعتقاد بأنه يمكن حل الصراع عن طريق معالجة المظالم التي ارتكبت ضد الفلسطينيين عام 1967 متجاهلين ما جرى عام 1948 خاصة مشكلة اللاجئين فلن يكون هناك حل سياسي دائم في المنطقة".

 

إن العدو الصهيوني العنصري لا يجارينا فقط عسكرياً وبالتطهير العرقي وكل أنواع المجازر والمذابح والحصار، بل أنه يفعل ذلك أيضا بالمشاريع والمبادرات السياسية المضللة مهما كانت اللغة الناطقة بها سواء كانت عربية أم عبرية أو إنجليزية، مثل مبادرة أبو مازن - بيلين، أو "مبادرة جنيف عبدربه" أو المبادرة العربية، التي أوحى بها بل وصاغها الصحفي اليهودي الأمريكي توماس فريدمان وخاصة البند الذي يتحدث عن " حل عادل متفق عليه لقضية اللاجئين على أساس القرار 194 بدلاً من النص الأصلي الذي ينص صراحة على عودة اللاجئين بتنفيذ القرار 194 والكلمة الجوهرية هنا كما جاء في قرار الأمم المتحدة تنفيذ حق العودة والمكتوب باللغة الإنجليزية Implementation of the right of return أم الاختراعات والتهويمات اللغوية الغامضة والمضللة فهذه صناعة صهيونية حتى لو جاءت بلسان عربي مبين" وينطبق نفس الشيء على مبادرة بوش أو أي فذلكات أخرى سواء صدرت عن جامعة الدول العربية أو جامعة الدول الغربية!

 

علماً أن شارون هو الذي صاغ مصطلح حل عادل متفق عليه لقضية اللاجئين وسوقه إعلامياً عبر توماس فريدمان وسياسياً عبر بوش.

 

كذلك تحاربنا إسرائيل بالقوانين والقرارات السياسية خاصة ما يصدر من قرارات صادرة عما يسمى الكنيست مثل قرار ضم القدس لعام 1967 أو قرار عدم السماح بحق العودة للاجئين الفلسطينيين الصادر عام 1962 بناء على طلب من بن جوريون في ذلك الوقت، أو ما صدر عن يهودية الدولة أو اعتبار قطاع غزة كياناً معادياً، كل ذلك يثبت أن هذا العدو الصهيوني العنصري لا يريد سلاماً والتفاوض والتباحث معه ضرب من العبث العابث وتهافت التهافت ولا بديل عن المقاومة وثقافة المقاومة بكل معانيها وأبعادها وأشكالها وزخمها.

 

 

إننا ونحن نستذكر ونستعبر النكبة نقول :

 

إن حق العودة إلى وطننا التاريخي فلسطين ليس مجالا للمفاوضات أو المباحثات العبثية لا من هذا الطرف ولا ذلك لأنه قبل كل شيء هو حق مقدس فردي وجماعي وقانوني وشرعي وطبيعي وإنساني غير قابل للتنازل أو للإنابة أو للمساومة. لأنه حق والحق هو لصاحبه الذي لا يملكه أحد سواه، فكل المشاريع التي تمس حق العودة أو الالتفاف حوله سواء كانت فلسطينية أو إسرائيلية أو عربية أو دولية لا مكان لها سوى في سلسلة المهملات وهذه رسالتنا للدنيا، فلسطين وطننا، مهما طال الصراع، ومهما كانت التضحيات، فلا مكان للصهاينة والغزاة في بلدنا العربي الفلسطيني.

 

يقول المرحوم الأستاذ الكبير أحمد الشقيري أول رئيس ومؤسس لمنظمة التحرير الفلسطيني في خطاب له في الأمم المتحدة" وهو يخاطب العالم بكل ثقة وشجاعة وثبات وتثبت بالحق.

 

" ما نطالب به هو حقنا لا أكثر ولا أقل، هذا ليس نزاع حدود للتفاوض أو المساومة، الوطن هو الوطن، وطننا فلسطين هو في لب القضية والوطن لا يسمح بالمفاوضات ولا المساومات ولهذا نقول وعلى طول الزمن "لن نتفاوض على وطننا ولن نساوم فيه أو عليه".

 

ولهذا يرى الشقيري في خطاب آخر له في الأمم المتحدة "أن القضية الفلسطينية، كقضية استعمار، لا يمكن أن تحل إلا عبر الحل الجزائري، أي كما حلت القضية الجزائرية وانتصرت الجزائر وخرج المستوطنون والمستعمرون وتحررت الجزائر عبر المقاومة وحرب التحرير.

 

هذه النتيجة الحتمية هي نفسها النتيجة التي توصل إليها المؤرخ الإسرائيلي شلومو زاند 2008 حيث يقول "انه لم يتم نفي اليهود من الأراضي المقدسة (فلسطين) وأن معظم يهود اليوم لا علاقة تاريخية لهم بالأرض التي يطلقون عليها إسرائيل" وإن الحل السياسي الوحيد لصراع إسرائيل مع الفلسطينيين هو بإلغاء الدولة اليهودية " وهذه رسالتنا للعرب والعالم والتاريخ لا يرحم بل ينتقم!

 

 

نكرر في ذكرى النكبة ما قالته العجوز المجدلية السبعينية

 

حق العودة دونه حز الحلاقيم

 

اتسمعونني، دونه حز الحلاقيم!!

 

وتحرير فلسطين قادم قادم قادم

 

وإننا لعائدون!